فضاء حر

أين كان الإصلاح، وكيف أصبح..؟!

يمنات

ماجد زايد

منذ السبعينيات، وحتى سقوط الدولة، وحركة الأخوان المسلمين -فرع اليمن- مستحوذة على جزء كبير من الدولة، وواجهة فعلية ومكتملة عن المعارضة وشارعها العام، كانت بوجهين متناقضين يخدم كلاهما الأخر، التجمع اليمني للإصلاح في معظم فترات الجمهورية الأولى كان يمثل دولة الظل المسيطرة على مجريات الأمور وبُعدها المتواري خلف مسميات المعارضة، الإصلاح بشكله القبلي، والعسكري، والديني، والسياسي، والأمني، والمخابراتي، والإعلامي، والصحافة المقروءة، وشتى مظاهر النفعية السياسية، كانوا دولة في ظل دولة، ومعها يسيطرون على تفاصيل المجتمع، ويغذونه فكريًا بطريقتهم الملائمة والمنسجمة مع أفكارهم المستوردة، كانوا موجودون في عمق القرى البعيدة والمترامية، وعلى إمتداد الطرق والروابط المدنية، وفي كل الجغرافيا الوعرة والمتصحرة، وفي معظم الأماكن اليمنية، كانوا في الشمال هم الفكر الحصري للمجتمع، وفي الجنوب شكلوا الوريث الفعلي لتركة الفكر الإشتراكي، وهناك سيطروا، وكفروا، وإنتشروا، وإشتروا، وباعوا، وأخوّنوا الحياة والمدارس والمساجد والمعاهد والجامعات، كانوا فكرًا يعيش بكل معاني الحرية المسموحة من سلطة الدولة التي يحكمونها ويعارضونها، ومنها كانوا يمثلون الجزء الأهم والأكثر تأثيرًا، وأمامها صنعوا وشكلوا معارضتها الرئيسية، المعارضة التي كانوا يحركون شارعها متى شاؤوا، كورقة تهديدية يقدمونها ويؤخرونها لمصلحتهم، وفي الحقيقة، كان كل شيء كروتًا نفعية لعقلية مخابراتية تدير تنظيمًا أخطر بكثير مما يظنه الأخرون..!!

جهاز الأمن العام بشكله الراديكالي كان جهازهم، وألوية الجيش اليمني بشكلها السبعيني كان جيشهم، وضباطه الكبار كانوا ضباطهم، والأمن السياسي بشكله الذي إغتال وعذب الناصريين كان أمنهم، ومؤسسة القضاء كانت مؤسستهم، والمجلس الأعلى للتعليم كان مجلسهم، ومعظم تفاصيل الظل كانت دولتهم..!

كانوا هم من إنتصر في جبهة الحرب الإشتراكية، وهم من إنتصر في الحرب على المناطق الجنوبية، وكانوا هم من يقاتل الحـ وثيين في حروب صعدة الستة، ولو من تحت الطاولة.. هذه الحروب التي خاضوها بمسمى الدولة كانت وفق إتفاقات ومكافأت أدت لتوسع نفوذهم داخل مفاصل الدولة، فإنتصارهم في جبهة الحرب على الشيوعيين أعطاهم مقاعد الكلية الحربية، ومن ثم مناصب عليا في الجيش اليمني كألوية وضباط، وإنتصارهم في حرب الإنفصال مكنهم من الوصول للمعهد الأعلى للقضاء ومناصب في وزارة العدل والمحاكم اليمنية..

وأمام هذا كله، كان علي عبدالله صالح يعيّ جيدًا تمكنهم ومدى سيطرتهم على الدولة ومؤسساتها، ومقابله، حاول عبر ثلاثة عقود للحيلولة دون سيطرتهم أكثر وأكثر على دولة يدعون فيها أنهم مجرد معارضين، ولأجل هذا أنشأ الأمن المركزي، كجهاز يتبع الدولة المركزية، للحيلولة دون إستحواذهم على جهاز الأمن العام والقضاء، وأنشأ الأمن القومي للحيلولة دون إستحواذهم على الأمن السياسي، وأقام الحرس الجمهوري للحيلولة دون سيطرتهم على ألوية الجيش اليمني، وهكذا عمل صالح منذ عام 2000 للحيلولة دون تمكنهم من الدولة فعليًا، وهو ما أظهر الخلاف بينهم، وجعله أكثر وضوحًا في عام 2006، في تلك الإنتخابات التي أظهر فيها الإصلاح قوته الحقيقية أمام رئيس الدولة، يومها كانوا يمارسون الترويج الإنتخابي بطريقة أكبر بكثير من رئيس الدولة، كانوا كأنهم الحاكم الفعلي للمؤسسات، في مواجهة أجهزة صالح المترنحة والمتقدمة عليهم بفعل الإعلام المرئي لاغير، بعدها تلاحقت الأمور والشكوك والمخاوف والأحداث بينهما، ومعها لم يغفر الإصلاح بأشكاله المتنوعة، القبلية، والعسكرية، والدينية، والسياسية، والمخابراتية، للرئيس صالح ممارساته تجاههم، الممارسات التي حالت بينهم وبين سلطتهم العميقة في عمق الدولة، وهنا بدأت حرب صعدة، لتكون بمجريات مختلفة في تفاصيلها عن حرب الجبهة وحرب الإنفصال.. في فترة الحروب الستة بصعدة، كان الإصلاح يراوغ صالح، وكان صالح يراوغ الإصلاح ويحاول إنهاكهم في حرب بعيدة مع نقيض مذهبي لمذهبهم السني، هذا الخلاف والتعقيد بينهما جر الدولة بشكلها الإصلاحي، وشكلها الصالحي لصراع بارد وشديد، أفرز الكثير من الشقوق والهشاشة في عمق الدولة مما أحدث إرادة المواجهة، لتحدث المفاجئة القاصمة لظهر البعير المترنح والمتمثل بالنظام العام للدولة، المفاجئة غير المتوقعة من الطرفين..!

في ذروة الصراع البارد بين النظامين المسيطرين، جاء القرار الدولي لتنظيم الأخوان المسلمين الأقليمي، معلنًا الثورات العربية والربيع العربي، ومعه لم يراعي التجمع اليمني للإصلاح نفوذه داخل الدولة اليمنية، وأعتقد لوهلة عابرة أنها فرصته الذهبية للإنقضاض على نظام صالح المهدد لوجودهم، وهنا أعلن الأخوان المسلمون فرع اليمن ثورتهم على نظام الرئيس علي عبدالله صالح، وأستخدموا كل قوتهم لإسقاطه والسيطرة عليه، كانوا مجرد تابعين لقرار دولي بعيد كليًا عن معطيات الشأن اليمني المعقد، ومجرد مفتونين بما حدث في تونس ومصر وسوريا، أغرتهم إنتصاراتهم هناك، وتحت تأثير النشوة والإفتتان أعلنوا الثورة والجهاد على الدولة التي كانوا لا يزالون يحكمونها ويعارضونها بمطلق الحرية والإنتشار، كان هذا القرار أسوأ قرار إتبعوه وساروا خلفه وخلف تخيلاته وتوقعاته، وبالفعل تحققت أمنياتهم، وذهبوا يحكمون الدولة، لكنهم لم يكونوا على قدر عالٍ من مسئولية الدولة التي هيكلوها، وأنهكوها، وأسقطوها في أول هزة يتعرضون لها، ومن يومها وحتى اليوم، سقط كل شيء وذهبت الدولة، وذهب الأخوان المسلمون لمزبلة الأطماع والتبعية، ولحقهم المتأخونين خلفهم، في كل الأقطار العربية، وهانحن ذا نجني عاقبة النشوة والإفتتان والإنقضاض على الدولة بلا عقلانية أو مراعاة للمعطيات والتعقيدات..

وهنا سؤال أخير ومهم:
هل يتمنى الإصلاحيون اليوم حذاء الدولة التي كانوا يحكمونها..؟!

من حائط الكاتب على الفيسبوك

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520.

زر الذهاب إلى الأعلى