العرض في الرئيسةفضاء حر

من طاغٍ إلى أطغى

يمنات

أحمد سيف حاشد

كل من يصل إلى السلطة في اليمن لم يعد يأبه بما كان يدعيه من بحث كديد عن العدالة و المساواة و المواطنة .. لم يعد يكترث بشيء اسمه حقوق و حريات و نضال مدني، و أكثر من هذا يضيق ذرعا بتلك الحقوق و الحريات، و يصير أكثر من ينتهكها و يستبيحها و يعبث في بقاياها، بل و يتحوّل إلى مسخ مرعب و همجي بكل ما تحمله الكلمة من دلالة و معنى، و قد تبدل الحال عمّا كان يظهره و يدّعيه من نعومة و لين و مظلمة..

و تداهمك عاصفة من الأسئلة: هل كان يخفي عنّا كل هذه الدمامة و القبح خلال ما خلى من وقت كان عليه عصيبا و شديدا..؟!! هل كان فقط يُخاتل و يتربص الفرصة لأن تأتيه و يصل إلى سدة الحكم ليقلب المجن، و يستفرد و يتوحش في وجه الجميع..؟!! هل كان يغرر علينا و يتصنع المواقف الزائفة، و يظهر لنا ما لا يبطن، و يخفي عنّا حقيقته المرعبة..؟! أم أن السلطة التي وصل إليها هي من أفسدته و جعلته بذلك الحد من التوحش و الرعب و الدمامة..؟!!

“السلطة مفسدة .. و السلطة المطلقة مفسدة مطلقة” تلك العبارة الشهيرة لـ”اللورد أكتون” نعيشها اليوم هنا في الواقع بكل أثقالها و وبالها، و على نحو أكثر مأساوية .. و إذا كانت تلك العبارة قد قالها “أكتون” قبل مائة و خمسين سنة كما يقول “ماثيو سويف” بمناسبة رغبة بعض المتزلفين استصدار قانون يحمى البابوات، و يحصنهم لأنهم “لا يخطئون”، فنحن اليوم هنا نعيش بعضها بقانون، و جلّها بدون قانون، و على نحو أكثر اتساعا و انتشارا، و أحيانا بسادية بغيضة، و صلف بلا حدود..

لدينا لم يعد التحصين من المساءلة تقتصر على رجال السلطة العليا، و كبار ضباط الأمن و المخابرات، بل تمتد إلى أصغر مسؤول و مشرف و ضابط، بل و أحيانا حتّى من يحمل كنية أبو فلان بات محميا من السلطة، و محصنا على نحو لم أكن أتخيله، و قد شهدتُ أكثر من تجربة مريرة في قضايا الانتهاكات الجريئة و المرعبة .. بتنا اليوم نرزح تحت وطأة سلطات الأمر الواقع بكل مسمياتها، و ننسحق تحت جنازيرها الحديدية الثقيلة سواء هنا أو هناك..

صدق ابن خلدون حالما أخبرنا قبل أكثر من سبعمائة عام أن “الظلم مؤذن بخراب العمران” و ها نحن قد بتنا نعيش الخراب و الظلم كله .. دمّرنا تقريبا كل شيء بنيناه في الزمن القريب و الزمن الغابر و التليد .. دمرنا الحاضر و الماضي، و قبله دمرنا و شوهنا فينا الإنسان..

من هنا مر بعض من قال: “أنا أو أنا” .. “أنا أو الفوضى”.. “أنا أو الحرب” .. “أنا و من بعدي الطوفان”.. “أنا و من بعدي لا طلعت شمس” .. من هنا مر رؤوساء و حكام يشبهون”نيرون” روما، و الطاغية “كاليجولا” الأكثر جنوناً في التاريخ .. و من هنا مر رئيس انتخبته و عاضدته الأحزاب، جلب و شرعن كل هذه الحرب المجنونة التي نعيش سنتها السابعة دون فسحة أو مهل أو أمل .. الجنون الذي لم تشهد له اليمن مثيل في تاريخها الطويل..

صدق الشاعر البردوني الذي قال عن اليمن:

بلادي من يَدَي طاغٍ .. إلى أطغى إلى أجفى

و من وحش إلى وحشين .. و هي الناقة العجفا

فتمضي من دجى ضاف .. إلى أدجى .. إلى أضفى

***

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520.

زر الذهاب إلى الأعلى