فضاء حر

تغاريد غير مشفرة (292) .. كنت أخوض معركة وجودية عندما كنت تترسمل من الفساد

يمنات

أحمد سيف حاشد

(1)

كنت أخوض معركة وجودية فيما، كان هو يترسمل من الفساد و الغنيمة، و يبني العمارات القرآنية و يؤسس لإمبراطورية إعلامية اسماها شبكة الهوية..

كتبت خمس حلقات و أنا أعيش تلك الظروف مليا تحت عنوان من واقع الحال و نشرتها في ذلك التاريخ.

مما كتبته:

حصار على حصار

– كم أشعر بالتردد و الحرج عندما أريد سرد بعض من قصتي للناس، لا سيما تلك التي لها علاقة باللحظة و متعلقة في بعض جوانبها بخصوصياتي الدقيقة في مجتمع لازال غير متصالح مع نفسه .. مجتمع مثقل بالعيب و مخلفات القبيلة، و منقوص في الصدق و الشجاعة و الشفافية و التعافي..

– لا أريد أن أشعر أنني استعطف الناس فيما أكتب أو أستجلب شفقة؛ فذلك يؤلمني جدا .. ذبحي بمنشار الخشب أو سمل عيناي بالمسامير أهون عندي ألف مرة من أن أرى نظرة إشفاق نحوي من أحدهم .. و لكني أريد أن أعبر عن نفسي كإنسان متعافي و متصالح مع نفسه لا يداري الواقع بالأكاذيب .. إنسان لا يحب أن يرتدي الزيف و الأقنعة، و يخفي الحقيقة بحجر تحت حزام؛ فالواقع بات ساحقا و قاهرا..

– آمالنا تلاشت، و مستقبلنا غارب يذوي كشمعة لم يبق منه إلا وداعا، و ختاما دون مسك، بل ختام بطعم الموت .. و ضاع مستقبل أولادنا، و ضاع الوطن .. و صار المجهول متحكما و فارسا له كلمة الفصل، بعد أن رحلت كل الأحلام و تبخرت كل الوعود..

– لدي مطبعة أكل الدهر ثلثين من عمرها و يزيد .. و توقفت صحيفتي التي كانت تقوم بطباعتها .. و أدرك العجز الجميع .. المطبعة مُطبقة و مهجورة منذ عامين لا استفيد منها في شيء، بل تأكلني إيجار و ديون تزداد، و هموما تراكمت لا مهرب منها و لا مفر..

– أتسع الرقع على الراقع .. لا مشتري لها و لم تعد تنفع أن تعرض في مزاد .. صارت خردة تشبهني في واقع معاكس و عاثر الحظ .. واقع حاضره سيء و المستقبل يبدو أنه أكثر سوءا و رداءة..

– صحيفتي أكلت الحرب أسواقها و المحبين، و صارت عاجزة عن سداد نفقاتها بعد أن كانت في الشهر أو دونه تدر ربح المليون و أكثر .. ذنبي إن كان هناك من ذنب أنني انسان .. و الحقيقة أنها مزية لا نقص فيها و لا عيب .. لكني لم أحتاط لعثرة و لم أحتاط لنفسي، و لم احتفظ بالقرش الأبيض لليالي المعتمات .. اليوم تحطمت كل الأمنيات و ورثها و ورثنا الخراب و اليباب .. توقفت لدينا و لديها الحياة،  وصار الموت هو من يحكم و يسود..

– إيجارات متراكمة، و صحيفة أوقفتها ظروف الحرب مرغمة، و رواتب موقوفة، و منافس الرزق تضيق، و ديون للبقالة، و أخرى لبائع القات، و ثالثة للمطعم، و موظفين يستحقون الاهتمام، و التزامات متكاثرة لا عد لها و لا حصر .. التزامات متراكمة، و عفش لا نُحسد عليه، و مستقبل في وجهنا يبدو أنه أسود و مسدود، و مرحلة أكثر حلكة و ظلام لم ندخر لها عيش و لا ماء و لا ضوء، مرحلة لم نحسب يوما إنها ستأتي و زدنا اكتظاظها باكتظاظنا حتى كدنا نموت اختناقا .. مرحلة لم تكن على البال و الحسبان .. مرحلة لا يبدو إننا من سيعبرها و ننجو من طوفانها .. لا سفينة نوح و لا بطن حوت يونس .. حصار على حصار، و لا منفذ أمل أو نجاة..

(2)

عندما كنت أجوع أنا و أسرتي و من صمد معي و ابنائي يسري و فادي الذي أسأت إليهم كانوا أكبر منك أيها الصغير .. كنت أيها الفاسد ـ محمد العماد ـ تبني امبراطوريتك الإعلامية من الفساد و الفيء و الغنيمة، مدعوما من الأنصار و المنتمي لجماعتهم في صنعاء .. إنني أعلم إنك كنت عضو الخلية الأولى للحوثيين في صنعاء .. و اليوم تستلم الثمن حتى و إن كان مترع بالدم و النزيف..

يومها كتبت ما يلي:

مكرها أخاك لا بطل

– الجرادي صاحب البقالة المجاورة رجل طيب و خجول .. صرت زبونه منذ سنين .. الديون في الحرب ثقيلة على الكاهل .. كانت بقالته عامرة و ممتلئة بالبضائع، و اليوم و بعد الدين صارت كمريض أنحله السل أو طفل أنهكته المجاعة .. يخجلك الجرادي و هو يتردد في طلب تسديد الدين الذي عليك .. خجله يحملك على تقليل الاستدانة و محاولة الامتناع عن تراكم الديون .. حياء الجرادي يزيدنا إحراجا و حرصا مضاعفا على الوفاء بالدين الذي له علينا .. طلبنا مهلة منه؛ فمنحنا ما نريد .. و في الحرب مهل الديون معلقة بظهر الغيب، و مفتوحة على كل الاحتمالات .. صارت الأيام تخون وعودها، و صرنا نحن في الوعود كاذبين و مكرهين..

– المطعم الذي يملكه قريبنا يتوعك بالدين .. القائم عليه يداري عنا وجعه و حالته بصمت و صبر .. المطعم لازال حديث عهد، و لا يحتمل تراكم الديون .. حياء القائم عليه بدلا من أن يطالبنا بدفع الدين أغلقه فجأة .. و متى..؟! يوم لا أملك قيمة الغداء للموظفين و لمن أعيل..

– ابني يسري يحاول المساعدة، و لكنه يعجز و لا يعترف بالاستحالة .. يحاول مدارة العجز و يبعث تطميناته على نحو أشعرني أنه صار هو الأب الكبير الذي عليه أن يتصدى لهكذا شأن، فيما صرت أنا الابن الذي ينتظر الحل ناجزا من أبيه .. كم هذا الشعور يبقى خالدا في الوجدان و الذاكرة .. يحاول تدبير أربعة عشر ألف ريال هي استحقاقا لغيره، و سأكون ملزما بسداده خلال وقت قصير و لا فرج يبدو قريب .. بدت لي يوم “الحراف” بألف سنة مما تعدون .. لم أحاول أن أضعه بموقف حرج أو أعلقه بموعد استحقاق كذوب .. فيما ابني فادي هو الآخر يحاول أن يبيع تلفونه و لكن بيعة المحتاج يلحقه الغبن فاحشا و لا يحل المشكلة .. و في كل حال تظل محاولات الشعور بالمسؤولية تستحق التقدير أكثر من شعور حكومة تدعي و لا تملك أدنى إحساس أو شعور حيال من أوقعتهم أقدارهم التعسة تحت سلطتها الجائرة..

– أخي عبد الكريم لخبطت له حياته و مشاريعه، و أطحت بأحلامه أن يكون له في العمر مشروع صغير، و هو الذي لم يفلح بحياته الطويلة بمشروع .. عرض علي أن يستلف من المحاسبة التي تعمل لدينا، فيما نحن ما لبثنا أن سددنا لها قسط مستحق عندنا، فرفضت عرضه و آثرت الهيام..

– زوجتي قبل أن أخرج من المنزل في الصباح سألتها إن كان بإمكانها تدبير قيمة الغداء، فترد بضجر أنه غير ممكن بل و تضيف أنه لا يوجد في مطبخنا حتى رأس بصل..

– أيقظت أمي من نومها الصباحي و داهمتها بسؤال إن كان لديها ما تقرضه لي، و لكن شهدت على وجهها غضب محتج و تمرد معدم يتلبسني مثله بعض الأحايين..

– بدت لي كل الأبواب موصدة و ما رحب أمامي صار يضيق حتى سد في وجهي الطريق .. ذهبت إلى مجلس النواب بنية الاعتصام و الاضراب عن الطعام .. و في الطريق كنت أشاهد الناس و أسأل نفسي: كيف كل هؤلاء الناس يعيشون..؟! كيف بمقدورهم أن يبلغون بالصبر هذا الحد..؟ و من يعينهم عليه..؟! كيف يديرون حياتهم و كيف يستمرون على الحياة و العيش..؟! إن كنت أنا و بمداخيل متعددة أعيش بصعوبة .. فكيف من أنقطع راتبه منذ ستة شهور..؟! كيف من لم يجد له وظيفة أو راتب أو مصدر رزق كريم..؟! لماذا كل هؤلاء صامتون..؟! إن كان الجوع كافر لماذا لا يثورون عليه..؟! إن الأمر بالنسبة لي لم يعد محتمل .. أحسست بكثافة معنى وصولي إلى الحد الذي تصير فيه الحياة و الموت سيان..؟

………………..

عندما كان محمد العماد يبني أمبراطورية فساده أثناء الحرب 2016 و2017 كنت أجوع أنا و أسرتي و أسأل نفسي عما إذا كنت أستطيع أن أطعم أسرتي في اليوم التالي أم لا أستطيع..؟

كنت أخوض معركة وجوديه فيما، كان هو يترسمل من الفساد و الغنيمة، و يبني العمارات القرآنية و يؤسس لإمبراطورية إعلامية اسماها شبكة الهوية..

كتبت خمس حلقات و أنا أعيش تلك الظروف مليا تحت عنوان من واقع الحال و نشرتها في ذلك التاريخ

عندما كان محمد العماد يبني أمبراطورية فساده أثناء الحرب 2016 و2017 كنت أجوع أنا وأسرتي وأسأل نفسي عما إذا كنت أستطيع أن أطعم أسرتي في اليوم التالي أم لا أستطيع..؟

(3)

عندما كنت أجوع أنا و أسرتي و الموظفين لدي، وعندما تم قطع رواتب أكثر من مليون و مائتين ألف موظف، كنت انت أيها الفاسد السفيه الذي لا يستحي، تبني عمارات قرآنية و تؤسس للفساد ذراعه الإعلامية “شبكة الهوية” غير منقوص من اسمها إلا كلمة “الايمانية” و التي باتت محروسة بالمسيرة القرآنية و تحت رعايتها..

يومها كتبت:

خيارات محدودة

– عندما أكتب عن أحوالي و معيشتي المادية المسحوقة بالحرب و الحصار؛ إنما أريد أن أكشف انحطاط الساسة و الحكومات و تواطؤ ضمير العالم حيال شعب يعاني الجوع و المجاعة، و محاولة لأيقاظ ضمير هذا العالم حيال معاناة شعبنا، و استحثاث هذا الضمير إلى أن يركل مال النفط الذي يفقده الإحساس و الشعور و الوجود..

– عندما أكتب عن أدق خصوصيات معيشتي و دافعي للاحتجاج حتى الموت؛ إنما أريد أن أكشف ما هو أهم .. أريد أن يبلغ سؤالي النازف و المحتج أقصى مداه .. أريد أن أسأل: إن كان هذا هو واقع الحال، و هذا الحد من الصراع الوجودي الذي يعيشه من أزعم أنه ممثل للشعب؛ فكيف هي ظروف هذا الشعب و حال معيشته..؟؟!

كنت أسأل نفسي بوجع: كيف تعيش أسر مليون و مئتين ألف موظف انقطعت عن معيليها رواتبهم و الأمل في البقاء بعد صراع وجودي دام أكثر من ستة أشهر..؟!! أريد أن أسأل كيف تتخلى حكومتان عنه و تتواطأن في قتله و تدعيان أنهما تمثلانه فيما هما تفتقدان لأدنى شعور بالمسؤولية حياله، بل و بلغت حد الانحطاط في التعامل معه..؟؟! ثلاثين مليون نسمة صاروا مهددين بالموت و المجاعة، في ظل حكومتان تجرمان بحقه و عالم أدرك مال النفط ضميره و أفقده وجوده..

– إن ما يرتكب ضد هذا الشعب هي جريمة غير مسبوقة من البشاعة و الانحطاط و القذارة .. لقد نفذ صبرنا، و بلغت قلوبنا الحناجر .. و لم يعد أمامنا من خيار إلا الموت جوعا أو الاحتجاج حتى الموت أو كسر هذا الموت الذي صار يهدد وجودنا..

…………………………

عندما كان محمد العماد يبني أمبراطورية فساده أثناء الحرب 2016 و 2017 كنت أجوع أنا و أسرتي و أسأل نفسي عما إذا كنت أستطيع أن أطعم أسرتي في اليوم التالي أم لا أستطيع..؟

كنت أخوض معركة وجوديه فيما، كان هو يترسمل من الفساد و الغنيمة، و يبني العمارات القرآنية و يؤسس لإمبراطورية إعلامية اسماها شبكة الهوية..

كتبت خمس حلقات و أنا أعيش تلك الظروف مليا تحت عنوان من واقع الحال و نشرتها في ذلك التاريخ.

(4)

لا أحقر من أن يتحدث الفاسد محمد العماد عن النزاهة، إلا تلك السلطة الفاسدة التي تدعمه و ترعاه، ليكون سفيهها عندما تحتاج تلك السلطة إلى سفيه .. سلطة تارة تدفعه هي إلى السفه، و تارة أخرى تتواطأ معه و مع سفاهته، و تدعمه بسخا على نحو و آخر..

هذا بعض مما كتبته في وقت سابق..

اصرفوا الرواتب .. الوطن في أول معناه كرامة

– أعيل بحدود عشرون نسمة لا مصدر لهم غير مداخيلي و راتبي .. بالإضافة إلى خمسة موظفين يعملون لدي، و هو ما يعني أن خمس أسر أيضا بقاءها على الحياة يعتمد على مرتبات ملتزم لهم بدفعها..

– متأخرات و تراكم إيجار شقتين و هنجر مطبعة، بالإضافة إلى متأخرات استضافة موقع يمنات الإخباري بواقع أكثر من سبعين ألف ريال في الشهر الواحد.

– متأخرات سداد فواتير الماء، و لن أتحدث عن سد المجاري بالإسمنت من قبل الجهات المعنية بالتحصيل و أكثر من مرة بسبب عدم سداد تلك المتأخرات .. يريدون ما لهم و لا يلتزمون بما عليهم أقلها دفع الراتب.

– متأخرات سداد فواتير الكهرباء، و لن أتحدث عن عدد مرات فصل التيار الكهربائي و المتكرر من قبل الجهات المناط بها التحصيل، و لن أتحدث عن رفض الجهات القائمة على الكهرباء تحويل شريحة شقة الصحيفة من شريحة تجارية إلى شريحة عادية، رغم توقف اصدارها أكثر من سنتين و عدة شهور ـ باستثناء اصدار ثلاثة أو أربعة أعداد..

– التزامات أقساط و تسديد ديون شهرية لتجار و مستحقين و ديزل و اتصالات و ضرائب و غيرها..

– لي ابنتان تدرسان بمدرسة ابتدائية خصوصي، و قد أرسلت إدارة المدرسة أكثر من ثلاثة إشعارات مطالبة بتسديد الرسوم و المتخلفات التي بعضها يرجع إلى العام الماضي .. فيما ابنتي التي في الثانوية أخرجتها من الخاص إلى مدرسة عمومية .. و التي في الجامعة التزامات مصاريف يومية و احتياجات لوازم جامعية .. أما الأولاد و هما يسري و فادي فلم أستطع تدريسهم الجامعة، و لعل أول سبب يرجع للرسوم الدراسية الباهظة..

– أشياء أخرى و تفاصيل و التزامات كثيرة لا أود الوقوف عليها، و كل ما أريد أن أقوله إن جل شعبنا يعاني و يجوع و يموت .. كل عشر دقائق يموت طفل في اليمن بسبب الجوع و سوء التغذية..

– لا أريد أي مساعدة و لن أقبل ـ مع تقديري البالغ لكل من تواصل أو أتصل ـ و لكن فقط أريد أن أقول لسلطات الأمر الواقع ثلاثين مليون يستحقون قليل من الشعور بالمسؤولية .. اصرفوا رواتب الموظفين و لا تمنعوا الناس من نيل حقوقهم؛ فالوطن في أول معناه كرامة..

– ثلاثين مليون إنسان معذب و محتاج و جائع يستحقون أكثر من الاعتصام و الاضراب عن الطعام في مجلس النواب.

…………………………

عندما كان محمد العماد يبني أمبراطورية فساده أثناء الحرب 2016 و2017 كنت أجوع أنا و أسرتي و أسأل نفسي عما إذا كنت أستطيع أن أطعم أسرتي في اليوم التالي أم لا أستطيع..؟

كنت أخوض معركة وجوديه فيما، كان هو يترسمل من الفساد و الغنيمة، و يبني العمارات القرآنية و يؤسس لإمبراطورية إعلامية اسماها شبكة الهوية..

كتبت خمس حلقات و أنا أعيش تلك الظروف مليا تحت عنوان من واقع الحال و نشرتها في ذلك التاريخ.

(5)

عندما كنت أيها الفاسد محمد العماد في يوم عيد العمال تحتفل بإنجاز الدور الثامن من العمارة القرآنية “إرم ذات العماد” كنت أنا لا أملك وجبة الغداء في ذلك اليوم .. و هذا ما نشرته في يوم العيد..

عيد متصحر بالحرب و الفساد

– قريبي طيب جدا و محب و نبيل، بل هو بعض منّا و عزيز علينا و كريم .. قريبي هذا مدرّس في أحدى مدارس العاصمة، وزّعت له المدرسة مجانا “قُطمة” أرز “أمريكي”، و لم أسأله من صاحب اليد التي امتدت بالعون و المساعدة لهذه المدرسة .. المهم أنه أهداها لنا على حساب حاجته، و بعذر يداري حساسية حقيقة دافعه الكريم .. شعرنا إنه فرج من ضيق إلى حين، و سندشن تناوله في مناسبة تستحق..

إنها مناسبة يوم العمال العالمي .. يوم يستحق الاحتفاء .. الأرز و المكرونة في ظروف الحرب و انقطاع الرواتب يليق بالإجازة و العيد، و يليق أيضا بضيوفنا، و من لهم التزام علينا، و الجميع في ظروف الحرب يلتمس العذر لبعض.

– اعتقدنا أن الأرز الأمريكي أفضل من الصيني و من غيره مما أعتدنا عليه و قد أنقطع .. أخذ الأرز وقتا طويلا على النار في ضغّاط فعّال، و لكنه فشل في تحقيق الحد الأدنى من المراد .. أول مرَة نشهد أرز مجالد و منازل لا تلين له قناة .. أرز يبدو حتى الحمير لا تقوى على احتساكه .. من يغلب النار قطعا تفشل معه أسنان الحمير .. غالب النار حتى ألحق بها شر الهزائم .. النار تقطع في الحديد و تفشل أن تنال من أرزنا قليل .. ظل عنيدا و قاسيا لا يشبهه إلا عناد ساستنا أمام مطالب شعبنا .. تطاول الوقت و عجزت النار، و نزفت دبة الغاز و استسلمت، و خاب رجاءنا، و بلغ الجوع فينا حد الصراخ..

– والشيء بالشيء يذكر .. ذكرّني هذا الموقف عندما أرسلت قريبي “سالم” يشتري لحمة من القاع فوقع على لحم بقرة عجوز يبدو أنها بلغت من العمر ضعفين أو جاوزت في عمرها المائة عام .. استمر اللحم على النار ساعتين و لم ينجح .. استخدمنا البرمول و البندول و الأسبرين، و لم تبق حيلة لدينا إلا و أجرينا عليها التجربة .. ظلت اللحمة عنيدة تقاوم النار حتى نفذت منّا كل الحيل .. بلغ الوقت الثالثة عصرا، و اللحمة لم تستحِ من جوعنا و ضيفنا، و لم ترأف حالنا، و لم تلين حتى بالنزر القليل .. موعد القات يمضي، و الضيف محرج أشد منّا و منتظر، و لا أدري إلى أين ذهبت به الظنون .. قدّمنا ما لدينا و قلت لضيفي: “الجزار زاد علينا” فيما كان يحاول مجاملتنا و تطبيع المشاعر وهو “يدعش” اللحم بيده و أسنانه و يقول: “لحمة ما تهز الدقن ماهيه بلحمه” .. فقهقه الجميع و خفف من إحراجنا و جعل بيننا البساط أحمدي..

– كان يومها الغاز موفور، و كنا نشتري الغاز دِباب، غير أن اليوم صار من يشتري دبة الغاز أشبه بتاجر الجملة، و صرنا نحن نشتريه بالتجزئة و التفاريق .. اشترينا بألف و أربعمائة ريال غاز تعبئة .. نقلة أخرى تمت إلى الخلف .. نقلة إلى فقر أشد وطأة و ليل أشد حلكة .. و المستقبل مجهول لا زال ينتظر..

– في الأمس لحم و اليوم رز من متبرع يدعي فعل الفضيلة، فيما هو يريد تحويلنا إلى مقلب لقمامته، و من دمنا و استغلال جوعنا يرفع رصيده .. رميناه في المزبلة و اكتفينا بما وجد، و حمدنا الله على نعمه، و دعيناه أن يديمها و يحفظها من الزوال..

– صديقي الصوفي الجميل و الكريم محمد جميل أردت له الاعتذار عن تأخير دين لازال في ذمتى، و من ملمحه قرأت أنه محتاج للخمسة الريال، فأعطيته و الحرج يأكل حشاشة وجهي خمسمائة ريال فيها كل حيلتي، فبدد حرجي و هو يقول أنها في هذه اللحظة تساوي خمسين ألف ريال .. أدركت أن المبالغ القليلة التي يقدمها المحتاجين للأشد احتياجا تساوي الملايين .. ما أجمل الفقراء و هم يسندون بعضهم بالقليل و هي تعني الكثير و الكثير..

– و في ليلة يوم عيد كان الوجع ختام لا مسك فيه و لا عزاء .. تلقيت رسالة موجعة من صديقي الصحفي محمد صادق العديني الذي كان قبل الحرب يدير مركزا إعلاميا لحماية الحريات الإعلامية جاء فيها: خطيئتنا أنّا صدقنا أن ما فعلناه ذات يوم كانت ثورة نقية مكتملة الانتصارات..!! و تعامينا عن فاجعة تسلل اللصوص و الأوغاد و السفلة و الكثير من القتلة و السماسرة، إلى مقدمة الصفوف .. و أننا، و يا للحسرة و الخيبة، منحناهم امتياز تحقيق المكاسب، و تقاسم اليمن بكل أرضه و إنسانه غنائم و امتيازات .. نحن المضحوك علينا لم نحصد سوى الخيبات، و الانكسارات .. ها نحن نقف مخذولين و عرايا و منكسرين حد اليُتم .. عرضة للإهانة من أحط المخلوقات و أكثرها تفاهة و دناءة و وساخة .. لعنتي عليكم جميعاً أيها الأوغاد المتوزعين ما بين (شرعية) و (انقلاب).

– صديقي هذا منذ أيام و في ليلنا الداجي وجد نفسه و عائلته مطرودين بالقوة من المؤجر و ثلة من المسلحين على ذمة الايجارات المتأخرة .. لم استطع مساعدته بعد أن أوصلونا الساسة اللئام إلى حال إغراق كل واحد منّا إلى رأسه و أكثر، و لم يتركوا لنا حتى هامش لأن نساعد بعض..

…………………………

عندما كان محمد العماد يبني أمبراطورية فساده أثناء الحرب 2016 و2017 كنت أجوع أنا و أسرتي و أسأل نفسي عما إذا كنت أستطيع أن أطعم أسرتي في اليوم التالي أم لا أستطيع..؟

كنت أخوض معركة وجودية فيما، كان هو يترسمل من الفساد و الغنيمة، و يبني العمارات القرآنية و يؤسس لإمبراطورية إعلامية اسماها شبكة الهوية..

كتبت خمس حلقات و أنا أعيش تلك الظروف مليا تحت عنوان من واقع الحال و نشرتها في ذلك التاريخ.

(6)

ردا على الفاسد محمد العماد و غيره ممن تناول الأمر:

1- أنا شخصيا لا أمتلك أي شبكات..

2- ابني يسري و ابني فادي مواطنين يمنيين و من حقهما التملك، و هما يملكان شبكة واحدة صغيرة الحجم خطين، و بمردود ضعيف لا يكفي و لا يفي بسد نفقاتهما البسيطة..

3- يسري و فادي يملكان شبكة واحدة صغيرة في هايل بصنعاء لا تتعدى عشرة انتينات، و هي بالكاد تغطي نفقاتهما القليلة .. و لم تعد لهما شبكة في شارع الزراعة أو غيرها.

4 – فادي و يسري لم استطع تدريسهما في الجامعة حتى اليوم بسبب المبالغ الباهضة المطلوبة..

5 – ابني فادي البالغ من العمر 25 عام، و ابني يسري 22 عام، لم استطع تزويجهما حتى اليوم، و لم يستطيعا الزواج بسبب ظروفهما و عدم قدرتهم التوفير لتكاليف الزواج أو حتى الالتحاق بالدراسة الجامعية بسبب الرسوم الباهظة مقارنة بدخلهما..

6- لم يجر أي اعتداء أو استيلاء على الشبكة التابعة لهما، و لم يكن لدينا أي دافع شخصي للدفاع عن الشبكات غير قناعتي بعدالة القضية التي تتبناها نقابتهم .. و ربما ما يعانياه ابناي جعلني مستوعب كارثة ما يحدث اليوم من تهديد لمداخيل معيشة ضرورية لأكثر من خمسين ألف أسرة .. لا نريد أن يعودوا أرباب تلك الأسر إلى عاطلين عن العمل، و ربما مجرمين أو محاطب حرب باتت عبثية بإمتياز..

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى