تحليلات

الذين كذبوا على الشعب وصدقوا أنفسهم – د.عبدالله محمد الشامي

يمنات ـ خاص: 

يبدوا أن تاريخ اليمن حافل بالفرص الضائعة ، وهي كثيرة فقد جأت في الماضي فرص  عديدة  كان بإمكاننا  استغلالها وتعظيمها والبناء عليها ، ولعل أبرز تلك الفرص كانت مرحلة الرئيس الحمدي الذي لاحت خلال فترة حكمة مؤشرات تدل على إمكانية نهضة حقيقة ، لكن هناك من عمل على إجهاضها ومن أطراف متعددة داخلية وخارجية،وفي الأمس القريب كانت الوحدة اليمنية فرصة كبرى في تاريخ اليمن المعاصر كان باستطاعتنا تغيير واقع اليمن تماما لكن من ساهم في القضاء على الفرصة الأولى هو نفسه من ساهم في تدمير الفرصة الثانية .

 

وها نحن نعيش اليوم فرصة  أخرى  أتمنى ألا تضيع منا وهي الثورة الشبابية الشعبية السلمية التي   دفع الشباب مئات الشهداء والجرحى  من اجل الحرية والكرامة والعدالة  ، والتي كان من نتائجها  إرغام  علي صالح على التنحي  ، رغم إن هذه الثورة تربصت بها ومنذ اليوم الأول ثورة مضادة وشرسة من داخل اليمن وخارجه ، فعلى المستوى المحلي كانت إطراف نظام صالح والتي سعت إلى معارضة مشروع التغيير   قد فقدت بعضا من توازنها في الأيام الأولى للثورة لكنها سرعان ما استعادة توازنها ولملمة أطرافها  وعملت على إنتاج المبادرة الخليجية التي  منحت النظام  الحصانة والمشاركة في السلطة مستفيدة من حالة التناقض والصراعات بين الأطراف الثورية نتيجة مصادرة البعض للقرار الثوري دون الآخرين، مما سمح لصالح تصوير هؤلاء أنهم يبحثون عن سلطة ولا يقودون ثورة توجها بجر آل الأحمر في صراع مفتوح في الحصبة ليؤكد ما ذهب إلية  ،والنتيجة   لم نجد علي صالح خلف القضبان  ليغدوا أكثر قوة وتماسك رغم الضربات القوية التي تلقاها حتى ألان  وهاهو اليوم يتلقى التهاني بحلول شهر رمضان المبارك.

 

اللقاء المشترك  يحصد  ما زرع

كانت القوى التقليدية المعارضة للنظام السابق(اللقاء المشترك)والتي دخلت إلى الثورة وهي تحمل مشروع سياسي حدة الأقصى هو المشاركة السياسية في السلطة، وقد مثلت لها المبادرة الخليجية الإطار المناسب لتحقيق هذا الطموح وطوق النجاة من أي تطورات قد تحملها الثورة والتي قد تطيح بهم أيضا، وقد بدآ هذا النهج وضحا من القوة الرئيسية في اللقاء المشترك وهو حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي عمل بكل ما أوتي من قوة على تنفيذ بنود التسوية ومارس في سبيل ذلك كل صنوف الإقصاء ضد شركاءه في الثورة ،حيث طبق الإخوة في الإصلاح مبداء المغالبة لا المشاركة وهذا يعود إلى طبيعة وتركيبة  التنظيم الذي بدآ مرتبكا يحاول التكيف والتفاعل مع الوضع الجديد وفي نفس الوقت التحرك بحذر خوفا من ضياع فرصة مواتية للتواجد في ساحة طالما وصفت انها حكرا على النظام السياسي  لصالح  ،وهو ماساهم كثيرا في إهدار العديد من الفرص السانحة  بل المساهمة في سرقة الثورة وإجهاضها وإفراغها من مضمونها  .

وأنا هنا لا أريد أن ادخل في جدل عقيم حول الأطراف التي ساهمت في نشوء مثل هذا الوضع ،لكن ما استطيع تأكيده أن القوى المحسوبة على الثورة خصوصا تلك التي وقعت على المبادرة الخليجية تتحمل المسؤولية الكبرى تجاه ما يحدث اليوم وهي شريك أساسي في معاناة المواطن اليمني وسوق أي مبررات أخرى هو من باب الضحك على الذقون .

 

قوى الثورة الجديدة وغياب المشروع الموحد

 في مقابل ذلك كان هناك قوى ثورية صاعدة وبقوة وهم الحراك والحوثيين والشباب في ساحات التغيير وميادين الثورة وبعض الأحزاب التي خرجت من رحم الثورة، وهذه القوى كانت ذات مصلحة حقيقية في التغيير والثورة وكانت ترغب في اقتلاع النظام من جذوره وحاولت السعي قدما في طريقها على أمل أن تتمكن من استئصال جذور النظام القديم وإقامة نظاما أكثر عدلا ومساواة .غير أن هذه القوى فشلت في أن تلتقي حول مشروع ثوري موحد تخاطب من خلاله الآخرين وتقود بواسطته عجلة التغيير قابلته رغبة دولية وإقليمية ومحلية في تمزيق هذه القوى وإلباسها لبوس بعيدة عن مشروع التغيير والثورة ، ففي حين تم تصوير الإخوة في الجنوب على أنهم مجموعة من الانفصاليين  ،ثم جر الإخوة في صعدة إلى مربع الصراع المذهبي سواء في دماج  أو  عاهم أو كتاف على أمل أن ينجح ذلك في الحد من انتشارهم الواسع خصوصا في الشهور الأولى للثورة وقطع الطريق عليهم من أن يكونوا الحامل الجديد لمشروع الثورة، وهو ما خلق حواجز نفسية بين هذه الأطراف ، وهذا المشهد المؤلم لقوى الثورة منعها حتى من الدخول في حوار حقيقي فيما بينها بهدف توحيد مواقفها وجهودها، صحيح أن هناك حوار جرى خلف الغرف المغلقة أهدرت فيه عشرات الآلاف من الساعات لكن  دون الخروج برؤية إستراتيجية  واضحة  تحدد طريقة الوصول إلى الغايات الكبرى .

 

القوى الإقليمية والدولية ومشروع الديمقراطية غير المكتملة   

كما إن الإطراف الإقليمية  والدولية   عملت على إجهاض  الثورة ومنعها من الوصول إلى هدفها الرئيسي والمتمثل في إسقاط النظام بالكامل ،حيث منعت دول الخليج من سقوط النظام ومارست ضغوط شديدة علي القوى( المحسوبة) على الثورة لمنع سقوط النظام ،وكان ذلك نابع من خوف شديد إذا تحولت اليمن إلى دولة ديمقراطية فسوف تصبح في سنوات معدودة دولة عملاقة تساهم في قيادة المنطقة وسيمتد تأثيرها إلى الدول المجاورة ، وقد بذلت دول الخليج جهود مضنية للحيلولة دون نجاح الثورة وساعدت على صالح في مواجهة الثورة  ومن خلفها الاتحاد الأوربي والأمريكان   الذين يريدون بناء ديمقراطية ناقصة أو غير مكتملة تلتزم بمصالح الغرب الإستراتيجية ولا تشكل تهديد لدول الجوار الغني بالنفط .

 

عبدربة منصور هادي  يقراء من الدفاتر القديمة

وهناك في الضفة المقابلة يقف عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية والذي يحاول شق طريق رابع يظهر من خلاله انه يقف في منتصف الطريق بين كل الإطراف والذي لا نعرف أي طرفا يمثل وفي أي مسافة يقف فالرجل لم يستطيع أن يرسم لنفسه خطآ واضحا حيث يظهر في غاية التردد، فكثير من سياساته توحي أنها مأخوذة من دفاتر الرئيس السابق فكل شئ يشير إلى ذلك  من تصريحاته في كلية الحربية إلا دليل قاطع على أن الرجل يدور في فلك السياسة السعودية الأمريكية .

والغريب انه اصدر تهديدات واضحة تجاه إيران في الوقت الذي مازال يفتقد للسلطة الحقيقة   التي تمكنه من إصدار تهديدات والجميع يعلم انه يعمل تحت حماية علي محسن الاحمر واحمد علي عبد الله صالح، والغريب أيضا أن تهديداته ضد إيران جأت في وقتا هو نتاج لتدخل سعودي أمريكي من خلال المبادرة الخليجية التي سمحت للآخرين استباحة البلد والتحكم بكل شؤونه.

وهو   ما  يطرح  علامات استفهام كثيرة على توجهات الرئيس وماذا يريد؟ والى أين يتجه؟ وأين سيرسوا ؟ مما يعرض اليمن لخطر كبير بسب عدم وضوح الرؤية حول المستقبل السياسي لليمن  وخصوصا أن الرجل يريد ربط اليمن   بالنظام    السعودي  الذي طالما لاقت منه اليمن الذل والهوان لذلك على عبدربة مراجعة توجهاته البالية والتي أثبتت فشلها  قبل فوات الأوان .

كلمة أخيرة

ما يجب أن نعرفه أن الثورة اليمنية  لم تقم لإزاحة أشخاص أو لإجهاض مشروع توريث ،ولكنها قامت على نظام كبلها بالأغلال وأدارها بالفساد والاستبداد والعمالة والارتهان للخارج ليحول دون نهضتها وانطلاقتها  نحو مستقبلا مشرق  ،  وان محاولات تفصيلها وتركيبها على  قوى فاسدة وفقا لمبادرة عرجاء أثبتت الدروس الأولية  إنها ذاهبة باليمن إلى مزيد من التخبط  والضياع والانقسام والاحتراب   والارتهان للخارج  ، وان محاولة  استمراء الكذب على الشعب من خلال كلمات رنانة طالما سمعناها من الرئيس المخلوع هو كذب مفضوح، فاليمن ذاهب إلى الأمام بدون عنوان ولا محطة أو شاطئ تتوقف عنده ، وبالتالي لا يليق الاستمرار في الكذب وترويجية أو محاولة تزييف  وعي الشعب اليمني وتجميل الوضع الذي ظهر جليا من خلال صناديق الصدقات المنتشرة في شوارع الإمارات ، وهذا يزيدني إيمان ويقين على أهمية استمرار العمل الثوري حتى إسقاط النظام ومهما كانت التضحيات التي لن تكون أثمانها ابهض مما لو تم السكوت على هؤلاء .

 [email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى