أرشيف

هل من علاقة بين صعود القاعدة ورحيل صالح؟

المعركة الشرسة بين القاعدة وقوات الأمن اليمنية في جنوبي اليمن خلال الأيام الماضية توحي بأن ظلال التمرد تحوم حول جهود البلاد لبناء نظام سياسي جديد. وكان أداء الرئيس الجديد عبد ربه منصور هادي اليمين الدستورية الأسبوع الماضي، مصحوبا بحملة عنيفة شنها متمردون إسلاميون أسفرت عن مقتل 150 جنديا على الأقل. وقال الأهالي إن سلسلة من الغارات الجوية على مواقع الجهاديين شنتها طائرات أميركية بلا طيارين أسفرت عن قتل 45 ممن يشتبه بكوتهم متمردين.

وجاء في منشور ألصق برصيف حجري أملس في العاصمة صنعاء الأسبوع الماضي: “اليمن فتح صفحة جديدة من تاريخه”. وكتبت هذه العبارة بنثر عربي بليغ فوق صورة صارمة الملامح لرئيس اليمن الجديد، وكان الملصق المهمل ممتلئا بالتفاؤل وقد وزع في أرجاء العاصمة. وبعد عام من المظاهرات الحاشدة ضد الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وهو قائد سابق في سلاح الدبابات تحول إلى دكتاتور عنيد تخلى عن منصبه بعد انتخابات لم يكن فيها متنافسون. وحل محله نائبه السابق هادي، واعدا بإعادة هيكلة الجيش، ومواجهة تنظم “القاعدة” والخروج بالبلاد من أزمتها.

لكن الحقائق المؤلمة لم تستغرق وقتا طويلا قبل أن تظهر للعيان.

وبعد ساعتين من أداء هادي القسم زعيما جديدا لليمن، صدم انتحاري بسيارة “تويوتا هيلوكس” جدار القصر الرئاسي جنوبي مدينة المكلا الساحلية، ما أسفر عن مقتل العشرات من رجال الحرس الجمهوري. وبسب حرص هادي على التقليل من أهمية الحادث، فقد وصفه بأنه “هجوم معزول”، وتعهد بأن يصعد من معركة اليمن الممولة أميركيا ضد “القاعدة في شبه الجزيرة العربية”، وهي فرع محلي للشبكة لتي أسسها أسامة بن لادن، وقد أعلن الفرع مسؤوليته عن الهجوم.

لكن الجهاديين وليس الحكومة هم الذين بادروا بالهجوم، إذ أنهم اقتحموا المواقع العسكرية ونهبوا مصانع الذخيرة واختطفوا وقطعوا رؤوس جنود الحكومة، واغتالوا قادة الشرطة، بل نسفوا طائرة مقاتلة داخل قاعدة جوية محصنة قرب العاصمة. وقتل ما يزيد عن 150 جنديا خلال الهجمات المنسقة التي استمرت 4 أيام، وهي أكثر موجة من العنف دموية ضد القوات اليمنية المسلحة خلال العام الماضي.

وفي أعقاب كل غارة كان يصدر بيان صحفي جريء ودقيق يحدد الخسائر التي لحقت بقوات الحكومة والأسلحة التي تم الاستيلاء عليها. وجاء في بيان عقب الغارة يوم الثلاثاء على مخزن للذخيرة تحت عنوان غنائم :”دبابة وقاذفة كاتيوشا ومدفع هاون عيار 120 ملليمترا وخمسة رشاشات دوشكا عيار 12,7 ملليمتر وقاذفتان آر بي جي و100 كلاشنيكوف”.

وفي إشارة إلى هجوم قام به مسلح على عربة عسكرية أميركية مصفحة في ميناء عدن الجنوبي يوم الخميس الماضي، جاء في بيان آخر :”كان عميلا لمكتب التحقيقات الاتحادية تم استهدافه بسبب تزايد النشاطات الأميركية في المنطقة وجلب عدد كبير من الجنود الأميركيين إلى عدن خاصة”. وأضاف البيان: “العدو الصليبي داست أقدامه أرضكم ليقتل أولادكم… ويحكم بلادكم ويسرق ثرواتها. نناشدكم مواصلة الجهاد ضد الأميركيين وعملائهم”. واستشهد البيان بفتوى صادرة عن المنظمة تلح على اليمنيين “لقتال المحتل الأميركي”.

وكانت أكثر الهجمات دموية وجرأة هي غارة عنيفة نفذت في الساعات الأولى من صباح يوم الأحد على حامية يمنية في الطريق الساحلي الصحراوي بين عدن وزنجبار. وقتل خلالها 90 جنديا على الأقل بعد أن تسلل المقاتلون عبر الصحراء نحو الخطوط الخلفية للقوات اليمنية، ثم اقتحموا القاعدة، فقتلوا وأسروا الجنود ونهبوا الأسلحة على راحتهم.

وقال علي صالح كرداح وهو عقيد في اللواء 115 مشاة المتركز قرب القاعدة :”تسلقوا أسوار القاعدة ليلا، وقتلوا الجنود بدم بارد أثناء نومهم …قتل 40- 50 من جنودي وما يزال العشرات منهم مفقودين”.

وأضاف العقيد بصوت متقطع عبر الهاتف: “وجدنا الجثث ملقاة في الصحراء وكانت رؤوسهم وأقدامهم مفقودة. نحتاج إلى تعزيزات وطائرات مراقبة وهم يستطيعون إمدادنا بمزيد من السلاح، أليس كذلك؟”. وقال مسعفون من باصهيب، وهو مستشفى قريب إنهم بدأوا بحفظ الجثث في مجمدات المطاعم المجاورة، بعد أن امتلأت ثلاجات حفظ الجثث في مشرحة المستشفى.

وفي الوقت الذي انشغلت فيه قوات النخبة الحكومية التي دربتها الولايات المتحدة وسلحتها لمحاربة رجال القبائل في العاصمة العام الماضي، كان هناك مجال واسع لأنصار الشريعة المتحالفين مع “القاعدة” للعمل بحرية في الجنوب. واستفادت هذه المنظمة من تآكل سلطة الحكومة المركزية بزرع خلايا في البلدات والمدن في منطقة أبين الوعرة، مستغلة الفقر المنتشر وعدم الرضا عن الحكومة لحشد تأييد السكان المحليين.

وقال سعيد الفهدي، وهو أحد الصحفيين اليمنيين القلائل الذين زاروا زنجبار معقل أنصار الشريعة: “معظم المقاتلين هم من السكان المحليين، وهم مع عائلاتهم أحيانا. هؤلاء الناس لا يمكن التغلب عليهم بالقنابل والرصاص. المعركة هي على القلوب والعقول. السكان المحليون لا يثقون في أي من الجانبين: فبينما يقوم إفراد “القاعدة” بحفر الآبار، تنهمك قوات الحكومة بهدم منازلهم”.

ومع ذلك، فالكثير من اليمنيين يشعرون بالذهول من قدرة منظمة كان يعتقد الخبراء أن عدد أفرادها بضع مئات من المقاتلين المتمرسين على إلحاق هذا القدر الكبير من الدمار المؤلم. وقال مسؤول يمني كبير، لم يذكر اسمه: “الأمر بسيط. فالجنود في أبين ظلوا في خطوط المواجهة منذ شهور ومعنوياتهم متدنية، واهتمامهم بالقتال قليل. ليس لدينا جيش محترف”.

ويشتبه آخرون في أن قوى شريرة تلعب دورا ما، وأشاروا بشكل تآمري إلى أن الهجوم الذي وقع يوم الأحد تزامن مع طرد الرئيس الجديد للواء مهدي مقوالا، وهو صديق مقرب من علي صالح، والقائد السابق للقوات الحكومية في جنوب اليمن.

في غضون ذلك خرج صالح من القصر الجمهوري، لكنه لا يزال يقود حزب المؤتمر الشعبي القوي الحاكم، كما أن أقاربه موزعون على المناصب العليا في الجيش والأجهزة الأمنية. ويعتقد خصومه، الذين اتهموه طيلة سنوات باستغلال تهديد الإرهاب لإخافة واشنطن والرياض ودفعهما لتأييده، أنه هو ومؤيدوه يسعون لتسجيل نقطة.

وفي هذا السياق، ذكر عبد الله الفقيه، وهو أستاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء، أن “الغرب خاصة سيجري مقارنات بين صالح وهادي. ويساعد تصاعد قوة “القاعدة” في الوقت الحاضر على إظهار أن صالح هو الأقوى”.

وفي الوقت الذي يصارع فيه هادي لمقارعة التحديات الهائلة التي تواجه حكمه، فإن العديد من اليمنيين يتشككون في الحكمة الكامنة وراء الحملة على الجهاديين. وقال حمود الاهتر، وهو قاض يمني عينته الحكومة لترؤس حملة لإعادة تأهيل الجهاديين: “الدم يؤدي لمزيد من الدم. استخدام القوة يقوي فقط منطق ومبررات “القاعدة”. وإذا كانت ضربات الطائرات بلا طيار وسيلة ناجحة لتصفية “القاعدة”، فلماذا لا يزال الأميركيون يواجهون المشاكل في أفغانستان وباكستان؟ الآن بالفعل لا يوجد حوار معهم، ولا منطق ولا مناقشات ولا اجتماعات”، ولا شيء مطلقا. هادي يتصرف تحت ضغط الغرب، وهو يستخدم قواته بلا منطق… وهو يقودنا في طريق خطير جدا”.

 

المصدر : العصر – بقلم: توم فين

 

زر الذهاب إلى الأعلى