العرض في الرئيسةفضاء حر

ترقد وأنت وطني وتصحي وانت خائن

يمنات

فكري قاسم

ليس الفقر أكبر عائق أمام تقدّم اليمنيين، بل فقدان الإحساس بالانتماء … وبالعقل والمنطق. كيف سيصبح شعب ينام ويصحو كل يوم على خطاب: الخونة، المرتزقة، أعداء الوطن، أعداء الثورة، أعداء الجمهورية، أعداء الوحدة، أعداء الإسلام، أعداء الله، أعداء البطيخ؟! أسألكم بالله أي ذهن هو الذي بوسعه احتمال كل هذا العبث اليومي المستمر..؟ ترقد وانت وطني، وتصحى الصباح وقدك خائن وعميل و”مختزق” مدري مرتزق! ترقد وأنت مصلي على النبي وقرأت الفاتحة والمعوذتين جيداً، وتستيقظ فجأة وعادك تقول رضاك يا الله، ما تدري إلا وقد “صابحوك” بتهم أقلها إنك كافر، وان ما عد باقي بينك وبين الإسلام إلا العيش والملح بس.

واضح جداً أن التحالف السيء بين الخطابين الديني والسياسي لعب الدور الأكبر في جعلنا نعيش بنفسيات إنسان العصور الوسطى المتعطش للدم. وها هي البلد الآن تجني ثمار ذلك التحالف المدمر: حرب خارجية وحرب في الداخل، تمزق وانفلات واختراق للسيادة الوطنية، عمليات إرهابية مستمرة وقطع طريق وحوار سياسي معطل ومجتمع لم يعد طايق بعضه. وإنه لمن الطبيعي جداً أن يحدث كل هذا وأكثر. لقد أثر ذلك الخطاب السيء كثيراً على ذهنية وأرواح اليمنيين المتعبين، ولا يبدو أننا سنخلص – بسهولة – من هذا القرف اليومي المستمر، إلا إذا غيرنا من ذلك الخطاب الذي جعل منا أمة كل واحد فيها ماسك بشعر الثاني وهات يالبيج.

صلوا على النبي يا خبره، واذكروا الله. هذه بلادنا وعيب نشوفها وهي تتخرب هكذا وتتكسر واحنا مواصلين على نفس الركيض، حتى إنه لم يعد هناك ما يمكن اعتباره أمر عادي أكثر من أن ترى يمنياً ينسف الآخر، ومن ثم يسير في الشارع مبتهجاً إنه بطح أبوه، ها موشيقع؟! وعشان نبني بلد متعافي من هذه التفاهات التي تقودنا على الدوام لنتصارع في وحل، فإنه من الواجب علينا أساساً كبشر أولاً أن نقول أفكارنا كلها دون خشية من أحد، ولكن مع ضرورة الإنتباه للتالي، خصوصا عندما نكون صحافيين أو كتاب أو قادة رأي:

– الرأي الذي لا يعجبك، كان رأي سياسي أو ديني أو اقتصادي أو أم الجن، قلها ببساطة إنه رأي لم يعجبك. أنت حر في ذلك، لكن ما فيش داعي تخونه وتلصق به تهم العمالة وعيوب البغلة، لمجرد إنه لم يتفق مع جماعتك أو حزبك أو رأسك العبقري ياذاك.

– علينا أن نبتكر العبارات الأكثر جمالاً، ونبتعد قدر الإمكان عن الأحاديث بنفس طائفي أو مناطقي أو مذهبي، على اعتبار أن الناس يختلفوا عشان يصلوا في الآخر إلى حلول ترضي الجميع، مش عشان نجلس نتلابج لوما نموت.

– ثم إنه من الواجب علينا جميعاً أن نقدم لمجتمعنا العليل هذا خطاباً معززاً بقيم المحبة والتسامح والبناء. وعشان نتفق حول هذا الأمر وغيره من أمور حياتنا اليومية، فإن من اللازم علينا أولاً أن نتعلم كيف نختلف بود، ثم نعمر الأرض التي أورثنا الله. أما الملابجة والعيفطة فإنها ستجعل منا – بكل تأكيد – أمة تعيش حياتها كلها في الوحل.

المصدر: العربي

للاشتراك في قناة يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى