العرض في الرئيسةفضاء حر

حين يعقر الثور الجنوبي على قارعة الطريق

يمنات

صلاح السقلدي

لم يكن ما جرى يومي السبت والأحد الماضيين من صدمات مسلحة بين الفصائل الأمنية والعسكرية في مدينة عدن إلا ظهوراً جلياً لخلافات إقليمية طالما ظلت تستعر تحت الطاولة منذ قرابة عامين، وعدن والجنوب عموماً ميدانها، والقضية الجنوبية هي الرصيد السياسي الذي يمولها، ويُستنزف يوماً بعد يوم إرضاءً لمن يدفع أكثر من الريالات والدراهم وسيارات “الشاص” الفارهة.

و لكي نكون أكثر وضوحاً وصراحة، وحتى لا نظل شياطين خرساً والوطن ينحدر أمام أعيننا إلى هوة الصراعات الإقليمية بعد أن وصلت الأمور إلى وضع الصدام المسلح باشتراك طيران الـ”أباتشي” – وهو تطور خطير أن تنحو الأمور منحى هذا الطريق الزلق – فإنه من الواجب الوطني أن يكون لأبناء الجنوب موقف رافض لما يجري من عبث وفوضى وتهميش للإرادة الجنوبية، ومحاولات هذه القوى وأذنابها بيع الجنوب وقضيته في سوق نخاسة السياسية وبازار الإرتزاق.

و لا يمكن للجنوبيين أن يقفوا على هذه الأمور بشكل صحيح إلا بفهمهم لكنه الصراع وخفاياه، ومن هي الأطراف الإقليمية التي تمثله، ومن هي أدواته في الداخل، ولمصلحة من، وأين يقف مستقبل الجنوب من هذا كله.

هذا الصراع يتمثل بقطبيه السعودي والإماراتي، وله أدواته المحلية؛ فالأول يمثله الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي بات بيد حزب “الإصلاح” رهينة لا حول له ولا طول، يأتمر بأمره ويصدر القرارات الجمهورية التي تقتضيها المصلحة “الإصلاحية”، ويستميت بتنفيذ مشروع تقسيم الجنوب ضمن ما يسمى بمشروع مخرجات الحوار (الستة أقاليم) ومسخ قضيته السياسية. والطرف الآخر يمثله محافظ عدن ومدير أمنها ومحافظ حضرموت وغيرهم من محافظي بعض المحافظات الجنوبية والمسؤولين المحليين وبالذات المحسوبين على الحراك الجنوبي، وهؤلاء أضحوا إما أنهم لا يعرفون ماذا يدور حولهم، وإما أنهم باتوا مسلوبي الإرادة يتهيبون من إبداء أي رأي معارض، إما خوفاً على رؤوسهم أن تطير من فوق جنوبهم أو خوفاً على مناصبهم وجاههم. ولا نستبعد أن يبدلوا ولاءاتهم للطرف الإقليمي الآخر في حالة مالت كفة الصراع لذلك الطرف، ولم يعد الجنوب وقضيته يحتل مكانة في اهتماماتهم. هكذا تبدو تصرفاتهم وتصريحاتهم ومواقفهم بدون أي مواربة أو تغليف.

و الملاحظ في هذا المشهد، وهو ما ينبغي على الجنوبيين أن يتنبهوا له، أن الصراع لا يدور لمصلحة الجنوب، ولا هو خلاف تنافسي على ما يمكن أن يقدم للجنوب من مخرج سياسي عادل، بل هو صراع يرى في الجنوب كنزاً مكتشفاً يحاول كل طرف الإستئثار به والفوز بجواهره. فالسعودية عينها جاحظة على حضرموت لتمرر منها نفطها إلى بحر العرب، وتبتلع ثرواته وأرضه كما فعلت مع كل دول جوراها. والإمارات تشخص ببصرها على ميناء عدن بعد أن عادت له بقوة الحديد والنار، هي التي كانت قد فقدت الإستحواذ عليه قبل ثلاثة أعوام، إثر طرد شركة دبي من إدارة هذا الميناء. كما ترى في جزيرة سقطرى البديل المثالي عن جزيرة طنب الكبرى، وقد بدأت بالفعل بتكريس وجودها منذ أكثر من عام في هذه الجزيرة الساحرة بتواجد عسكري وعلى شكل مشاريع افتراضية.

يكفي أن نرى حال المؤسسات في الجنوب، كيف تم ويتم تعطيلها كمؤسسات رسمية، ومنها على سبيل المثال لا للحصر المؤسسة الأمنية واستبدالها بمجموعة عصابات ومليشيات وشلل من اللصوص والنهابين. فكل طرف من أطراف الصراع في الجنوب يحاول بقدراته المالية الضخمة إنشاء مليشيات أمنية وعسكرية ذات ولاءات جهوية أو دينية مذهبية أو سياسية تبعية، ليسهل التحكم بها وتوجيهها الوجهة التي تريدها، وهذا ما يتجسد فعلاً اليوم أمام أعيننا. وما الذي شاهدناه يومي السبت والأحد الماضيين إلا بروفة لذلك المخطط اللئيم، الذي يسير على خُطى التجربة الليبية تماماً. هذا ناهيك عن التعمد في عملية تدمير الخدمات الضرورية وارتفاع الاسعار وانهيار العملة المحلية أمام كل العملات، لإغراق الجميع في دوامة صعوبة حياتهم اليومية وصرفهم بالتالي عن المطالب الرئيسية لقضيتهم، والإبقاء على حالة الدمار التي طالت المنشآت والمباني كما هي دون أن ترفع حجراً واحداً من ذلك، والغرض لا يخفى على كل لبيب وبليد.

و سيمضي هذا المخطط وأصحابه في الجنوب إلى هوة سحيقة من الضياع، طالما بقيت النخب الجنوبية في حالة موات سياسي، وظلت رموزها تقتات على موائد الإرتزاق والتكسب المعيشي البائس. ثمة مقولة تقول إن الشعب لا يتخلى عن أهدافه إلا تحت وطأة التضليل والمخادعة، وهذا ما يراهن عليه بعض ضعاف النفوس في الحراك الجنوبي، من الذين قلبوا ظهر المجن لشعبهم وانبطحوا تحت موائد الفتات يتلقفون ما يتساقط تحت الطاولات.

و على ما تقدم، نطلق صرختنا السياسية الوطنية المدوية بوجه الكل من خطورة الطريق المظلم التي يساق إليها الجنوب، وهو مكبل بقيود إقليمية وسلاسل محلية. فالقوى الإقليمية ومعها المحلية تعقر الثور الجنوبي على قارعة الطريق، والجميع فاغرو الأفواه ومشدوهو الحال والبال.

فهل نصمت و نساق مرة أخرى إلى تحت نير الإستبداد والتعسف، بعد كل هذه التضحيات وهذه الأوجاع..؟ فلا نلوم بعد ذلك إلا أنفسنا إن قبلنا ذلك.

قفلة: التضحية نوعان؛ مَن يضحي لأجلك ومَن يضحي بك!

المصدر: العربي

للاشتراك في قناة يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى