العرض في الرئيسةفضاء حر

تنويعات على الجوع والحرب

يمنات

لطف الصراري

التجويع أو ما يسميه خبراء الحروب “الحصار الإقتصادي”، هو أحد الأسلحة الأكثر فتكاً لكسب الحرب. وعندما كانت جيوش هتلر على مقربة من موسكو، أمر قادة جيوش البانزر بالتوجه نحو أوكرانيا. كان كبار قادته يجادلونه بشأن وجوب مواصلة التقدم نحو العاصمة السوفيتية، لكنه قال لهم: “أنتم لا تفهمون شيئاً في اقصاد الحروب. سوف نؤمن لجنودنا الغذاء من أوكرانيا، ونمنع وصوله إلى العدو. موسكو أمرها بسيط بعد ذلك”. وصلت الجيوش الألمانية إلى مشارف موسكو، في الوقت الذي كان ستالين يلوح فيه بيده الرقيقة للجنود الروس من منصة الساحة الحمراء، كما لو أن ما يحدث في ضواحي العاصمة جزء من الإستعراض العسكري الذي يحضره مع عدد من كبار قادة الجيش. ربما كان مطمئناً لطبيعة الأرض الروسية التي “تدافع عن نفسها” كما وصفها موسوليني وهو يحاول إقناع هتلر بعدم محاربتها. وقد حدث أن دافعت الجغرافيا الروسية عن نفسها، فتعثرت جيوش هتلر بمطر الخريف ومن بعده الشتاء، ريثما جهز ستالين مليون جندي معظمهم من السيبيريين المتمرسين على معارك الجليد.

في الحروب الراهنة، التي تجري بصورة عبثية وتبدو مستعصية على الحل داخل أربع دول عربية – إذا ما اعتبرنا فلسطين منطقة حرب دائمة – تمضي دول الوفرة الإقتصادية والقوة العسكرية في إطالة أمد هذه الحروب والتلاعب بفرص السلام الكفيلة بإنهائها. ومع استمرارها، تكشف التوترات المتصاعدة بين الدول الكبرى، أن ما يجري هو نسخة عصرية لا تقل بشاعة وقذارة عن الحربين العالميتين سيئتي الذكر. ومع الكثير من وسائل التواصل الإجتماعي والتكنولوجيا الذكية وتقنيات التسلح والمنظمات الدولية ذات الطابع الإنساني الرهيف، بات سهلاً إخبار شعوب العالم بأن القادة “العظماء” للقرن الواحد والعشرين، يتفانون في إنقاذ الأرض من حرب نووية لن ينجو منها أحد في حال اندلعت.

ولكي تنجح مهمة الإنقاذ هذه، فإن على هؤلاء القادة أن يبحثوا عن ميادين قتال بعيدة عن المفاعلات النووية، وبما يضمن استمرار العمل على تطوير مفهوم الحرب الذي بدأ بعد الحرب العالمية الثانية. تغذية الحروب الأهلية وتعزيز الإنقسامات الإقليمية وتهيئة الشعوب للمجاعات، على غرار ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط حالياً، هي إحدى أساسيات المفهوم الجديد للحرب العالمية. القادة “العظماء” للقرن الواحد والعشرين لا يقرون بهذا، فلديهم وسائل إلهاء، ليست فقط كفيلة بإرباك التحليلات المنطقية للسياسات الخارجية، بل توجهها لخدمة مهمة إنقاذ العالم من هياج تكنولوجيا التسلح وهيمنة الأسواق العالمية وهوس تعديل خرائط الدول وأنظمة الحكم.

في هذا السياق المحموم للصراع الدولي وتطوراته، تقترب الحرب في اليمن من نهاية عامها الثاني بدون أي مؤشرات لنهاية قريبة لها. ما الذي يمكن أن تحمله التباشير الباهتة لتصريحات المبعوث الأممي إلى اليمن بقرب استئناف المفاوضات، في الوقت الذي لا تزال فيه شحنات الأسلحة تتمتع بحصانة تمكنها من الوصول إلى جميع أطراف الحرب، بينما تخضع شحنات الغذاء والدواء للتفتيش والاحتجاز التعسفي في الموانئ ومداخل المدن، ثم ينتهي بها المطاف إلى النهب وإلى أسواق خالية من النقود؟!

المصدر: العربي

للاشتراك في قناة يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى