العرض في الرئيسةفضاء حر

أصدقاء السعودية يتقلصون بينما يزداد أعدائها

يمنات

عبد الباري عطوان
 
كان عام 2016 عاما سيئا على الصعد كافة بالنسبة الى المملكة العربية السعودية، ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام، ومن يقول غير ذلك فانه مكابر ويدس راسه في الرمال، فالحرب على اليمن تقترب من دخول عامها الثالث دون أي مؤشر على وقف قريب لها سلما او حربا، ونزيفها المالي والبشري والعسكري مستمر ومتسارع، وانضمام تركيا المفاجئ الى المحور الروسي الإيراني، همش الدور الخليجي في الازمة السورية كليا، بعد ست سنوات من الضخ المالي والعسكري، وتنازل الرياض عن سياساتها النفطية “العنيدة”، والقبول بتخفيض انتاجها بحوالي 500 الف برميل يوميا، وعدم نجاحها في فرض المبدأ نفسه على خصمها الإيراني، أطاح بها من مقعد القيادة لمنظمة “أوبك” مثلما كان الحال عليه لعدة عقود.

العام الجديد ربما يكون اكثر سوءا، لان أصدقاء المملكة العربية السعودية يتقلصون، بينما يزداد عدد الأعداء في المقابل، فالعلاقات مع معظم دول الجوار سيئة، ان لم يكن كلها فبعد استعادة النظام السوري لمدينة حلب، وتوصل روسيا وتركيا الى اتفاق وقف لاطلاق النار في سورية، تعقبه اطلاق مفاوضات سلام تضم عشرة فصائل معارضة مسلحة تستظل معظمها بالمظلة التركية، ولم يكن من بينها هيئة المفاوضات العليا برئاسة رياض حجاب ومقرها في العاصمة السعودية، بات الدور السعودي في منطقة الشام (سورية ولبنان) محدودا جدا، حتى لبنان خرج من تحت العباءة السعودية، وبات تحت نظيرتها الإيرانية.

العلاقات السعودية المصرية تعيش مرحلة من التوتر رغم ضخ السعودية اكثر من 35 مليار دولار من  المساعدات المالية في الاقتصاد المصري، والسياسة الخارجية السعودي في معظم دول الاتحاد المغاربي في اضعف حالاتها، ولولا الوعود بالدعم المالي الذي لم يصل بعد الى السودان، لما انضم الى التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، وان كان هذا الانضمام جاء متأخرا وفي الوقت الضائع.

***

الفريق ركن محمود فريحات رئيس هيئة اركان الجيش الأردني قدم توصيفا دقيقا للمحنة السعودية في الحديث الذي ادلى به لمحطة تلفزيون “بي بي سي” عندما حذر من الحزام الإيراني الذي بدأ يمتد من مزار شريف في أفغانستان وحتى الشواطيء اللبنانية على البحر المتوسط، وتعزز بالنفوذ المتزايد لطهران في العراق، واستعادة الجيش السوري لزمام المبادرة في سورية.

ايران تحقق المكاسب الواحد تلو الآخر، بينما تتعاظم الخسائر السعودية، فالتحالف الروسي الذي انخرطت فيه ايران يزداد قوة ونفوذا في المنطقة، بينما الحلف الأمريكي الذي راهنت عليه السعودية ينكمش، وربما يتحول الى عدو لدود لها، اذا طبق الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب تهديداته بفرض “الخوة” او “الجزية” على السعودية ودول الخليج مقابل حمايتها، واستخدام قانون “جاستا” لجرجرتها امام المحاكم الامريكية لاجبارها على دفع تعويضات لضحايا هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، وهي تعويضات قد تصل الى خمسة تريليونات دولار حسب بعض التقديرات الامريكية.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي يتهمه كثيرون بعدم الذكاء، اثبت العكس تماما، وعرف كيف يتعاطى مع السعودية ودول الخليج، وحلب ما يقرب من 50 مليار دولار من بقرتها الحلوب، ولم يقدم في المقابل غير الكلام المعسول، والوعود “الكلامية” لحمايتها في مواجهة ايران، وفي نهاية المطاف، قرر ركوب الحصان الرابح، وهو التحالف الروسي السوري الإيراني.
كان لافتا ان يهدد احد قادة الحشد الشعبي بغزو مكة والمدينة، وان يطالب السيد علي خامئني المرشد الأعلى لثورة الإيرانية بنزع إدارة مراسم الحج، والأماكن المقدسة من المملكة العربية السعودية وتسليمها الى إدارة تتبع الدولة الإسلامية، ممثلة في هيئة يمكن التوافق عليها، ومثل هذه التهديدات ما كان يمكن ان تصدر لو ان السعودية في موقع قوة، ومحاطة بحلفاء عرب أقوياء.

القوة السعودية الناعمة التي هيمنت على القرار العربي طوال السنوات العشرين الماضية تقريبا، وتمثلت في سلاح المال، تتحمل المسؤولية الأكبر عن وصول المنطقة الى هذا الوضع المتدهور، لانها لم تضع الاسس الراسخة لمشروع عربي حقيقي يحقق التوازن، والردع العسكري للمشاريع الأخرى الإيرانية والإسرائيلية، وتبنت، بل دعمت، مشاريع الاضعاف والتفتيت للمنطقة ومراكزها الرئيسية في سورية والعراق ومصر، الى جانب ليبيا واليمن، في محاولة للانتقام من كل الأنظمة المصنفة علمانية ويسارية وقومية التي كانت ندا لها، ومعسكرها “المعتدل” في الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وتحالفت مع المعسكر الاشتراكي في مواجهة المعسكر الأمريكي الداعم للعدوان الإسرائيلي.
 
من المفارقة ان القيادة السعودية بدأت تتخلى عن الوصاية “الوهابية” تدريجيا، وتتبنى خططا لتحديث مجتمعها وفق المعايير الغربية، ولكن بشكل تدريجي، للتبرؤ من صفة خلق الحاضنة لـ”الإرهاب” التي يحاول الغرب الصاقها بها، فقد أطاحت بكل رموز التطرف من هيئة العلماء الدينية، ونزعت اظافر ومخالب الشرطة الدينية، احد اذرع تلك الهيئة، ونقصد بذلك جماعة (جماعة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر) وجردتها من معظم صلاحياتها الرقابية والتنفيذية التي تؤهلها لفرض قوانينها على المجتمع السعودي، بالاعتقال والسجن والتعزير ومداهمة البيوت.

في ظل هذه الصورة القاتمة، وغير الوردية التي وصلت اليها السعودية ومعظم دول المنطقة، كان من المفترض اجراء مراجعات شاملة سياسيا واقتصاديا وعسكريا، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتقليص الخسائر اذا لم يتأت منعها، ولكن هذه المراجعات لم تحدث، ولا يبدو ان هناك قناعة بضرورتها.

تركيا الرئيس اردوغان عندما ادركت خطأها في اسقاط الطائرة الروسية، وتأكدت من ان حلف الناتو لن يقف الى جانبها في الازمات التي ترتبت عليها، ادارت ظهرها لو مرحليا للغرب، وانضمت الى المحور الروسي للحفاظ على وحدتيها الترابية والديمغرافية، والشيء نفسه فعلته ايران عندما وقعت الاتفاق النووي مع الدول الست العظمى مطلع هذا العام لكسب عشر سنوات لإنقاذ اقتصادها، وتجنب المواجهة العسكرية او المزيد من العقوبات من أمريكا والغرب، الذي تتزعمه.

***

لماذا لا تفعل السعودية ودول الخليج الشيء نفسه، ولماذا التمسك بالمكابرة، والعناد، والسياسات العقيمة نفسها دون أي تغيير؟، وخوض حروب لا يمكن كسبها في اليمن وسورية؟، الا يوجد “عقلاء” يعلقون الجرس؟ ويقولون ان الكيل قد طفح؟

البوابة الاوسع والاهم لاي مراجعات هي القضية الفلسطينية، والتعايش العربي على أسس من المساواة والعدالة الاجتماعية، والتسامح مع أبناء العقيدة والهوية الواحدة، واتباع منهج الحوار مع الآخر والإصلاحات السياسية، اما الذين اوصلوا المملكة العربية السعودية ودول الخليج الى حالة العزلة بل والكراهية في الوطن العربي، وربما العالم الإسلامي ايضا، ودفعوا باتجاه الحروب والتطبيع مع إسرائيل، والدعوة الى اتخاذها كحليف في مواجهة الخطر الإيراني فيجب ان يخرجوا من المشهد، وان يتم محاسبتهم على سياساتهم هذه وما الحقته بدولهم وامتهم من اخطار، صبت في النهاية في مصلحة الصعود الإيراني الإقليمي والدولي الذي يتصاعد قلقهم منه.

اليس معيبا ان تحتل القضية الفلسطينية، لو إعلاميا، قمة اهتمامات ايران ومحورها، بينما تحتل قاع سلم الاهتمامات السعودية والخليجية إعلاميا وسياسيا؟

ربما يعتبر البعض ان هذه المقالة تشكل تدخلا في شؤونهم الداخلية، مثلما جرى عليه الحال في كل مرة، ونعترف بذلك دون مواربة، فنحن على الأقل نتدخل بالكتابة والنصح والتبصير، وليس بطائرات “اف 16″ ودبابات “الابرامز″ والصواريخ الذكية، ونشكل “عواصف حزم” وتحالفات لضرب دولة شقيقة (اليمن)، وشعبها الفقير المعدم، ونقتل عشرة آلاف، ونصيب مئات الآلاف من أبنائه وكذلك، ننفق المليارات على التسليح في وسورية واليمن وليبيا والعراق.

المصدر: رأي اليوم

زر الذهاب إلى الأعلى