العرض في الرئيسةفضاء حر

الحراك الجنوبي بين الإرهاب والصولجان الخليجي

يمنات

صلاح السقلدي

يظل التحدي الأمني هو أكبر التحديات التي تواجه الجنوب اليمني، في ظل استمرار انسداد أفق الحل السياسي لقضايا البلاد ومآسيها، التي تتناسل من بعضها يوماً إثر يوم، و منها قضية الجنوب، الذي تحول منذ بداية الحرب الدائرة في اليمن منذ عامين تقريباً إلى ساحة صراعات سياسية وطائفية، وميدان رحب لتنافس اقتصادي جيوسياسي بين القوى اليمنية والإقليمية والدولية. كل هذا يهدد تهديداً صريحاً مستقبل القضية الجنوبية كقضية سياسية وطنية، وليدة شرعية لوحدة فاشلة بين دولتي اليمن السابقتين.

قرابة 55 قتيلاً وعشرات الجرحى هم ضحايا آخر العمليات الإرهابية التي تضرب عدن منذ أكثر من عام ونصف. هذه العملية التي أتت بعد أسابيع قليلة من عملية مشابهة لها في ذات المكان وبذات الطريقة واستهدفت ذات الهدف (مقرات لجان صرفة مرتبات جنود جنوبيين في حي خور مكسر بعدن)، والتي أحدثت صدمة مروعة للرأي العام في المدينة والجنوب ككل، لا نظن أنها ستكون آخر هذه العمليات طالما بقيت الأسباب قائمة، والأدوات المستخدمة هي ذاتها، وطالما راوح الوضع العام مكانه من الغموض إن لم تتحرك عجلة التسوية السياسية، وطالما ظلت القوى التي تقوم بهذه العمليات قادرة على القيام بها بالزمان والمكان اللذين تحددهما هي، ومحمية من مراكز قوى مدعومة مالياً وفكرياً وسياسياً وإعلامياً من قبل جهات ودول اقليمية وقوى محلية تنتج فكر التطرف والتكفير لمآرب سياسية وأطماع أخرى، وتضخ ماكناتها الجهادية والإعلامية والمالية بغزارة مزيداً من فيروسات التطرف، وتبث لجاج الضغائن والأحقاد خدمة لدوائر سياسية متشيطنة لا يروق لها أن يتعافى الجنوب ويلتفت لحقه التاريخي، ويحفظ موقعه الجغرافي الذي تشخص إليه العيون الجاحظة الطامعة من خلف الحدود والبحار، ويصون موارده الطبيعية المنهوبة.

سيطول الحديث ويكون ذا شجون إن حاولنا أن نسبر بإسهاب أسباب ومظاهر الإرهاب في عدن والجنوب عامة منذ قرابة عامين، وسيكون من الصعوبة بمكان حصر كل القوى المحلية والإقليمية والدولية التي تعبث بالجنوب وبأمنه وتروم السيطرة عليه وعلى مقدراته وموقعه الجغرافي ودورها في زراعة الإرهاب في الجنوب وأدواتها، ولكن لا بأس أن نشير إلى ذلك بإشارات عامة وعابرة – كوننا قد تطرقنا إلى بعضها في الأيام الماضية- بعيداً عن الغوص في تفاصيلها العميقة:

– منذ اليوم الأول للحرب التي اندلعت نهاية مارس 2015م، اصطفت اصطفاف الضرورة كل الجماعات المتطرفة بكل تبايناتها الفكرية والأيديولوجية جنباً إلى جنب مع المقاومة الجنوبية الممثلة بالحراك الجنوبي وثورته الشعبية، بالإضافة للقوات الموالية للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي وجماعة حزب “الإصلاح” وقوات دول “التحالف” في هذه الحرب بقيادة المملكة العربية السعودية، في خندق واحد لمحاربة خصم مشترك هو قوات الرئيس المنصرف صالح وحركة الحوثيين (أنصار الله).

كل قوة من هذه القوى خاضت حربها وفقاً لموقفها وتصنفيها لقوات صالح والحوثيين؛ فمقاتلو الحراك الجنوبي طفقوا منذ اليوم يحاربون قوة احتلال يمنية شمالية (تماشياً مع الهدف الجنوبي المنشود وهو استعادة الدولة الجنوبية). والجماعات الدينية بكل تبايناتها، مثل تنظيم “القاعدة” (أنصار الشرعية) و”داعش” والجماعات السلفية الجهادية وجماعات دينية (خليط) تتبع حزب “الإصلاح” ذا المسحة الدينية، شاركت وما زالت في هذه الحرب بنزعة طائفية بحتة، حيث رأت فيها فرصة للقضاء على من تصفهم بالروافض والمجوس.

و قوات الرئيس هادي وقسم كبير من حزب “الإصلاح” خاضوا الحرب في الجنوب – وما زالوا في الشمال حتى اليوم- على أنها حرب بينهم بصفتهم سلطة شرعية وبين من يصفونهم بالانقلابيين (صالح والحوثيين). أما قوات “التحالف العربي” الذي تقوده المملكة السعودية، فبالرغم من إعلانهم أنهم يخوضون الحرب تلبية لدعوة الرئيس هادي، إلا أن الهدف الحقيقي والذي لا يتحرجون عن الجهر به هو محاربة التدخل الإيراني في اليمن بحسب تعبيرهم، وتدمير القدرات العسكرية اليمنية التي تحت سيطرة الحوثيين وصالح بل القدرات العسكرية اليمنية بشكل عام.

– بعد انتهاء أو خفوت وتيرة الحرب في الجنوب منذ عام وعدة أشهر، شرعت كل جهة من شركاء هذه الحرب ضد الحوثيين وصالح بتجيير النصر العسكري المحقق بالجنوب خدمة لها، وتوظيفه لمشروعها السياسي والديني، وتثبيط المشروع الجنوبي التحرري. وكانت ورقة الإرهاب هي السلاح الأمضى بيد كل قوة من تلك القوى آنفة الذكر، باستثناء الحراك الجنوبي الذي وجد نفسه بين حجرتَي رحى: الإرهاب والصولجان الخليجي من جهة وكابوس ضياع قضيته وتقسيم أرضه باسم مشروع الدولة الفيدرالية المزعومة من جهة ثانية، وبينهما نزيف دم الأحزمة والسيارات الناسفة.

– صور الإرهاب في الجنوب لها عناوين وأشكال متعددة من جهات كثيرة، سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر. فيكفي أن نعلم أنه ولكي يتم ثني الجنوب عن هدفه التحرري تتعمد دول “التحالف” و”الشرعية” إبقاء الجيش والأمن الجنوبيين بوضعهما المهمل منذ عام 94م، واستنساخ جهات أمنية وعسكرية عوضاً عنهما، تفتقر معظمها للخبرة الأمنية والعسكرية، وتفتقر كذلك للميول والقناعة الجنوبية، وتأخذها النزعة المتطرفة التي تضمر للجنوب الخصومة باعتباره وفقاً لاعتقادها شيوعي الثقافة والسلوك.

هذا علاوة على تعمد هذه الجهات إدخال الجنوب في دوامة المعاناة اليومية بتغييب الخدمات الضرورية والمعيشية، ليتسنى لها بالتالي شل فعالية الجنوب والإجهاز عليه، في الوقت الذي ما تزال فيه وغيرها تمسك بناصية الأمور وخصوصاً المالية والاقتصادية والعسكرية ناهيك عن السياسية إلى حد كبير.

– تضاف إلى ذلك حالة المداهنة الصريحة لدول “التحالف” و لـ”السلطة الشرعية” إزاء مظاهر التطرف وصوره في مدن الجنوب وبلداته، مثل ترك الحبل على الغارب لعدد من خطباء الجوامع المتطرفين، وتكاثر المراكز والجمعيات المشبوهة، وغض الطرف عن الأموال التي يتم ضخها لهذه الجهات المتطرفة، وإفساح المجال واسعاً أمامها إعلامياً وسياسياً وعسكرياً.

و يكفي أيضاً أن ننظر إلى مصير عدد من الإرهابيين الذين تم ضبطهم بعمليات ارهابية قاموا بها منذ أشهر، ويعتقد أن بعضهم تم ترحيلهم خارج البلاد دون أن يتم الكشف عن نتائج التحقيقات، ما يضاعف حالة الريبة من موقف هذه الدول وهذه “الشرعية” حيال الجنوب وأمنه بالوقت الراهن.

و ثمة دليل آخر يثبت صحة ما ذهبنا إليه، وهو تعمد الشرعية اليمنية وإعلامها المسارعة بعد كل عملية إرهابية في عدن على سبيل المثال إلى المطالبة بإقالة محافظ المحافظة ومدير أمنها، ما يضاعف الشكوك التي تحوم حول هذه الشرعية (التي تم إدراج عدد من قادتها بلوائح الإرهاب العالمية) بوقوف جهات داخلها وراء تلك العمليات في عدن لأثبات فشل السلطات المحلية المحسوبة على الحراك الجنوبي. كذلك، لم ينفذ سلاح الجو التابع لـ”التحالف” أي عمليات ضد الجماعات الإرهابية المسلحة التي كانت وما زالت تشكل خطراً على عدن والمكلا وشبوة ولحج وأبين إلا بالحدود الضيقة، و وفقاً لما يتماشى مع حجم الضغوط الدولية التي يتعرض له هذا “التحالف”. زد على ذلك بروز توجس جنوبي جديد من تزايد حالة الاستهداف الأمني، بعد توارد أخبار تتحدث عن عودة عدد من العناصر الإرهابية قادمة من بلاد الشام.

بالمجمل، نقول إن الجنوب ما زال يشكل تربة مسمّدة خصبة لنبات الإرهاب، وما تزال أياد كثر تتحرك من خلف الحجب، وستظل كذلك ما لم ينهض طائر الفينيق من رماده، وينفض عن ريشه تراب الاستكانة والرهبة والخنوع. ومثل هكذا استنهاض من حسن الطالع أن مؤشراته قد بدأت بالفعل تتبدّى جلياً من خلال حالة الوعي الجنوب الواسع، والاستشعار بخطورة شراكة الاحتيال وتحالف الخديعة.

المصدر: العربي

للاشتراك في قناة يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى