فضاء حر

العرب بين ازمتين حداثية واخرى اصولية

يمنات

عبد الملك العجري

ليس اليقين المعرفي والحسم الفكري وادعاء امتلاك الحقيقة من السمات الملازمة للأصوليات الدينية المتطرفة والتي غالبا ما تدفعها إلى نعت مخالفيها بالجهل والكفر, فالادعاءات العلموية واللغة المتعالية للخطاب الحداثي العربي تحمله على نعت خصومهم التقليديين بالتخلف والرجعية والظلامية, وكما يكون نعت الخصم بالكفر مقدمة لتصفيته جسديا او معنويا كذلك يكون اطلاق صفة الرجعية والاصولية والقروسطية مقدمات للتصفية السياسة والجسدية في احيان كثيرة, وسواء تمت عملية التصفية بسيف الاصولية, او بالة القتل الاكثر تطورا للحداثة, لا فرق لدى الضحية بين ان يكون ضحية للعنف الاصولي او للعنف الحداثي ففي النهاية حقه في الحياة استبيح في كلا الحالتين .

كلا الخطابين الاصولي والحداثي يعاني من داء الاغتراب الزماني بالنسبة للأول او المكاني لدى الثاني, وكلاهما يعاني استلابا في الوعي فلا يستطيع التفكير الا في سياقات ومنظومات فكرية جاهزة وبالاعتماد على ما قرره السلف سواء اكان هذا السلف احمد بن حنبل ام روسو ,ابن تيمية او ماركس , ” الاصولي يلجا الى حشد مجموعة من اقوال واجتهادات السلف لإسناد كلامه وعضد حجته, والحداثي يعمد الى تطعيم كلامه بأسماء مثل فولتير وماكس فيبر واسبنوزا ومل وكونت لإظهار نوع من التكايس والكفاءة الفكرية من ناحية والاستفادة من الهالة التي لهذه الاسماء, المفكر الليبرالي المصري لويس عوض تحدث : انه هو و ابناء جيله كانوا اذا راوا “قصورا في الحياة المصرية يستشيطون غضبا ويبحثون عن الحلول في التاريخ الاوربي منذ عصر الثورة الفرنسية….. ”

ونفس المؤاخذات والانتقادات التي يوجهها الحداثي للإسلامي يردها الاخير للأول , الحداثي يتهم الاسلامي بالعجز عن فهم و ادراك الواقع والسلفي يرى ان الحداثي يزيد من تعقيد الواقع وتظليله بأكثر مما هو عليه باستنساخه لإيديولوجيات وافكار ومفاهيم هي انعكاس للتجربة الاوربية وليس للحقيقة في مطلقها ويقوم بإسقاطها على الواقع العربي ولأنها حلول جاءت استجابة لواقع اخر يضطر الى تزييف الواقع وقسره ليستجيب لأيديولوجيته, , واذا تحدث الحداثي عن الجرائم والحروب التي ترتكب باسم الدين تحدث الاصولي واطنب عن فضائع الحروب الكونية في العصر الحديث تحت راية( فاوست) لا راية المسيح والجرائم التي ارتكبها اوربا الحديثة بعد ان حولت الحداثة الى مشوع كوني وتلمود مقدس حاولت تصديره الى العالم ,واذا اتهم الليبرالي الاسلاميين بالانتقاص من حق المواطنة والحقوق المدنية للأقليات الدينية رد الاسلامي بموقف الاصولية العلمانية في فرنسا من مسالة الحجاب والذي بالنهاية يعني رفض التنوع الديني, و موقف معظم دول الغرب ما يثيره التواجد الكبير للجاليات الاسلامية في الغرب من قلق ,والتغيير الديمغرافي الذي يمكن ان يحدثه في المستقبل اصبح الهاجس الذي يقض مضاجعهم .

و حين يسال الحداثي الاسلامي عن مشروعه السياسي والاقتصادي يرد الاخير واين هو مشروعك اذا كنت تمتلكه لماذا اخفقت في تحقيق النهضة الموعودة وكل شيء اصبح بيدك ؟

و لا زالت الحكاية مستمرة كل طرف لا انجاز له غير فشل الطرف الاخر … مع استثناءات قليلة هنا وهنا …..

زر الذهاب إلى الأعلى