العرض في الرئيسةفضاء حر

الهدن المتكررة التفاف على الجهود الدولية الداعية لوقف الحرب في اليمن

يمنات

عبد الباري طاهر

الاعتقاد بأن اليمن – كل اليمن – قبلي اعتقاد خاطئ، كخطأ إنكار وجود تركيبة قبلية مؤثرة. كلا القولين لا يساعدان على قراءة الحالة اليمنية؛ فاليمن البلد المتعدد والمتنوع قطعت العديد من مدنه و قراه وفئاته وشرائحه الحبل السري مع القبيلة؛ فحضرموتعلى سبيل المثالشهدت إصلاحات ومصالحات وطنية، وحوارات سلامية منذ ثلاثينيات القرن الماضي، أسست للميل للدسترة في السلطنة القعيطية، ووجود تعليم حديث وقضاء لا يخضع للسلطان. وشهدت سلطنة لحج أيضاً مشروع دستور يقوم على الفصل بين السلطات، ويمثل نواة أو بذرة باتجاه حياة مدنية.

و قطعت عدن شوطاً أبعد باتجاه التمدن والتحضر بفضل وجود النقابات والصحافة والأحزاب السياسية، والأندية الثقافية والنوادي الأدبية، والقطع مع القبيلة والعلاقات العشائرية.

ورغم ارتكاز النظام الامامي (المتوكلي) على قوة القبيلة ومليشياتها إلا أن العديد من المدن، وتحديداً صنعاء- تعز- الحديدة – ذمار، كانت أيضاً قد عرفت المدنية والنشاط التجاري والحياة المدنية أيضاً.

فشل حركة 1948، وتمرد الجيش في تعز 1955 والحرب ضد ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 62، والتي استمرت ما يقرب من ثمانية أعوام، قوت عضلات القبيلة ورفعتها – أي الحرب- خصوصاً بعد انقلاب 5 نوفمبر إلى صدارة السلطة.

رأس الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر مجالس الشورى والوطني والنواب، وحكم سنان أبو لحوم الحديدة بدون قرار تعيين، وخضعت حجة لمجاهد أبو شوارب أحد مشايخ حاشد، والشيخ أحمد العواضي محافظة تعز، ومثل الشيخ أحمد منصور القوة في محافظة إب، وظلت صنعاء وصعدة لنفوذ الشيخ عبد الله الأحمر.

أما في الجنوب فإن القيادة العامة للجبهة القومية قد دخلت في مواجهات مع السلطنات والمشيخات القبلية، واتسمت مواجهاتها بالضراوة والعنف ضد الثورة المضادة، لكن الصراع بين أجنحة الجبهة القومية، وفيما بعد الحزب الاشتراكي، أحيا هذه القوى لتتعزز أكثر فأكثر بعد حرب 1994 ضد تجربة الجنوب التحررية.

في العام 1974، وتحديداً في 13 يونيو، قام العقيد إبراهيم محمد الحمدي بحركة تصحيحية في الـ” ج. ع. ي.” أطاحت بسلطة المشايخ، وأقصتهم وفرضت عليهم ما يشبه العزل السياسي، وعمل لاحقاً على التنسيق مع الرئيس سالم ربيع علي على وقف الصراع في المناطق الوسطى (مناطق التماس بين الشطرين)، ومهدا لقيام وحدة جرى الانقلاب عليها قبل أن ترى النور، عبر اغتيال الزعيمين ربيع والحمدي.

مجيء علي عبد الله صالح في العام 1978 مثل بداية الانعطافة الخطيرة للحكم القبلي تحت رداء عسكري؛ فقد أعيد بناء الجيش والأمن على أسس الولاء القبلي و العشائري، وجرى تصفية العناصر الوطنية غير الموالية للقبيلة في هذين الجهازين.

في الجنوب مثلت كارثة 13 يناير 1986 بداية فقدان التوازن، وبروز الانتماءات والتكتلات ذات الطابع القبلي والجهوي.

و رغم أن الوحدة في الـ 22 من مايو 1990 قد تمت عبر الحوار السلمي الديمقراطي إلا أن الطريقة الاندماجية المتسرعة وغير المدروسة قد أضعفت الجنوب، ومكنت سلطة صالح المدعومة من العراق ودول الخليج والأمريكان من فصم عرى الوحدة الطوعية السلمية بشن الحرب التي دمرت الكيان الجنوبي، وألغت جيش الجنوب وأمنه، وطالت الوظيفة العامة، ونهبت مؤسسات الجنوب، ومست مصالح الناس، وأحيت النعرات القبلية، وتكوينات ما قبل عصر الدولة.

حرب 94 بداية الكارثة الحقيقة التي نعيش تفاصيلها الكريهة والمريرة، عقب هذه الحرب انفجرت حروب متسلسلة ومتناسلة في غير مكان، أخطرها وأشدها الحروب الستة على صعدة ابتداء من العام 2004 وحتى اندلاع الثورة الشعبية السلمية.

كل الحروب الإجرامية كانت تتخللها هدن وجولات حروب متكررة يمتد بعضها لشهور أو أعوام.

ما نشهده اليوم في حرب الشرعية والتحالف الدولي من جهة، وأنصار الله وصالح في الطرف الآخر، تتكرر الهدن وتتوالى بينما تستمر الحرب وتتصاعد. يستمر حصار تعز والقتال في غير منطقة وغارات طائرات التحالف بقيادة السعودية، لكأن الهدن المتكررة ليست أكثر من ذر للرماد في العيون أو الحلمة الكاذبة للطفل الجائع، وقبل ذلك وبعده فإنها التفاف على الجهود الدولية الداعية لوقف الحرب.

عن: العربي

زر الذهاب إلى الأعلى