إختيار المحررالعرض في الرئيسةقضية اسمها اليمن

الحقيقة المغيبة منذ نصف قرن.. السلال ليـــس اول رئيـــس للجمهوريـة

المستقلة خاص ليمنات

في عام 1934 وصلت الى ميناء المخاء بارجة حربية ايطالية تقل على متنها ضباطا وجنوداً ايطاليين وترجل منها قائدها واتجه نحو عمال المخاء مدعياً ان الرعايا الايطاليين في اليمن يتعرضون للاستفزاز والسطو من رجال القبائل اليمنية وان هذه القوة جاءت لحمايتهم فتأزم الموقف بين عامل المخاء والقائد الايطالي وكادت أن تشتعل حرب غير متكافئة ستكون مبرراً لاحتلال الميناء والتدخل الايطالي في اليمن فكان الموقف صعبا وبحاجة الى منقذ فمن هو المنقذ؟

 فعلا وصل المنقذ في الوقت المناسب وهو  الشيخ محمد علي عثمان الذي كان يشغل منصب نائب العمال حينها وبذكائه الاستثنائي حال دون تحقيق الايطاليين لهدفهم حيث تصرف الشيخ ببديهية سريعة ومثيرة للدهشة فقام باستدعاء قبائل المخاء وما جاورها فاجتمعوا في الميناء واعلن الشيخ الحرب على الغزاة واحتجز عامل المخاء ومن ثم ذهب الى القائد الايطالي وبلغه ان القبائل تغلي وقد ثارت على عاملها واعتقلته وترفض التدخل الاجنبي في منطقتها وان أي جندي ايطالي سينزل من السفينة سيتم قتله مباشرة ولن تتراجع عن ذلك مهما كان الثمن .. هذا الموقف القوي والسريع أذهل القائد الايطالي وأثار في نفسه الفزع فغادر المخاء وهو يتوعد بالعودة بقوة كبيرة لكنه ذهب ولم يعد …

 وفي نفس العام 1934 سجل التاريخ بأن الشيخ محمد علي عثمان يعد من اوائل الثوار اليمنيين الذين قاوموا غطرسة الاستعمار البريطاني فبعد أن عينه الامام عاملاً على ناحية الحشاء أمر القبائل بحمل اسلحتها ومهاجمة الحامية البريطانية التي كانت تتواجد في قبيلة (بني كالدم).

وذلك بعد أن قام أهالي هذه القبيلة بالاعتداء على مراعي أهالي قرية الحشاء فاستغل الشيخ محمد علي عثمان هذه الحادثة لإشعال الحرب ضد الحامية البريطانية وقام المسلحون القبليون بمهاجمة الحامية ما أدى الى تدخل الطيران البريطاني وضرب منطقة قعطبة فأحدث ذلك ردود عكسية والتهب الحماس لدى اليمنيين وتوافدوا الى المنطقة لمواجهة الجنود البريطانيين ومهاجمة مقر حاميتهم.

داهيــة اليمــن

ومن المواقف التي تؤكد ان الشيخ عثمان كان داهية اليمن نجاته من غضب الامام والافلات من عقوبة مشاركته في ثورة 1948م حيث كان الشيخ محمد علي عثمان مكلفاً بالتعاون مع المسؤولين الذين ستعينهم قيادة الثورة في اب وتعز من أجل تنفيذ اعمالهم وقمع خصومهم المواليين للامام وعند اندلاع الحركة تحرك الشيخ محمد علي عثمان ومعه قبائل ماوية الى مدينة اب في طريقهم الى ذمار لتحرير المعتقلين وانقاذهم من الاعدامات التي كان ينفذها اتباع الامام وبينما كان الشيخ يقيم في منزل عبد اللطيف بن راجح لأخذ قسطاً من الراحة قبل مواصلة السير فوجئ بنبأ فشل الثورة والقاء القبض على قائدها (عبد الله الوزير) ورفاقه وهنا تجلى موقف القائد الشجاع فقرر تحمل المسؤولية لوحده واعاد الجنود والقوة التي كانت معه الى ماوية ثم سافر الى حجة لمقابلة الامام وصادف وصوله ان الامام كان يجمع الجنود ويحمل القوات والمعدات على سيارات مختلفة استعداداً للعودة الى تعز ولكن بصورة غير منظمة وبذكائه المعهود فطن الشيخ محمد علي عثمان ان هناك خطأ في عملية تنظيم هذا التحرك فأخذ بنفسه يسجل عدد الجنود وكمية الاسلحة وايضاح ارقام سيارات التحرك واسماء قادة القوات المتحركة وعندما فرغ الامام أحمد من التجهيز الارتجالي عرف بأنه قد ارتكب خطـأ وهو عدم احصاء أفراد الحملة واسلحتهم ومعداتهم وحينها تقدم اليه الشيخ محمد علي عثمان بالبيان جاهزاً ومفصلاً فكان هذا سبباً لنجاته من معتقل حجة وامره الامام بمرافقته الى تعز.

الرهينة

الشيخ محمد علي عثمان لم يكن مجرد مسؤول أو مناضل بل كان اسطورة حياة خاضها معترك الحياة منذ نعومة اظفاره وتعرض للسجن وعاش رهينة منذ طفولته بعد ان أخذه الامام ووضعه في قلعة القاهرة بتعز كرهينة عن والده وعمه اللذين كان مختلفان مع الامام وهربا الى عدن وبعد ذلك نقله الامام رهينة الى صنعاء وفيها درس العلوم المختلفة وتعلم اللغة الانجليزية ذاتياً قبل أن يعود والده الى صنعاء ويحكم عليه الامام بالإقامة الجبرية بصنعاء ويعينه مسؤولاً على حسابات الحكومة اما الشيخ محمد علي عثمان فقد تقلد مناصب كثيرة وكانت له اسهامات بارزة تنم عن حس وطني مبكر وتؤكد على أنه رجل دولة من طراز فريد .

بصمــــات وطنيــــــة 

ومن الشواهد على ذلك مآثره في المناطق التي عين فيها فمثلاً عندما عينه الامام عاملاً على ناحية حيفان اقترح على الامام فكرة نهر ورزان واستطاع اقناعه بتنفيذ المشروع لما له من فائدة كبيرة وتمت المناقصة لإنجاز المشروع بمبلغ مائة وخمسين الف ريال فرأى محمد علي عثمان ان المبلغ باهظاً فطلب من الامام ان يوكل اليه مهمة تنفيذ المشروع وانجز المشروع على يديه بطريقة مختصرة وبمبلغ تسعة الف وخمسمائة ريال فقط…

وفي مديرية المخاء مازالت بصماته حاضرة حتى اليوم فهو من أعاد تأسيس الميناء وتشغيله من جديد وهو من قام بحفر بئر المخاء الشهيرة ومن ثم توصيل أنابيب المياه الى كل منازل المدينة وبلمسة جمالية وفنية قام بتشجير عشرة كيلو متر من الطريق المؤدي للمدينة كما غرس مائة الف نخلة حول المدينة لحمايتها من غزو الرمال .

الخـطــــر المـبعـــد

ظلت علاقة الشيخ محمد علي عثمان بالإمام تتسم بالشد والجذب وبهذه العلاقة استطاع ان يقنع الامام بالإفراج عن كثير من المعتقلين المناهضين لحكم الأئمة لكن الامام احمد شعر بـأن الشيخ عثمان يشكل خطراً عليه وعلى سلطته بعد ان بلغه بأنه يلتقي سراً بخصومه الداعين الى القضاء على حكمه فعينه وزيراً في القاهرة لدى الاتحاد العربي وبعد فشل الوحدة المصرية السورية عاد الشيخ محمد علي عثمان الى صنعاء فعينه الامام وزيراً للصحة ثم وزيراً للمالية

الـــــــوطـــــــن في مــــحــــطــة الـــــــثــورة

عندما وصل الوطن الى محطة 26 سبتمبر 1962م كان الامام احمد قد توفي وتقلد منصب الامامة ابنه البدر فأبقى على محمد عثمان في منصبه وزيراً للمالية وهو ما ساهم في خدمة حركة الضباط الاحرار والتعجيل بثورتهم .

ففي يوم الاربعاء 25 سبتمبر 1962 عقد الامام البدر اجتماعاً لمجلس وزرائه وأبلغهم أن مخابراته كشفت له أن ضباطاً في الجيش يخططون للانقلاب عليه ووجه الامام حكومته بالعمل على افشال المخطط والقاء القبض على الضباط واعدامهم .. وبعد انتهاء الاجتماع قام الشيخ محمد علي عثمان بتسريب الخبر للضباط  ونصحهم بضرورة انقاذ انفسهم وانقاذ حركتهم وطلب منهم التعجيل بساعة الصفر . وهو ما حدث فعلاً في اليوم الثاني الموافق الخميس 26 سبتمبر 1962 عندما سارع الضباط الى اعلان الثورة ومهاجمة دار البشائر .. ونظراً لدوره البارز في الثورة وما يملكه من صفات القيادة فقد تم الاتفاق أن يرأس الشيخ محمد علي عثمان مجلس السيادة الذي ضم في عضويته العلامة محمد المنصور والاستاذ علي الاحمدي والشيخ محمد المهيوب.

 

ولأنه صاحب مواقف ثابتة فقد رفض الرئيس محمد علي عثمان عملية الاعدام الجماعية التي كان يقوم بتنفيذها بعض الضباط والمسؤولين في السلطة الجديدة بحق خصومهم السابقين بالإضافة الى موقفه من التواجد المصري حيث كان يرحب بالدعم المصري (مالياً وسلاح وعتاد) ولكنه كان يرفض تواجد الجيش المصري على الارض اليمنية والى جانب هذا وذاك فقد كان يدعو الى  التمثيل الجغرافي لكل مناطق البلاد في السلطة العليا كل هذا وغيره أثار حفيظة الطامحين الجدد للسلطة فلجؤا  الى حيلة استطاعوا من خلالها ابعاده عن الارض اليمنية ونفيه قسرياً الى القاهرة حيث ترأس وفداً غرضه حمل شكوى الى القيادة المصرية ضد المتآمرين على الثورة لكنه بمجرد وصوله الى مصر انكشفت حقيقة أخرى . ولم يسمح له بالعودة .

وبعد خمس أيام وتحديداً في الــ 30  من اكتوبر 1962 تم الاعلان عن مجلس قيادة الثورة وانتخاب السلال رئيساً للجمهورية بعد الاعلان عن اصدار الدستور تلا ذلك صدور قراراً بتعيينه وزيراً مفوضاً لليمن لدى جمهورية السودان وذلك بغرض ابعاده عن المشهد السياسي وكان السلال قبل ذلك قد ذهب الى الاذاعة ووجههم بعدم التعامل مع الرئيس محمد علي عثمان ومجلس السيادة لكن عثمان رفض قرار التعيين وعاد الى صنعاء وخدم وطنه من الداخل وتعلم من الدروس السابقة ورفض زيارة القاهرة مرة اخرى وفشلوا في الايقاع به عندما دعته مصر وغيره من القادة الى زيارة القاهرة لغرض التشاور وبعد أن وصل الوفد الذي كان يضم ابراهيم الحمدي والقاضي عبد الرحمن الارياني وغيرهم جرى اعتقالهم ومنعهم من العودة الى اليمن اما الشيخ محمد علي عثمان فقد ارسلوا  حملة لتطويق منزله ورفض الشيخ مقاومتهم وذهب ليسلم نفسه للسلطة في صنعاء ولم تمض فترة حتى طوت الايام حكم السلال وتشكل مجلس رئاسي جديد برئاسة القاضي عبد الرحمن الارياني ونيابة الشيخ محمد علي عثمان  .

وفي احدى اجتماعات مجلس قيادات الثورة أختلف الشيخ محمد علي عثمان مع أحد المشائخ فخرج عثمان غاضبا ودفع الباب بقدمه ووجد أمامه الشيخ بجاش الخرساني والد الكاتب الشهير عبد الرحمن بجاش ينتظره في الصالة المقابلة فقال له عثمان : ( هيا نمشي يا رجال والله لأقسم أبوها من سمارة منزل ) ولم تمض بعد ذلك سوى أيام قليلة حتى اغتالته أيادي الغدر في صباح يوم الأربعاء 3مايو 1973 م أثناء خروجه من منزله بعد صلاة الفجر الساعة الخامسة وخمسة عشر دقيقة .

زر الذهاب إلى الأعلى