فضاء حر

مزاج رجل الأمن

يمنات

طالما حيرني مزاج رجل الأمن، خصوصاً في نقاط التفتيش، ولم تكن تنقصني حيرة أخرى لأعرف ما حاجة أعضاء بارزين في مؤتمر الحوار، للاحتكاك برجال الأمن، أو التنقل بسيارات لا تحمل لوحات أرقام، ولماذا يستنكفون من الجنود عندما يمنعون سيارة غير مرقمة من العبور؟

احتجاج أعضاء في مؤتمر الحوار على توقيف سيارة غير مرقمة للنائب عبدالكريم جدبان، كان موقفاً مبالغاً فيه، وأظهرهم كأنهم يساندون احتكار مخالفة القانون على أعضاء مؤتمر الحوار! فالجنود غالبا ما يتصرفون بعنجهية عندما يشعرون بعدم التقدير.

هم يعرفون ربما أن مهمتهم تزعج الكثيرين، وتسبب الاختناقات المرورية، وأن المواطنين، وسائقي السيارات تحديدا، لا تعجبهم تصرفات الجنود في النقاط، لكني أرجح أنهم يفعلون ذلك بمزاج من يشعر بملل ضاغط سببه الوقوف طويلا في مكان واحد، وتأفف من يعتبرون إجراءات التفتيش لا تنطبق عليهم، أو الشطحات الاستباقية لمواطنين تعرضوا للابتزاز بكثرة. كل من يوحي لجنود النقاط بأنهم غير مرحب بهم في المكان، لابد أنه قد وقع ضحية لمزاجهم غير المفهوم.

تذمر النائب جدبان من إيقاف سيارته في نقطة للشرطة العسكرية، وأوصل الأمر لزملائه في مؤتمر الحوار، ليتخذوا موقفاً، وكانت تلك ردة فعل تفتقر للياقة المسؤول. كما أن حضور قائد الشرطة العسكرية الى المؤتمر "لتطييب خاطر" جدبان، هو أيضاً تصرف لا يليق بمسؤول يقول إنه حريص على تطبيق القانون "على الجميع"، رغم ما يحمله هذا التصرف من لياقة شخصية، وحرص على احتواء موقف يمكن أن يتصاعد بفعل "خفة العقل" إن جاز التعبير.

لماذا ينبغي أن يتصرف أعضاء مؤتمر الحوار كما لو أنهم قديسو المرحلة؟ مواقف كثيرة حدثت خلال الفترة الماضية من بدء أعمال المؤتمر، وتصرف فيها الأعضاء بحساسية عالية إزاء الإجراءات الأمنية. حسب تجربتي مع أفراد الأمن، فإن غالبيتهم قادرون على تمييز الأشخاص من هيئتهم ومنطقهم، لكنهم عندما يشعرون بتذمرك من طبيعة عملهم، يبدون استعداداً منقطع النظير للخوض في سوء التفاهم، وجرّك إليه بدون اكتراث. حتى أولئك الأفراد الذين يبالغون في تفتيش السيارات بدافع الابتزاز، فغالباً ما يبدؤون باختبار هدوء أعصابك ليجروك إلى التقليل من احترامهم، ثم يبدؤون برفع سقف الابتزاز، وقد يهينونك وقد يقتلونك أيضاً، ولا نحتاج لإيراد أمثلة على ذلك.

مزاج أفراد الأمن في أي بلد، قائم على الريبة وافتراض سوء النية. يدفعني لقول ذلك، مزاج رجل أمن في مطار فرانكفورت، أخرجني من طابور انتظار تفتيش الدخول، لإجراء "تدقيق إضافي" كما قال. وأنا أخرج من الطابور، سألته بلكنة مسافر متعب وضجر: "هل توجد مشكلة؟"، فتوقف عن التحديق في جواز سفري، ونظر باستفزاز إلى عيني، سائلاً بالمقابل: "هل يفترض أن توجد مشكلة؟"، قلت له بلامبالاة: لا، فردّ بانفعال أقل: تعال معي إذن. عرفت لاحقاً أن الأمر ليس شخصياً، وأنهم ينتقون عينات عشوائية من كل رحلة قادمة، لإخضاعهم لتفتيش دقيق، ثم يستكملون لهم الإجراءات أسرع من الآخرين.

لا أقول بأن مزاج رجل الأمن يروقني، وطالما أزعجني أفراد الأمن في النقاط أو في بوابات المؤسسات، بإجراءات تفتيش أعرف أني لا ينبغي أن أخضع لها، لكن التقليل من احترام رجل الأمن، أو التذمر من قيامه بعمله، لا يخدم شعار المطالبة بدولة قوية. كما أن ذلك ليس في مصلحة هواة الانتقال السلس، أو من هم في مزاج قابل للاستفزاز. ففي نهاية المطاف لدى شرطي النقطة اليوم بطوله ليفتشك ويطلب أوراقك، ويعرقلك ساعات لا تنتهي بسلام، مع أن هذه الإجراءات التعسفية قد تبدأ بمحاولة اجتياز النقطة باعتبارك شخصية معروفة، أو التفاوض بعصبية في حال لديك سيارة غير مرقمة، مثلا.

 

لمدير عام المرور وقائد الأمن المركزي:

هناك أفراد من شرطة المرور يمارسون ابتزازاً على السائقين الذين لا يحملون أوراق سياراتهم أو رخصة القيادة، ولا يفرقون بين من هو مستهتر بالنظام، ومن هو في طور استكمال معاملة أوراقه بالفعل. وما إن يكتشفون أن إحدى الأوراق ناقصة حتى يصعد رجل المرور في الكرسي الأمامي، وجندي من الأمن المركزي في الكرسي الخلفي، ويطلبان ركن السيارة في مكان قريب للتفاوض.

هي ظاهرة مسيئة لأنها لا تنتهي بتحرير سند مخالفة أو بتوجيه اللوم، بل بتخيير السائق بين دفع غرامة رسمية باهظة، أو أن "يعرف على نفسه"، ويسدد بطريقة الدفع الفوري للمفاوض. وللإنصاف، فإن جولات العاصمة لا تخلو من ضابط أو فرد يحترم نفسه، ويحترم البزة التي يرتديها، وهؤلاء هم من يتدخلون لتلافي أخطاء زملائهم، لكن هذا لا يكفي. إذ يحتاج الناس أن يسمعوا ويقرأوا، بين وقت وآخر على الأقل، تدابير وقائية تصدرها قيادات الأجهزة الأمنية، بما يعكس عدم تغاضيها عن تجاوزات منتسبيها، وحرصها على محاسبة المسيء.

عن: الأولى

زر الذهاب إلى الأعلى