أدب وفن

مجنون هيفاء حسين وغيمة وعد لا تمطر

المستقلة خاص ليمنات

( ألا يا وعد هيفا لا متى باعيش انا مجروح .. أسامر طيف أحلامي على شباكها المفتوح).. قيل إن الحب لا يؤمن بالحدود، ولا ترهقه المسافات، مهما بعدت وتعرجت مساراتها، فالمشاعر لا تعترف بجوازات السفر وتأشيرات الدخول، إنه يتسلل فحسب، يغوص الأعماق، ويحترف المغامرة، تلك هي فلسفة الحب التي استوطنت قلب عاشق متمرد، وشاعر اجتاحت عالمه عواصف الغرام.. إنه الشاعر اليمني الواعد “صفوان القباطي”، شاب حالم يسكن بين جوانحه ألف حلمٍ وحلم، لكنه يجد نفسه مشدوداً إلى حلمٍ لا يشبه بقية الأحلام، ولا يقاس بالمسافات، إنه حلم الحب الذي ينمو في أعماقه مع مرور الأيام وتوالي السنوات.. حبٌ من نوعٍ مختلف.. يشبه المستحيل ولا يؤمن به، ويعترف بالصعوبات ولا يتوقف أمامها.. عشقٌ بجنونٍ مقدس خالٍ من الرغبات ونقي من النزوات..

< محمد سلطان

ذات لحظة من عمر الفتى، كان لها ما بعدها، أفاق صفوان وقد أطلت “هيفاء” في سماوات أيامه شمساً، اختزلت بإشراقتها كل إشراقات الكون، فصارت عالمه الفريد، وكونه الجديد، أرضه وسماءه وكواكبه ونجومه، أفلاكه التي يدور عليها رحالاً أستبد به شغف الترحال، متجولاً في آفاق سحرها يطوي المسافات حباً أزلياً وغراماً معتقاً..

هيفاء يا منتهى الأحلام يا قلقي

ومبتدى طوف ترحالي ومختتمي

إلى مرافئك الأشواق تجرفني

إن جئت ماجئت مختالاً على قدمي

“هيفاء حسين” نجمة البحرين المتألقة، المتسمة برقتها وجمالها وطيبة قلبها، تجاوزت أرقاماً قياسية في عدد المعجبين، غير أن صفوان وحده، له في الإعجاب قصة أخرى، فهو يعلم أن هيفاء متزوجة، وأن ما يفصله عنها من البعد شيء كثير إلا أنه استسلم لمشاعر الفتنة التي تملكت حواسه وأحاسيسه فأصبح مفتوناً بها، تواقاً لرؤيتها، كتب فيها الشعر دون أن يكتفي بقصيدة أو مجموعة قصائد، بل ألف ديواناً مازال يتسع كل يومٍ مع أتساع الأشواق وكلما اشتعلت نار اللوعة في قلبه أطفأها بقصيدة..

عصفورة الأحلام صغتك غنوة..

ترجمت فيك سعادتي وشقائي

لولاك ماعبث الغرام بمهجتي

ولما أتيتك شاعراً وروائي

فمن العيون أخذت سر مواهبي

وبدأت أكتب سيرة العظماء

كلما كتب صفوان الشعر يشعر أنه لم يجد بعد لغةً تتسع مفرداتها لجمال هيفاء، ويدرك أن عليه أن يلتزم المزيد من الصمت إلى اللحظة التي يجد فيها هذه اللغة، لكنه أيضاً يرى أن كل الحواجز التي تحول بينه وبين أمانيه لا تستطيع إيقافه عن الكتابة لها، فهو يعبر عن مشاعره ولا يهمه أي شيء آخر، يصف ملامح جمال فاتنته الحسناء بعيداً عن الابتذال، مؤمناً بها كشخصية عامة ونجمة لامعة يقول صفوان:

ترنيمتي أنت، كم ذا عشتُ لا قمر..

ولا بريق لشمسٍ في فضاءاتي

حتى التقى الفجر بالأحلام يمطرها..

بضوء وعدك يا دنيا مسراتي

المنتهى فيك ملء الوعد ينبؤني

بغيب ما تاه دهراً في مداءاتي

لربما يحتوينا غيم أمنية

ويبسم الوعد من خلف احتمالاتي

أما الوعد الذي تحدث عنه، فإنه يعود إلى أن هيفاء أبدت استعدادها بطباعة ديوان صفوان الذي يحمل عنوان “هيفاء التي لن ألقاها”، وذلك في إطار تعليقها على خبر نشرته مواقع الكترونية بشأن الشاب اليمني الذي صار يدعى مجنون هيفاء، وما يزال صفوان يعد الأيام والساعات منتظراً اللحظة التي يتحول فيها الوعد إلى واقع كجزء من منح الاعتبار لمشاعر الحب الجارف التي تسكن قلبه وجوارحه.. ونقرأ في قصيدة أخرى من الديوان:

هيفاء ما قيس ما ليلى وحبهما..

إلا خيالٌ سرى من سر نجواكِ

ما دورة العشق يا هيفا سوى سهري..

وما هوى الدهر إلا طيف ذكراكِ

أقررت بالعجز يا هيفاء معذرة..

وإن خيالي بهذا الوهم أغراكِ

لا تحسبي الشعر من عندي إذا نطقت..

ستنطق الشعر يا هيفا مراياكِ

إنه مجنونٌ يقتفي خطى مجنون ليلى، بل ويستخف به وبمحبوبته، فهو يرى أن الشعراء والعشاق والمحبين يعشقون عن قرب، أما هو فإن حبه قد تجاوز كل الحدود..

أنا ضائع عصف الغرام بكوكبي..

ومن العواصف بالعواصف أحتمي

متعلق .. مارست إدمان الغوى..

وزرعت في كل الضفاف هزائمي

تاهت بأغوار المجرة وجهتي..

وأتت على نسق الخريف مواسمي

وغدت حصوني الشامخات خرائباً..

وتناثرت حولي جميع معالمي

 مر كثير من الوقت، وتغيرت ملامح الواقع، وبقى صفوان مصلوباً قلبه على واجهة هوى هيفاء وعشقه الأسطوري لها، مضت السنون، ودارت الأيام مثقلة بمفارقات الحياة وتقلباتها، وصفوان أسير قلبه المتمرد على قوانين الواقع، وجنونه الذي يدفعه نحو دنيا لا حدود لها، مفتونا بليلاه التي لونت حياته بألوانها، وعطرت وقته النجمة البحرينية بألقها، غير آبه بقواعد المنطق، وحسابات الزمان والمكان.. فهي لديه أسطورة شرقية غمرت بالحب عالمه المسكون بالسأم وأمطرته وعوداً أرهقتها موانع الوصل واستحالاته..

أسطورة الشرق تيهي بين أروقتي..

وجددي العالم المسكون بالسأمِ

تلألأي في سماوات المنى ألقاً..

ليبرأ الكون من غيبوبة العدم

بيني وبينك ما لا وصف يبلغه..

من الموانع خلف العالم الرقمي

تصدنا ألف صحراء وتفصلنا..

دون السراب مسافاتٍ من الألم

كل الدروب إلى الفردوس مغلقة..

بالعار والنار والأشباح والظلم

وفي متاهات رحلة الحلم الطويلة يفتح مجنون هيفاء كتاب الشكوى ليتلو سور الشجن الجريح..

يا ابنة السحر طال مشوار وجدي ..

والأماني والذكريات السكارى

طال مسراي والطريق طويل ..

أقلق المنتهى وأعيا المسارا

قربي بين وجهتي ودموعي ..

فمدى الشوق متلف لا يجارا

رحلة الحلم باعدتني كثيراً..

سلكت بي نحو الضياع قفارا

صلبت في دمي مسيح التسامي..

فمددت كف الغريق اضطرارا

لا يعلم صفوان ما الذي حدث لقلبه المرهق، ولا يدرك فحوى هذا الجنون الذي يعتريه عشقاً وولهاً، وسر تلك الجاذبية التي جعلته مشدوداً إلى هيفاء، معلقاً بهواها، مهتماً بكل تفاصيل دنياها، حتى صار كل العالم في عينيه “هيفاء”، وهيفاء هي كل العالم:

طاؤوسة البحرين فكي وثاقي..

لا تذهبي فالجرح في أعماقي

ما زال همسك فرحتي وتألمي..

وفتون ثغرك لم يزل إشراقي

لا تنكرين غوى النفوس فكم رست..

سفن الغرام بيمِّنا المشتاقِ

وبرفقة هواجس الهيام يحلق صفوان ببصره في آفاق الحب، يتأمل نجمته اللامعة، ويناشد غيمة وعدٍ سابق أن تمطر وفاءً واعتباراً لحبٍ يحبس أنفاسه في ساحة الانتظار مردداً.

لعينيك هيفاء هذا الحنين..

يفهرس موسوعة العاشقين

لخديك هذا الربيع المطير..

يرنِّم معزوفة الياسمين

لثغرك يا زهرة الأقحوان..

لآيات إشراق شمس الجبين

لسحر ابتساماتك الآسرات

تموسقنا أمنيات السنين

أحبك هيفاء ما قالها..

بصدقي صبٌ من العالمين

أحبك.. لا أدري ماذا أقول..

ولا ما أُسِّر ولا ما أُبين

أحبك يا كل ما أرتجي..

كما يعجز الوصف هل تفهمين

لعينيك تعتذر المفردات..

ويعتذر الشعر للسامعين

فماذا سأكتب بين السطور..

وقد ضمَّن العجز ما تجهلين

والختام ترنيمة حيرة يوردها صفوان على سبيل البحث عن بداية ومرسى وسط زحمة مشاعر العجز الكامل عن التعبير..

من أين أبدأ يا هيفاء أبياتي..

وكيف أكتب للتاريخ مأساتي

تنصل الوصف عجزاً عن مناصرتي..

وأحجم البوح عن بث انفعالاتي

وأعلن الشعر يا هيفا استقالته..

كي لا يخر صريعاً فوق ساحاتي

فإن خرقت قوانين المجاز فلا..

تؤاخذيني على عجزي بزلاتي

ما جئت أحمل للإعجاز معجزة..

بل جئتك اليوم بحثاً عن بداياتي

زر الذهاب إلى الأعلى