الساحة القضائية

الاثر القانوني للحكم بعدم الدستورية على قانون المعهد العالي للقضاء .. القاضي أحمد الذبحاني

يمنات – صنعاء

قضى حكم الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا اليمنية بعدم دستورية خمسة وثلاثين مادة من قانون السلطة القضائية , وهناك من يحاول التضييق من شموليته وإنكار عموميته عبر نفي سريانه الى جميع القوانين واللوائح المتفرعة من هذه النصوص واعتبارها ملغية ومحكوم بعدم دستوريتها , رغم ان أثر الحكم ساري عليها جميعا منذ تاريخ نشره وبشهادة وتأكيد معالي وزير العدل وعليه فان قانون المعهد العالي للقضاء رقم (34) لسنة 2008م ولوائح وزارة العدل وهيئة التفتيش وقرارات رئيس الوزراء المتفرعة من هذه المواد التي اشتمل عليها الحكم أيضا مشمولة بعدم الدستورية وسوف نورد الادلة المبينة لهذه الحقيقة ونسلطها على قانون المعهد العالي للقضاء وذلك على النحو الاتي:

أولا: لو سئلنا احد طلاب السنة الاولى في كلية الحقوق عن مراتب التشريع بعد الدستور سيجيبك بغير جدال او تردد بأن التشريع الصادر من البرلمان نوعان الاول يسمى بالقانون التنظيمي او العضوي او الاساسي وهو يسمو ويحتل مرتبة أعلى من غيره ويحمل قواعد عليا وأساسية كقانون السلطة القضائية وقانون المجالس المحلية وقانون الانتخابات باعتبارها قوانين تأتي خصيصا لتسيير المؤسسات الدستورية و الهيئات الاستشارية في الدولة وتعلو عن باقي القوانين ومقدم عليها في حين هناك مايسمى بالقانون العادي وهو الذي يأتي شارحا مخصص منظم لقواعد مستقاة غالبا من القانون الاساسي ومترجم له فلئن كان ذلك وكان قد ورد في ديباجة القانون رقم (34) لسنة 2008م بشأن المعهد العالي للقضاء ما نصه بعد الإطلاع على دستور الجمهورية اليمنية. وعلى القانون رقم (1) لسنة 1991م بشأن السلطة القضائية وتعديلاته.

الامر الذي يثبت بجلاء أن قانون السلطة القضائية قانون عام واصل ثابت وبمنزلة الاب للقوانين المتفرعة منه والتي تتكئ عليه وتنبثق منه هذه القوانين المنظمة لهيئات السلطة القضائية.

والمعلوم ان مخالفة القانون العام الاساسي للدستور يجعل من غصونه ميتة حكما ويسري عليها ذات الحكم وليس بحاجة الى نص وحكم دستوري جديد للتقرير بعدم دستوريتها طالما ورد الحكم صريحا جازما مفصلا للعوار الدستوري الذي شاب القانون الاب والذي استند عليه القانون الابن بالديباجة وبني عليه.

ثانيا: على غرار هيئة التفتيش القضائي والنيابة العامة يعتبر المعهد احدى مؤسسات السلطة القضائية خاضعة لإشراف مجلس القضاء الاعلى ونتيجة للمواد المحكوم بعدم دستوريتها باعتبارها اساس تتكئ عليه اخضعت المادة الثالثة من قانون المعهد التبعية المالية والإدارية للوزير تحت اشراف رئيس مجلس القضاء فنصت بأن المعهد مؤسسة علمية قضائية تتمتع بشخصية اعتبارية ذات ذمة مالية مستقلة ويتبع مالياً وإدارياً وزير العدل ، ويخضع في تنفيذ السياسة العامة لإشراف مجلس القضاء الأعلى ، وتكون للمعهد موازنة خاصة تدرج ضمن موازنة السلطة القضائية .

ومن النص السابق يتضح بجلاء ان المعهد ليس هيئة تابعة للسلطة التنفيذية بل انه ماليا وإداريا وموازنة تابع للسلطة القضائية فإذا كان ذلك وكان الهدف من المعهد وفقا للمادة (4) هو إعداد وتأهيل وتدريب الملتحقين بالمعهد تأهيلاً قضائياً علمياً وعملياً. والتأهيل المستمر لأعضاء السلطة القضائية أثناء الخدمة.وكانت المادة (33) منه بينت الغاية من ذلك بقولها يتم الحاق المتخرجين من المعهد في وظائف القضاء وفقاً لقانون السلطة القضائية .وأكدت المادة(35) على التأهيل المستمر بالتأهيل والتدريب لأعضاء السلطة القضائية والعاملين في الجهاز القضائي وغيرهم وفقاً للنظام الذي تبينه اللائحة.

فان هذه النصوص لم توجد من فراغ بل باعتبار المعهد هيئة قضائية تتبع السلطة القضائية مجسدة برئيس مجلس القضاء وعليه فان كان الحكم قد قضى بعدم دستورية المادة (59) من قانون السلطة القضائية فيما اسندته لوزير العدل بشان تعيين القضاة وأعضاء النيابة مبينا في حيثياته الصفحة 17 بقوله ((وحيث ان العوار الدستوري واضح فيما جاء من إسناد الترشيح للقضاة وأعضاء النيابة وكذا التعيين للمساعدين إذ لايخفى أن وزير العدل باعتباره ممثلا للحكومة قد منح صلاحيات واسعة فلا يتصور تعيين القضاة وأعضاء النيابة الا بناء على ترشيحه ولما كانت المادة (149)من الدستور قد قررت استقلال القضاء قضائيا وماليا وإداريا الامر الذي يعنيان ينفرد مجلس القضاء الاعلى بتعيين القضاة واعضاء النيابة ومن ثم تعيين المساعدين .ذلك ان بقاء هذه الصلاحيات لوزير العدل في شأن التعيين لأعضاء السلطة القضائية يصادم استقلال السلطة القضائية ويعد افتئات ظاهرا على سلطات مجلس القضاء الاعلى ولكل ذلك فإن المحكمة العليا الدائرة الدستورية تحكم بعدم دستورية المادة(59) فيما اسندته لوزير العدل ….الخ).

ولم يقف الحكم عند ذلك فحسب بل جعل من مضي طلاب المعهد باليمين القانونية أمام وزير العدل وفقا لنص المادة (85) سلطة قضائية مخالفا للدستور والعلة واضحة الامر الذي يتضح بمقتضاه ان سلطات وزير العدل في الاختيار والتكوين للقضاة في المعهد حتى تخرجهم وحلفهم اليمين قد شابها العوار الدستوري ونالها البطلان باعتبارها افتئات واضح على سلطات مجلس القضاء .

ولئن كانت المواد الخمسة والثلاثين المقضي بعدم دستوريتها هي الام والأصل المنبثق منها سلطات الوزير الواردة بقانون المعهد وافتئاته كممثل سلطة تنفيذية على اختصاص السلطة القضائية وهيئاته هي العلة فإن الامر يجعل من القانون واللوائح المتفرع من هذا الاصل مصابة بالداء ذاته والمصير نفسه وهو ما يدركه الوزير.

وعليه فإن اعتبار وزير العدل رئيسا لمجلس المعهد وفقا للمادة السادسة ونائب المجلس هو النائب العام ولم يقف الامر عند ذلك بل ان رئيس هيئة التفتيش القضائي عضوا وقاضيان من المحكمة العليا يصدر بتسميتهما قرار من مجلس القضاء الأعلـى عضوان …. الخ فإنه امر لا يثبت إلا الوجود الشاذ لوزير تابع للسلطة التنفيذية يتربع على عرش هيئة قضائية وعلى قضاة يفترض انهم اعلى مرتبه باعتبار ان مصافهم في السلطة القضائية يوازي بالدرجة نواب رئاسة الوزراء , فإذا كان ذلك هو ما اعتبره الحكم اساس وعله للقول بعدم الدستورية فقد بات جليا عدم إمكانية القول بما يخالف ذلك.

ثالثا : في كل الاحوال والظروف فان تشكيل مجلس المعهد من رئيس هيئة التفتيش التابع لوزير العدل يجعل وباعتراف وزير العدل في لقائه بمفوض الامم المتحدة في حكم العدم لأنه الغى هيئة التفتيش وهو ما اكده بلقاء متلفز اعتبر فيه ان الحكم جرده من جميع الصلاحيات معتبرا ذلك الغاء لوزارة العدل بشكل كلي ومن ثم فإن عدم وجود هذا العضو الحيوي بعد صدور الحكم في مجلس المعهد أمر يعرضه للبطلان بموجب القواعد العامة وأثر مباشر وحتمي للحكم الدستوري .

رابعا : لقد جعل الحكم الدستوري تفويض وزير العدل ورئيس الوزراء اعداد موازنة السلطة القضائية وإقرار بدلات وتعديل جدول المرتبات ……الخ ما ورد في المادتين (67- 109 ) مخالفا للدستور واستقلال القضاء ماليا مقررا ان الدستور اسند ذلك الحق الاصيل لمجلس القضاء فإذا كان ذلك وكانت المادة السابعة من قانون المعهد الفقرة (ب) قد اعتبرت ميزانية المعهد احد فروع وأبواب موازنة السلطة القضائية فإنها اسندت لوزير العدل امر تحديدها وإقرارها وهو الامر الذي قرر بشأنه الحكم ألا دستورية كما سبق بيانه فهل هناك بعد ذلك من مراء أو امكانية التشكيك في امر هذه المواد وشمولية الحكم لها .

خامسا: لقد نصت المواد( 9-13-17 )من قانون المعهد الاختصاص الاصيل لمجلس القضاء الاعلى ومن يعين عميد له غير انه قد أصابها العوار الدستوري عند اقحام عبارة عرض وزير العدل تلك العبارة التي فتك بها الحكم الدستوري في حيثياته لذات العلة والسبب .

وعليه نجد من الاهمية بمكان الاشارة الى ضرورة احترام السلطة التنفيذية ممثلة بوزير العدل لهذا الحكم العريق وعدم التهاون في التعامل معه او اتخاذ قرارات مصيرية متعلقة بهيئتنا القضائية (معهد القضاء) من تاريخ نشره في الشهر الماضي خشية ترتيب مراكز معدومة دستوريا حتى اصدار تعديلات لهذا القانون

والله من وراء القصد

القاضيا حمد عبدالله الذبحاني

رئيس محكمة بني مطر الابتدائية 3/7/2013

زر الذهاب إلى الأعلى