العرض في الرئيسةفضاء حر

اليمن المقسم على يد جارتين شقيقتين

يمنات

علي محسن حميد

منذ انقلاب عام 1948 الذي خططت له جماعة الإخوان المسلمين بقيادة المرشد العام حسن البنا ونفذه الجزائري الفضيل الورتلاني والدماء تسيل في اليمن لهدف لم يتحقق.

في عام 2011 صدر في لندن كتابا مهما عنوانه ” اليمن المقسم” للدبلوماسي البريطاني نول بريهوني والعنوان ليس له لأنه يقف مع الوحدة اليمنية وإنما للناشر الذي أراد عنوانا جاذبا لبيع كتاب يعالج مشاكل بلد غير مهم في الغرب.

ها نحن اليوم نقترب من اليمن المقسم على يد جارتين شقيقتين .يعيش اليمن اليوم أسوأ أوضاعه والكلام هنا عن مصيره وليس عن معاناة معظم الناس من الحربين الخارجية والداخلية والحصار والتجويع والأمراض الفتاكة والمزمنة والأوبئة وتدهور أداء السلطتين اللتان تدعيان وصلا بالشعب وبهمومه وبتطلعاته المزمنة ليوم يعيش فيه كريما وسعيد اطال اشتياقه إليه وضحى من أجل حدوثه بالكثير من الهامات ومن الشباب والشابات في ثورتهم السلمية عام 2011، والموارد ومن الزمن غير المهم لدى البعض الذين يريدون عودتنا إلى الوراء ، وعانى حروبا داخلية وشطرية معروفة.

منذ سبع سنوات تقريبا والمجتمع الدولي وتابعه أو قائده الخليجي يؤكد على “وحدة اليمن وسيادته واستقراره واستقلاله”. أين اليمن اليوم من هذه البديهيات التي تخدم مصالح دول الخليج أيضا ؟.

ومن الذي يريد تقويض وحدته ؟ ومن يريد تقسيمه لأطماع تجارية ومالية وبحرية؟.

وما هو وزنه العربي والدولي وكم عدد سكانه مقارنة بيمن ال30 مليون عما قريب؟.

وماهو تصوره لليمن/ لليمنيين/ للثلاثة ودوره/ودورهما/ ودورها في المنطقة في المستقبل وعلاقاته به ومصالحه فيه؟.

هل اليمن بحار وموانئ فقط أم بشر وحضارة وشقيق كبير وظهير يعتمد عليه؟ من البديهي أن لاأحد في العالم يخوض حربا ويضحي بمواطنيه ومنهم أبناء من أسرة حاكمة من أجل مصلحة طرف آخر.

قد يحدث هذا في حروب النجوم وليس في حروب الأرض، حروب الدماء والعذاب الحقيقي.

اليمنييون لم يدركوا هذه الحقيقة وفضلوا التشبث بقناعاتهم بأن الحروب صدقة ومكرمة.

وحتى عندما اقترب الفأس من الرأس استمروا في دفن رؤوسهم في الرمال ولم يقلق أي منهم من تقرير فريق خبراء دوليين قدم إلى مجلس الأمن قبل أيام عن قرب انهيار اليمن الواحد واحتمال تشرذمه إلى كيانات .

من مؤشرات ترجمة التقرير إلى واقع لقاء مبعوث الأمم المتحدة ولد الشيخ في نهاية أيام خدمته مع الانفصالي عيدروس الزبيدي في أبو ظبي وليس في غيرها.

كان اللقاء مقصودا و لم يكن يخدم هدف المبعوث الأممي المحددة مرجعيته.

الزبيدي كان حتى وقت قريب يعمل من بيروت مع إيران وفصيل جنوبي أو أكثر لفصل الجنوب وتحويل حضرموت رأس حربة ضد السعودية.

إيران والحق يقال لاهدف لها سوى إيذاء السعودية سواء من الجنوب أو من الشمال وهي بالمجمل لاتحب سوى مصالحها وأحد النماذج الإقليمية للدولة التي تقاتل بنفسها أو بالوكالة من أجلها.

لماذا يقلقنا التقرير؟ لأننا نتوقع احتمال حدوث ما تضمنه.

التقرير يمهد لتطور ما.

يروضنا لقبول ماكنا نرفضه؟ ولأن المنتفع من تمزيقنا يريد تقوية نفسه وتحصين موقعه في المنطقة بقوة إضافية ضد تقلبات سياسة دولة كبرى تهيمن على كل جيرانها.

هنا يخطر لي أحيانا أن أبو ظبي ولها مراراتها مع السعودية سعيدة بتوريط السعودية في اليمن لكي تصبح أضعف وأقل قدرة على فرض وصايتها على دول الخليج وتريد إنجاز هدفها في اليمن بخسائر أقل لأنها لا تجهل خبرة اليمنيين في الاستنزاف المالي وحبهم للحروب الطويلة الأمد.

تقرير فريق الخبراء الدوليين رسم صورة قاتمة لمستقبل اليمن الموحد.

مما جاء فيه ” بعد قرابة ثلاث سنوات من الصراع يكاد اليمن كدولة أن يكون قد ولّى عن الوجود وبدأت مرحلة المجموعات المسلحة العاجزة عن الحسم العسكري واستعادة الدولة وتوحيد اليمن.

لقد تآكلت سلطة الحكومة الشرعية اليمنية إلى حد الشك بقدرتها في يوم ما أن تعيد اليمن إلى سابق عهده، بلدا واحدا”.

ما هو الحل؟ الحل في شرعنة المجموعات المسلحة العاجزة لكي تخرج من حالة عجزها وتبقى طبيعية بتقسيم اليمن.

من اللافت في التقرير النقطة الرابعة التي تحدثت عن ” انتشار عمليات مستقلة من جانب قوات عسكرية تعمل بالوكالة يمولها ويمدها بالسلاح أعضاء في التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية”.

توجيه إصبع الاتهام للإمارات واضح ولا تستطيع الإمارات الدفاع عن نفسها إلا بتغيير سياساتها والإعلان الواضح أنها ضد انفصال الجنوب ومع يمن اتحادي مسالم لا يتحالف مع دولة معادية لدول الخليج العربية.

السعودية ليست بريئة من وجهة نظر التقرير لأنها القائدة وكل شيئ لا يتم إلا بعلمها وبموافقتها ولأنها المعنية بالشأن اليمني صغيره وكبيره قبل غيرها.

كل القتال والدماء والدمار حدث من أجل بقاء الدولة وعودة رمزها الشرعي وشنت الحرب/ العاصفة من أجل عودة الشرعية ، شرعية رئيس كان يقود دولة موحدة بخريطة معروفة ومعترف بها دوليا وأكدت عليها كل قرارات مجلس التعاون الخليجي الذي يبدو اليوم أن في ظاهر سياساته الرحمة وفي باطنها العذاب لأن المبدأ لم ينتهك إلا من بعض دوله.

التقرير لم يُفزع أحدا ولم يصبه بالصداع السياسي أو المغص الوطني ولم يُوقظ همة أطراف الصراع المحلية لدراسته وتحديد أبعاد خطورته على وحدة اليمن ولتحديد موقف منه، مجرد موقف!.

أما أطراف الصراع الخارجية فهي صاحبة المصلحة الأولى في أن تجد اليمن أشلاء ونتف.

مندوب اليمن في الأمم المتحدة آثر الصمت ولم ينبس ببنت شفة وهو الذي لم يقصر في تحذير العالم من المد والخطر الصفوي الشيعي المجوسي الفارسي وهو معذور لأنه لم يتلقى تعليمات من حكومته المغلوبة على أمرها.

وزارتي الخارجية في صنعاء والرياض صامتتان وكأن التقرير بكل خطورته وتشخيصه المفزع للوضع الحالي الذي فلت من أيدي الشرعية على وجه الخصوص يخص جزيرة نائية في محيط بعيد .

حتى النخب بمختلف أطيافها الصادقة منها والتي ترتزق من الحرب لم تقل شيئا عن التقرير الصادم وكأن وحدة وطنها لم تعد تعنيها طالما أن جيوبها مملوءة ومستقبل الرضع من أطفالها مأمون.

قرأته وتداولته ولكن في صمت مخيف. هذه النخب خيبت الآمال وقدم بعضها خدمات لمن ينتهك السيادة ويقسم الوطن لاتقل عن خدمات القبيلة في الحرب الأهلية في الأعوام 1962 – 1970.

اليوم نشهد دور ارتزاق ماسكي المسابح ولابسي الكرافتات أوالثوب الوطني لدولة أخرى لتقديم خدماتهم لمن يعمل على تفكيك الدولة اليمنية وفق توصيف فريق الخبراء الدوليين.

يذكرني هذا الموقف بموقف شيخ كبير إبان الحرب بين الإدريسي حاكم عسير والإمام يحي عام 1934 ووقوفه مع الأول وقوله “من الإدريسي الذهب ومن السيد(الإمام يحي) المذهب”.

بعض هذه النخب اقتصر همها على الحديث عن مساوئ ماض أحدثنا معه قطيعة نظرية عام 1962 وكأن الحاضر ملكها وأنها هي التي ستبني مستقبلا مختلفا وستنجح حيث فشل غيرها منذ عام 1962.

إنها تخجل من أن تسمي الأشياء كلها بأسمائها وهي أسيرة قناعات معلبة وفهمها لتاريخ اليمن مشوه ومصدره حكايات المقايل.

المال الذي كان يصفه صالح ب”المُدنّس″ وناله هو شخصيا نصيب الأسد منه أداة من أدوات الترويض لتدني رؤية المصلحة الوطنية.

إن الصمت المخجل عن التقرير الدولي علامة مفزعة تؤشر إلى انكماش في الولاء للوطنية اليمنية.

الحكومة الشرعية صمتت أيضا ولم نسمع عن تحرك لمسؤل منها إلى هذه العاصمة الخليجية أو تلك لمناقشة التقرير وتبعاته ودور دولتين خليجيتين فيما وصل إليه اليمن من وضع يهدد وحدته الترابية ويقول لهولاء أن العالم يتابعكم ويعرف نواياكم ويفضحكم أيضا فكفوا وارعووا ونحن لن نقبل بفرض سياسة الأمر الواقع.

للأسف موقف سلطنة عمان من الحرب والسلام في اليمن لايعجبها وكان الأحرى بها زيارة السلطنة أولا لمناقشة خطورة التقرير على اليمن وعلى السلطنة.

الحكومة الشرعية في واد ثان ولكنها بحمد الله لاتزال تتفاصح بتحذيرنا من تمدد وحيد هوالمجوسي الصفوي الشيعي الفارسي الذي تآمرمعه الرئيس اوباما لكي يكمل صفقة النووي الإيراني.

الشرعية تتغاضي عن التمددات الأخرى التي سيضفي السكوت الرسمي عليها صفة مشروعية الأمر الواقع.

لو وقف اليمنيون وقفة جادة واهتموا منذ بداية انقلاب أنصار الله في يناير 2015 على الشرعية والدولة بأربع قضايا لشكلوا قوة ثالثة بين القوى المتصارعة نيابة عنهم وكانوا هم صوت الأغلبية الصامتة.

1- مناقشة مشروعية دعوة الشرعية للاستعانة بقوة خارجية لإعادتها إلى السلطة وخوض حرب مدمرة لإنجاز هذا الهدف لأن الشرعية ليست لفرد بعينه وإنما للمؤسستين الرئاسية والتشريعية معا.

2- مناقشة مشروعية عاصفة الحزم في ضوء ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي ومعاهدة الدفاع العربي المشترك الذي كثر الكذب عليها كلها لإضفاء مشروعية على حرب غير مشروعة.

3- مناقشة واقعية قرار مجلس الأمن رقم 2216 الذي صدر على عجل واقتراح بديل له قابل للحياة وغير منحاز للطرف الذي ظن أن النصر في قبضة يده.

4 – أن تفرض نفسها على ساحة الفعل الوطني وتطرح رؤيتها في قاعات المفاوضات التي ماكان يجب تركها لطرفي الحرب المحليين.

كل شيئ قبل على علاته بدون مناقشة وبدون تحديد موقف منه.

لقد بقيت النخب في مقعد الصامتين والمصفقين سواء لغارات التحالف أولقصف الجيش و”القوات الشعبية” لمواقع ومرافق سعودية.

لم يقل أحد كفانا حرب ودمار وأن هذه الحرب ليست في مصلحتنا.

حكومة الشرعية التي أسهمت في هدم أسس شرعيتها ومثيلتها حكومة الإنقاذ التي لم تنقذ طفلا واحدا من براثن الجوع والموت ولم تحم سيادة اليمن المنتهكة برا وبحرا وجوا لم يصدر عنهما بيان يحدد موقفهما من التقرير ولم تعقدا اجتماع أزمة لمناقشته وتقفا عند كل جملة وردت فيه وتعلنا موقفهما منه أولا كمسؤلتان جزئيا عما وصل إليه اليمن من ترد غير مسبوق في تاريخه وثانيا لتحديد مسؤلية التحالف عما جرى ويجري ضد إرادة الشرعية.

وفيما يخص الشرعية القادرة على ركوب الطائرات فهي لم تتوجه إلى أبوظبي المعنية أكثر بالتقرير للتباحث معها حول هدفها النهائي من المشاركة مع السعودية في الحرب ومدى التزامها بوحدة التراب اليمني وتقديم احتجاج على مجمل سلوكها في الجنوب ومنه سقطرة وعدن وحضرموت تحديدا.

لقد كان معدوا التقرير أكثر من السلطتين المعاقتين شجاعة في إبراز دور التحالف المدمر للوحدة اليمنية بينما لاتزالان تلوذان بالصمت بانتظار أن تجود السماء بحل.
 
المصدر: المراسل نت

زر الذهاب إلى الأعلى