فضاء حر

11 فبراير 2011 ونظريةُ الحُلمِ بالثورة

يمنات

عبد العزيز البغدادي 

أعتقد أن الثوار الحقيقين لابد أن يكونوا على قدر من الإحساس بالمسؤولية تجاه حلمهم بالثورة وكيف يحققونه فالثورة كما هو معلوم ليست واقعة زمنية تتم في تأريخ معلوم وتوضع في برواز ثم تتحول إلى مناسبة يحتفى بها كحفلات الزار إنها فعل بلحم ودم حي وقابل للنمو لخير الإنسان ومن أجل مصلحته ، فإن لم يتكون وعي جمعي يرعى الثورة ويحميها بهذا المفهوم فلا معنى لرفع أي شعار يعبر عن وجودها واستمرارها .

إذاً فالإنسان الثائر الحقيقي والأهداف الواضحة للثورة ووسائل تحقيقها نواة الحاضن ونواة للحركة المستمرة نحو التغيير للأفضل وهو جوهر أي ثورة توصف بديمومة الحياة ، وفِي اعتقادي أن الإيمان بالتغيير كجزء من الإيمان بالله وبحق الإنسان في الحرية والعدالة يوجب على كل حر أن يُؤْمِن بأن الشرعية الثورية هي جوهر وأساس وجود هذا الإنسان كحامل للحرية والمسؤولية ونقد مسار أي ثورة مسألة هامة للتقييم والتقويم فهل كان الحراك الثوري في 11 فبراير 2011 حراكاً أصيلاً أي نابعاً من قلب معاناة اليمنيين أم تحريكاً من خارج هذا الكيان ؟! والإجابة على هذا السؤآل الحيوي تتصل بتقييم وعي قيادة الثورة بداية التحرك وهل كانت تدير العملية العملية انطلاقاً من هموم المشاركين فيها أم أنهم لم يكونوا سوى أداة تدار من السفارة الأمريكية والسعودية.

بمعنى آخر هل كان لتلك الثورة قيادة واعية ووطنية وتتحلى بقدر عالٍ من الإحساس بالمسؤولية القانونية والأخلاقية ، والإجابة على هذه التساؤلات يترتب عليها معرفة إلى أي حد كنا بصدد حراك ثوري حقيقي وأصيل أي نابع من إرادة وطنية ثورية حرة أم بصدد تحريك من كياننا الوطني ولا يمكن أن توجد إرادة وطنية حرة واعية ومسؤولة بدون اختيار حر لقيادة فيها هذه الصفات فالثورة بلا وعي أشبه بالبراكين التي تنفجر فتجرف وتحرك كل شيئ في طريقها وتترك آثار الخراب والحريق ثم تهمد !

أما الثورة التي تتشكل بفعل الإنسان فلا بد أن يكون لها أهداف يصوغها الثوار الأحرار ويسعوا لتحقيقها بكل الوسائل المشروعة ؛ وإذا وضعت (المشروعة) بين قوسين فإنها ستعني بالتأكيد جوهر الشرعية التي يستمدها الانسان من حقه الطبيعي في الحياة والتطور وليس الشرعية الشكلية التي يتمسك بها أعداء الإنسان وأعداء الحياة وأعداء الحرية ليصنعوا منها أداة القمع والعدوان ! .

أي مراقب محايد شريف حقيقي تتبع مسار ومسيرة حلم اليمنيين بالثورة في 11/ فبراير 2011 لابد رغم تعدد المنشورات التي تحدثت أهداف متعددة ولافتة للثورة أن يرى كيف تم احتواء هذاالْحُلْم لعدم وجود الآلية الصحيحة لكيفية اختيار قيادة للثورة تؤمن إيماناً حقيقياً بالثورة بل إننا كيف إقتحم أعتى أدوات نظام الفساد والإرهاب ساحة التغيير باسم الإنظمام لمسيرة الثورة ثم يصبحوا هم قيادة الثورة مدعومين بذلك الصلف والبجاحة الذي هبط على ساحة الثورة فوق مركب المبادرة السعودية المسماة ب (الخليجية) ؛ تلك الوثيقة التي كانت بحق وثيقة الثورة المضادة كما سبق أن أكدت غير مرة ، وماذا يأتي من السعودية التي إبتلعت نصف اليمن كما ابتلعت كل النظام الحاكم في هذا البلد ليصبح على مدى عقود كالإسورة في معصم اليد!.

ماذا كان ينتظر من شارك في هذا التحريك لحلم الثورة من النظام السعودي والخليجي ؟؟

ولكي لا نعمم أو نتعسف في توصيف من شارك في هذا التحريك الذي تبين فيما بعد أن مجزرة الكرامة والمسرحية الهزلية التي بدأ عرضها الفعلي بتلك المجزرة لتتوج بالمبادرة التي قفزت ب (أمينة ) إلى القمة ! والتي لابد أن نعترف بأن سلف أمينة وصانعها بالوكالة لم يكن أقل سوءاً منها وهنا لانتجاوز ماينسب للرسول في الحديث القائل : (أذكروا محاسن موتاكم ) لأن هذا الحديث لايصلح للإستدلال به في ممارسات الشخصية العامة بحق المجتمع لما يترتب على ذلك من دفنٍ للحقائق المتعلقة بالمصلحة العامة ومن أضرار وضياع لحقوق الناس وأعتقد أنه لا يوجد أضرّ على الوطن ممن يفرط في سيادته ، وليس من حق من فرَّط أواستقوى بالخارج على شركاء الوطن وساند العدوان على وطنه أن يدعي أي صلة بالثورة بل وبالكرامة أو المواطنة لأن الإستقواء بالخارج والتفريط في السيادة خيانة وأيُّ خيانة ولولم يترتب عليها عدوان مباشر مابالنا والحال مانعيشه ؟!

عزاؤنا الْيَوْمَ أنه بقي هناك من يشير إلى أن الحلم بالثورة ما يزال حياً و سيبقى كذلك ليشعر الناس بأن هناك بداية جادة في تحقيق أهدافها .

وما يجعل أي شريف يهدئ النقد قليلاً الْيَوْمَ هو أننا لا نزال في حال عدوان لا نملك جميعاً أمامه سوى التأكيد بأن الأولوية كل الأولوية يجب أن تبقى لمواجهة هذا العدوان البشع وأن نحفظ الجميل لكل من سطَّر كل هذه الملاحم البطولية في الدفاع عن الوطن بصورة لم يسبق لها في التأريخ الإنساني وبدون أي مبالغة في ظل دولة مستلبة على مدى عقود وهذا ماسيكتبه التأريخ حتما لأنه أوضح من أن يتم إخفاؤه ، مع ضرورة تجنب المفاسد التي لا مبرر لها وهي كثيرة وواضحة وتستوجب على من بيده المسؤولية أن يقول ويفعل كلما يشعر الفاسدين أن عليهم التوقف عن فسادهم وعبثهم وأن يحترموا دماء الشهداء وأن يعلمهم قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوآ لم تقولوا مالا تفعلون كبر مقتاً أن تقولوا مالا تفعلون ) .صدق الله العظيم ، وأن الفساد وتبريره جزء من العدوان .

مع التأكيد على أن الدعوة إلى ضرورة مكافحة الفساد لا يأتِ من باب المزايدة كما يطرح بعض من هم في موقع القرار لتبرير استمرار موكب الفساد الذي يكاد يحتوي الثورة ، ولا هو من باب التخويف لمن تسمونهم بالشركاء فلسنا ممن يدعون للقسوة في مكافحة الفساد والمفسدين لكننا من باب اللطف بهم ندعوا لعقلنة الفساد إن كان له ثمة عقل .

ولأن الثورة متصلة بالحياة فإنها بالتأكيد ستبقى مستمرة سواءً بوعي أو بلاوعي والفرق بينهما هو أن الثورة التي بلاوعي قابلة للتحريك والانحراف أما الثورة التي بوعي فهي تلك التي تعرف ما تريد وتسير نحو تحقيق أهدافها متمسكة بكل القيم النبيلة دائماً وفِي كل الظروف .

من حائط الكاتب على الفيسبوك

زر الذهاب إلى الأعلى