فضاء حر

أطباء أم أعداء ؟

يمنات

معتمد راشد

تحزنك في القلب نظرة التشاؤم هذه التي تملأ نفوس وكيان اليمنيين في نظرتهم للصحة العمومية، التي ما فتئت تغرق في الوحل يوم بعد آخر. يحزنك في النفس كل هذا الشجن والاحتقان الذي ترميك به عيون المرضى بمجرد ولوجها فضاء الدماء الأحمر هذا.

يحزنك في النفس أن الطبيب اليمني لأسباب ذاتية وأخرى خارجية لا يرقى لمستوى تطلعات المواطن اليمني. 
يحز في النفس أن الذين تنتظر منهم أن يكونوا رمزا وقدوة للنشءِ، ممن يتشاركون مهنة الطبِّ يعيثون في الأرض فسادًا وارتشاءً! يحزنك في القلب فقدان الثقة بين المريض والطبيب، التي هي أساس كل عمل صحي ناجح؟

يحزنك أيضا أن المواطن نفسه يعاني ويلاتِ سياساتٍ تربويةٍ صحيةٍ واقتصاديةٍ فاشلة تلقي بظلالها على العمل الصحي! تكفيك كل تلك الصدماتِ واللكماتِ التي ترِدُ كردودِ أفعالٍ حول خبرٍ صُحيٍ يتناول خطأً طبيًّا، تتعالى بعدها التعاليق والتهليلات أنه ليس في القنافذ أملسُ، وكلهم عابدو درهمٍ للثروات يُكدسُ، حبذا لو استبدلناهم بما هو أحسنُ،

يخيم على ذاتك حينها سؤال أثقلُ، في هذا الوطن،يجب سواله للاطباء.. هل انتم أطباء أم أعداء؟
فيسال كل طبيب نفسه..

هل نحن أطباء؟ سؤال وجب طرحه على ذوات الاطباء أولا، هل نحن في هذا البلد على قدر ما تحمله هذه المهنة من ثقل ومسؤولية عظيمة؟

الطب مهنة مقرونة بالفعل الإنساني والنبل ومكارم الأخلاق التي يجب أن تتجسد في الذي يمارسها. وتحتل المعاملة الحسنة إلى جانب الكفاءة دورا مهما وفعالا في الطب، وهي كالسارية التي تستند عليها أشرعة فعل الرعاية الصحية الناجح (استشارة، استشفاء)، علوها، ثباتها وارتكازها ينعكس على مجاراة المريض لمحنة المرض وطلب الشفاء.

فالمريض في حالة الضعف هذه، يحتاج إلى من يستشعر أحاسيسه وينصت إلى آهاته، ويطمئنه على حالته، وخطورة مرضه، وإمكانية شفائه.. وغيرها من الأمور التي تندرج في إطار فنون المعاملة والتواصل. إتقان هذه الفنون يعد إتقانا للمهنة، وهو مرتبط أساسا بشخصية الطبيب وتكوينه وقدراته.

العلاقة بين المريض والطبيب يجب أن تنبني على التوازن بين الموضوعية والذاتية. إيجاد حالة التوازن هذه مع كل مريض حسب مستواه الفكري والمعرفي وخلفيته الاجتماعية على حدة ليس بالأمر السهل. فالإفراط في أحدهما يضر بالثقة بينهما (الطبيب والمريض).

الإفراط في الموضوعية يولد علاقة عمودية فوقية يأمر فيها الطبيب -مغلقا على ذاته- وما على المريض سوى التنفيذ، وغالبا ما يجابه المريض هذا المعاملة بعدم الاستحسان والنفور واتخاذ حكم سلبي اتجاه الطبيب.

أما الإفراط في الذاتية فيفقد المعالج دوره ويلغي أهمية رأيه وتوجيهاته على حساب حالة المريض المرضية والنفسية والاجتماعية، مما يُنتِج خللاً في العلاقة بينهما.

الأفضل والأجدر إيجاد حالة من التوازن بين الأمرين، بين الإنصات وإدماج المريض بإمعان وتأني، واتخاذ الطبيب للقرارات اللازمة في مصلحة المريض والتوافق معه على الالتزام والعمل بها، بما يكفل مرور فعل الرعاية الصحية بنجاح، مع تأكيد أن نجاح هذه الفعل مرهون أيضا بعوامل أخرى تتجلى في العوامل المادية والتقنية أساسا. فما موضع الطبيب اليمني من كل هذا؟

فشل المنظومة الصحية، وهو إشكال متشابك أكبر وأعقد، يلقي بظلاله على الممارسة الطبية، في ظل النقص اللوجيستكي والتقني الحاد
الأكيد أن الطبيب اليمني لا يعد إنسانا كاملا، وهو نتاج منظومة تكوينية معينة لها ما لها وعليها ما عليها، ما يهمنا في موضوعنا هو الجانب التواصلي للطبيب اليمني، في ظل غياب دراسات رسمية تؤطر الموضوع، فالملاحظ والمستشف من الممارسة أن فئة كبيرة من الأطباء تعاني نقصا في المهارات التواصلية والمعاملة الحسنة خاصة في الجانب التطبيقي، وقد يرجع ذلك لأسباب ذاتية أو خارجية نذكر بعضا منها:

– فشل المنظومة الصحية، وهو إشكال متشابك أكبر وأعقد، يلقي بظلاله على الممارسة الطبية، في ظل النقص اللوجيستكي والتقني الحاد وسوء التسيير في القطاع. 
– الواقع المتردي للوضعية المادية والمعنوية للطبيب داخل القطاع العام. 
– شخصية الطبيب وطبعه خاصة إذا كان ذا شخصية نرجسية أنانية، منغلقة على ذاتها، ومتعالية على محيطها الاجتماعي.

هل نحن أعداء؟ أو ما الذي يقف وراء تردي الصورة ونمطيتها؟ 
الأكيد أننا نعيش حالة سخط شعبي تجاه المؤسسات الصحية عموما، وتجاه الجسم الطبي والتمريضي، وهو ما يترجمه ازدياد حالات الاعتداءات، التي تعرفها مصالح المستعجلات بالأخص، في ظل غياب إحصائيات وطنية، وحالات النفور من المستشفى العمومي، والأكيد أن لهذه الظاهرة أسبابًا، تضاف إلى التي تطرقنا إليها من قبل، ومنها:

– التباين بين القطاع الخاص والعام: في ظل النمو المهم للقطاع الخاص وإعطاء الأولوية للربح قبل الفعل الصحي. 
– الرشوة، والممارسات اللاأخلاقية والتملص من المسؤولية. 
– نوعية المريض اليمني وخصوصيته: في ظل نسبة الأمية المرتفعة والمستوى الاجتماعي والاقتصادي المتدني لشريحة المواطنين التي يستقطبها المستشفى العمومي.

أصبح لزاما على الطبيب أن يقترب من اهتمامات وهواجس المريض، وأن يلعب دورا فعالا بصيغة أفضل وأكبر عبر ممارسة الفعل السياسي والاجتماعي والتربوي داخل المجتمع
الواضح أن نوعية الأسباب هذه تظهر أنه بالإمكان تجاوزها ببساطة إن تم التواصل بشكل أفضل، وإن تم إعداد الإنسان لكيفية تعامله مع المستشفى والمؤسسات الصحية، وإن تم تلقينه أسس الوقاية والتعامل مع المرض، وإن تم إعداده في إطار سياسية تربوية صحية ناجحة. وتم تقليص فترات الانتظار التي تستلزم موارد بشرية أكثر.

في الأخير، الواضح أن الطبيب اليمني أمام حاجة ملحة ليخرج من قوقعته، لكي يكسر هذا البعد بينه وبين المواطن، أصبح لزاما عليه أن يقترب من اهتماماته وهواجسه، وأن يلعب دورا فعالا بصيغة أفضل وأكبر عبر ممارسة الفعل السياسي والاجتماعي والتربوي داخل المجتمع. كما أن المواطن ملزم باحترام أسس العلاقة بينه وبين الطبيب دون المساس المادي أو المعنوي بالثقة التي تنبني عليها، فالكلمة الخلوقة تذيب الصخر والجليد، وذلك في انتظار حلول أنجح لمنظومة صحية تتخبط، إن كان مقدرا لها أن تتحسن…

زر الذهاب إلى الأعلى