العرض في الرئيسةفضاء حر

ما وراء إعلان صالح فك شراكته مع أنصار الله..؟

يمنات

جمال عامر

أبدأ من تأكيد علي عبدالله صالح، وعبد الملك الحوثي، من عدم تبييت النية بالدخول في اقتتال داخلي في العاصمة صنعاء، بحسب ما نقلته عنهما في تناولة سابقة.

وهو تأكيد أعتقد صدقه من الطرفين، ولكن دون تحميله أكثر مما يستوجبه دواعي التفرّد بحكم يعتقد «المؤتمر» أنه أحق به في حالة الدخول بمنافسة انتخابية عادلة، بينما يعتقد «الأنصار» أن ما قدموه من تضحيات كبيرة في حرب أسطورية مع «التحالف» بالإضافة إلى اتكاء مستمد على ثورة جماهيرة تجعل من مسألة منافستهم في السلطة اجتراء على حق يصل إلى جرم إنقلاب على شرعية مصدرها الشعب.

وحتى حين أراد الطرفان المقاربة بين طموحين جامحين إلى الحكم بالتفاهم على تقاسمه تحت مسمى «مجلس» أعلى و«حكومة إنقاذ» جاء التوقيع عليه فوق ركام من الخلافات التي تم تأجيلها وتحولت إلى أسباب صراع واقتتال دامي.

لقد دعم عبد الملك الحوثي، اتفاق الشراكة متحرراً من وقع سحر السلطة الذي مسّ بها رجاله من القابضين عليها منفردين في صنعاء، وهو مس قل من ينجو منه من ذاق حلاوتها فكيف بهؤلاء الذين عاشوا شطر من أعمارهم إما مطاردون أو معتقلون أو في حروب غير متكافئة مع الدولة.

في الاتفاق على الشراكة الذي لم يترجم على أرض الواقع، تم القفز على حقيقة أن السلطة العليا وهي بحكم الواقع في يد «الحوثيين» لا تحتمل القسمة على اثنين، وهو ما كان يفرض أن يكون التقاسم تحت سقفها لا تجاوزه إلى حد إدراج نص يقضي بتدوير رئاسة المجلس الأعلى كل ستة أشهر بما في ذلك من خفة دافعها تهرب كل طرف من تحمل مسؤولية فشل ممكن أمام شعب انهكته التوقعات بغد أفضل، وهو ماعبرت عنه إحدى بيانات المكتب السياسي من أن رفض المؤتمر لتسلم الرئاسة الدورية دلالة على مؤامرته.

توطئة سريعة كان لا بد منها لخلافات ظل بعضها تحت الطاولة وأكثرها تجاوزت فوقها إلى وسائل الإعلام قبل أن تصبح أدلّة لبيانات سياسية رسمية تصدر عن الأطراف مؤذنة بمرحلة جديدة يصل بالخلاف إلى صراع تزايدت حدته مع إصرار قيادة «المؤتمر» على المضي في إقامة احتفالية بمناسبة ذكرى تأسيس «المؤتمر» في 24 اغسطس 2017. 

ومثلت تحولاً في الخطاب الحوثي الرسمي إلى حد اتهام شريكه بعقد صفقة خيانية مع دول العدوان ليقابله تصعيد مماثل في خطاب صالح، وصل حد المساس بما يعد مقدساً لدى «الحوثيين» مثل ملازم حسين الحوثي، ووصفهم بالميليشيا.

ومحصل ذلك كان نتيجة لنجاعة الدعاية الإعلامية والتسريبات الإستخباراتية للرياض وأبوظبي والتي تلقفها ناشطوا «الأنصار» و«المؤتمر» ونشروها كحقائق ليتلقفها التيار التصعيدي لدى الطرفين التي لامست هوى لديهم، حيث تم تقديمها باعتبارها دلالة خيوط لمؤامرة لا ينقصها سوى التنفيذ وهو ما تم اقناع القيادات به، وفي هذا السياق فإن ما يمكن تأكيده هو أن أبو ظبي وعبر وسطاء سعت مبكراً إلى إيجاد تفاهمات مع رئيس «المؤتمر» بغرض قلب الطاولة على جماعة «أنصار الله» لحرمانها من الغطاء الشعبي والسياسي الذي تمنحه لها الشراكة.

إلا أن المؤكد أيضاً هو أن هذه التفاهمات لم تتحوّل إلى اتفاقات بسبب رفض السعودية لعقد أي اتفاق مع صالح، فضلاً عن دعمه قبل أن يثبت حسن نواياه بالبدء بتفجير معركة صنعاء أولاً، وهو ما ظل يرفضه الأخير ربما لمعرفته أن النظام السعودي لايمكن أن ينسى له وقوفه ضده في تجاوزات تعدت القول إلى الفعل في مواجهته عسكرياً حتى وإن كان هذا الفعل مجملاً بادعاءات هي أكبر من حقيقته على الواقع.

وظلت أنعدام الثقة قائمة حتى جاءت الصدفة محملة بفرصة تحول الصراع إلى مواجهات بدأت في جامع الصالح محدودة قبل أن تتجاوز محيطه إلى مربعات تقع في نطاقها منازل صالح وأولاده وأقربائه والمبنى المركزي لحزبه.

ليفرض تدافع الأحداث وخطورتها تبني رئيس «المؤتمر» موقف فك الشراكة مع «أنصار الله» والدعوة للانتفاضة ضدهم مع احتفاظه بموقفه الرافض لشرعية هادي التي استبدلها بشرعية البرلمان، وكذا بتوصيف الحرب على اليمن بالعدوان الذي اشترط انهاء دواعيه لفتح صفحة جديدة مع دول الجوار.

وباليقين ماكان هذا الإنقلاب في الموقف الذي تم اعلانه ليتم دون نقل ضوء أخضر من أن موقف المملكة قد تغير لصالحه بعد أن تبدت آثار العداوة مشاهدة على الأرض وهو ماعبر عنه بيان تأييد «التحالف» الذي جاء بعد دقائق فقط من إعلان صالح، وهو ما يجعل الإتفاق المسبق أمر مفروغ منه حتى وإن كان ابن ساعته وبدون سابق تخطيط أو ترتيب.

وما يعزز ما سبق كشاهد حال لا يمكن إنكاره وبديهيات واضحة يصعب القفز عليها، تصعيد الرئيس السابق ضد المملكة ضمن خطاب ألقاه في حفل تكريم إقامته منظمة مناضلي الثورة بمناسبة اليوبيل الذهبي لذكرى استقلال الثلاثين من نوفمبر، في الـ28 من نفس الشهر أي قبل يومين من إعلانه فك الارتباط مع «أنصار الله»، حيث هاجم السعودية بعنف مستدعياً التاريخ في معرض تحريضه لمصر للانسحاب من «التحالف»، كاشفاً عن وثيقة وهي رسالة من الملك فيصل إلى الرئيس الأمريكي جونسون، حول حرب 67، ينصحه فيها بأن القوات المصرية لن تنسحب من اليمن إلا اذا تحركت إسرائيل لاحتلال غزة واحتلال سيناء والضفة الغربية، كما أن معظم خطابه صبّ باتجاه التهدئة، وكان لافتاً أنه تخلّى عن القيام بدوره المشارك في السلطة والمعارض لها في آن، بعد أن دافع عن عدم صرف المرتبات منتقداً من يدعو إلى مظاهرات ضاغطة بهذا الخصوص.

وحتى لا يطول المقال بأكثر مما يمكن أن يحتمل، يمكن التطرّق إلى البديهيات والنهاية المتوقعة في تناولات قادمة.

من حائط الكاتب على الفيسبوك

زر الذهاب إلى الأعلى