أخبار وتقاريرالعرض في الرئيسة

إعلام التحالف السعودي .. من المعسكر الواحد إلى الخنادق المتعددة

يمنات

معاذ منصر

ثمة جبهة موازية للحرب في اليمن. إنها الحرب الإعلامية، الحرب، التي ربما بدأت مع بداية الحرب، ومنذ الأيام الأولى لانطلاق «عاصفة الحزم» بقيادة المملكة العربية السعودية، وبمشاركة العديد من الدول. وتماماً ومع مرور الأيام، وكما انكشفت أجندات بعض الدول المشاركة في الحرب، وهدفها من وراء المشاركة في العمل العسكري، انكشفت وتعرت وسائل الإعلام التابعة لتلك الدول، في التضليل وعدم المصداقية، وتحويلها مسارات الحرب وأحداثها إلى مادة إعلامية خصبة، في المناكفات والمواجهات والصراعات، كما ظهر واضحاً وبشكل كبير وملفت، بعد الأزمة الخليجية مع قطر.

الملفت، هو أن الأزمة الخليجية مع قطر، بدأت كحرب إعلامية، وعبر وسائل الإعلام، انطلقت الشرارة الأولى للأزمة، حيث كانت حرب التصريحات والتسريبات وكشف الوثائق، بداية لحرب سياسية ودبلوماسية، توسعت وامتدت باتجاهات عدة. 

ومنذ بداية الأزمة الخليجية، حضرت حرب اليمن في الواجهة، وبدأت الدول المتصارعة تكيل الاتهامات لبعضها، في سياق المشاركة في العمل العسكري في اليمن، ومن ثم بدأت وسائل الإعلام الخليجية، بتغيير سياستها في التغطية للأحداث في اليمن، لتظهر اليمن في صلب الصراع الخليجي.

لقد انعكست الحرب الإعلامية الخليجية على اليمن بشكل كبير، وربما توقفت أو تراجعت حدة تلك الحرب بين قطر والسعودية عند حد معين، ولكنها استمرت في سياق الحرب في اليمن، كحرب إعلامية تبدو محل وتطور وتفاقم.

يقول الكاتب فتحي أبو النصر، لـ«العربي»، إن «هناك خلل إعلامي فظيع في التحالف المساند لـ”لشرعية”. يحتاج الأمر لضبط الخطاب والتوجه، وقبلهما المصداقية وعدم التهويل الإعلامي. الواقعية رأسمال رمزي لأي قناة».

ويضيف أن «الخصومات القطرية السعودية، ألقت بظلالها على المعركة في اليمن بين الشرعية والحوثيين. لا ينكر ذلك إلا غبي، ولكن ماهي أجنداتنا وتوجهاتنا كيمنيين؟ هذا السؤال الكبير. الإعلام للأسف صار موجهاً ومتحيزاً، والمطلوب ترشيده كي لا يكون الناس ضحايا مرتين».

بحسب حديث مراقب سياسي، لـ«العربي»، فضل عدم ذكر اسمه، «قبل أزمة السعودية مع قطر، كانت اليمن هي متنفس صراع خفي بين دول مجلس التعاون التي دخلت الحرب، مجموعة من الأجندات تشبه أجندات دول أوروبا عصر النهضة والاستعمار، كلا يريد اليمن له أو أجزاء منها. والحرب في اليمن، كشفت عمق الأزمة داخل بنية نظام مجلس التعاون الخليجي، القائم على علاقات ما قبل البنى في المصالح الحقيقية والمنافع الاقتصادية الدائمة».

والواضح أنه بعد الأزمة الخليجية، أصبح في الإعلام الخليجي معسكرين، معسكر التسليم المطلق لـ«التحالف» وسياساته، والمعسكر الثاني معسكر الكشف المستمر لأخطاء «التحالف»، وللموضوعية، وبحسب الكاتب والناشط السياسي، محمد المقبلي، كانت «الجزيرة» قبل أزمة قطر تغطي الجرائم بحق المدنيين، لكنها في الفترة الأخيرة كثفت تغطيتها السياسية.

مدير قناة «الجزيرة» بعد أزمة قطر: أخطأنا في تغطية «عاصفة الحزم» في فترة معينة

في كلمة له خلال الدورة الرابعة لـ«منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية»، التي عقدت في الدوحة، مطلع ديسمبر الماضي، أكد مدير قناة «الجزيرة» الإخبارية، ياسر أبو هلالة، أن «الجزيرة» أخطأت في التعامل مع المأساة الإنسانية في اليمن، قائلاً: «أخطأنا في تغطية عاصفة الحزم في مرحلة معينة، ولم يكن هناك عدالة في توزيع الخبر».

وأشار أبو هلالة، إلى أن الأزمة الخليجية خدمت «الجزيرة»، مشدداً على أن «القناة قد تقدم 10 بالمائة من الحقيقة، وقد تصمت، لكنها لا تكذب».

ووصف تغطية القناة لأخبار دول الحصار بـ«المنصفة»، قائلاً: «نغطي الحدث السعودي والإماراتي بشكل مهني، وتعاملنا حتى مع الشتائم التي كانت تطاول قطر والقناة من منطلق المهنية، وقدمت الجزيرة درساً في المهنية لدول الحصار».

تناول قناة «الجزيرة» لملف اليمن، من زوايا موجهة ضد «التحالف العربي» وضد المملكة العربية السعودية، أزعج الرياض كثيراً كما يبدو، ففي الوقت الذي تواجه السعودية الأمر بحرب إعلامية ضد قطر، تسعى إلى التحريض على قناة «الجزيرة» في الداخل اليمني.

قرار اغلاق مكتب «الجزيرة» في تعز وعلاقته بزيارة وفد تعز إلى الرياض

بالأمس، أغلقت اللجنة الأمنية في تعز مكتب قناة «الجزيرة»، وفي بلاغ صادر عنها، قالت اللجنة إنها وقفت في اجتماعها الدوري أمام السلبيات التي تمارسها بعض القنوات الإعلامية، ومنها قناة «الجزيرة»، والتي ظهر في تغطيتها مؤخراً، محاولات لشق الصف الداخلي لـ«الشرعية» و«التحالف العربي» الداعم لها، بحسب قولها.

ويأتي قرار إغلاق مكتب قناة «الجزيرة» في تعز، بحسب قول اللجنة الأمنية، كون «تغطيتها تنعكس سلباً على مسار معركة الجيش الوطني والشرعية في إنهاء الانقلاب الحوثي واستعادة الشرعية». 

وفي تعليق لـ«العربي» عن هذا الإجراء، الذي أرجعه كثيرون إلى الحرب الإعلامية بين دول الخليج، يقول الكاتب محمد المقبلي، إنه «من المؤسف أن العجز العسكري والسياسي للتحالف كما حصل مؤخراً، تقول السلطات المحلية في تعز بعد زيارتها للرياض، أن السبب مكتب الجزيرة. وأن الموظف الخجول في مكتب الجزيرة، هشام الجرادي، متهم بتأخير الحسم العسكري في تعز وشق صف الشرعية».

ويتابع «الحقيقة، كلما وصلت الأطراف الفاعلة لمرحلة انسداد سياسي وعسكري، لا تبحث عن مكامن العجز والانسداد في ذاتها وخططها، إنما توجه أصابعها نحو الصحافة، لتحملها أسباب عجزها وفشلها».

وبحسب المقبلي، فإن «تجميد الحرية أو مصادرتها تحت لافتة ظروف الصراع، مسلك تسلطي مستهلك وسامج، لا جدوى من صراع لا يجسد نموذجاً في احترام الحرية كلبنة أولى للحقوق المدنية».

اليمن أهم تداعيات الأزمة مع قطر 

من جهته، يقول الباحث والمحلل السياسي، ماجد المذحجي، لـ«العربي»، إن «الانقسامات الخليجية في وسائل الإعلام والاستقطاب الإعلامي يفصح بشكل جلي طبيعة الانقسامات الإقليمية»، مشيراً إلى أنّ هذا الصراع الإعلامي المتصاعد «ليس جديداً بخصوص اليمن، بل هو جزء من تاريخ اليمن». وأضاف المذحجي، أن «ما نشهده الآن من استقطاب حاد، هو تجلي لسياسات إقليمية قديمة»، مشيراً إلى أنّ «القنوات الإعلامية أهم مصدر للمعلومة في اليمن».
وبحسب المذحجي، اليمن هي أهم تداعيات الأزمة الخليجية مع قطر، وجزء من تداعيات هذه الأزمة مع قطر، ينعكس في اليمن بشكل جلي، مشيراً إلى أن «قطر فاعل خفيف الوزن، ولديها أموال هائلة ومصلحة في إبقاء السعودية منشغلة جنوباً»، فيما تشعر السعودية بـ«خطر» من الدور القطري.

كم مرة قتلت وسائل إعلام الخليج علي أبو الحاكم؟!

منذ بداية الحرب في اليمن، وحتى الآن يؤخذ على تغطية وسائل الإعلام للحرب في اليمن، جوانب كثيرة، أبرزها التضليل، وغياب الدقة والمهنية والمعلومة الحقيقية. العائد إلى تغطيات هذه الوسائل الإعلامية والمتابع لها الآن، سيدرك حجم التضليل والتخبط وعدم توفر المعلومة الحقيقية. ولعل يمنيون كثيرون باتوا يدركون ذلك تماماً، وهم ينتقدون ربما تغطيات وسائل الإعلام الخليجية للحرب بشكل شبه يومي، على وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها. 

على شاشة «الحدث»، يظهر المراسل محمد العرب، وهو يتحدث عن سقوط جبال ومناطق وتباب من قبل «الشرعية» لا حقيقة ولا جود لها على الأرض. وعلى شاشة «الحدث» أيضاً، قتل محمد العرب، القيادي في جماعة «أنصار الله»، علي أبو الحاكم، أكثر من مرة، في حين يطل الرجل بعد كل خبر مقتله، بتأكيد بقائه على قيد الحياة، وإلى جانبه قيادات من «أنصار الله».

تضليل وتعرّ واضح 

يقول الراصد والصحافي اليمني، عامر الدميني، إنه أثناء إعداده مادة عن أبرز الأحداث التي وقعت في اليمن خلال العام 2017، عاد إلى أكثر من 500 صفحة في الإنترنت للبحث عن تلك الأخبار وتسلسلها الزمني. وما لفت انتباهه، هي تلك العينة من الأخبار التي كانت تنشر نقلاً عن صحف خليجية، أو كتبت في صحف يمنية، بتأثير حماس الباحث عن انتصار، بعد حالة اليأس والقنوط منذ سنوات من قبل كتبة تلك الأخبار.

وتابع «من تلك العناوين، الأخبار التي كانت تتحدث عن مدد زمنية معينة، وهي شطحات لقادة عسكريين يمنيين أو في التحالف العربي كتحرير صنعاء خلال شهرين، أو السيطرة على الحديدة خلال أربعة أشهر، أو دخول ألوية جديدة للمعركة، أو وصول أسلحة حديثة ستحسم المعركة خلال أيام… إلخ».

الملفت، وبحسب الدميني، فإن «إعلام التحالف العربي والشرعية اليمنية والإعلام المقرب لهما، تنعدم لديه الواقعية عند تناول مثل هذه القضايا، وهو ما أثر على مصداقية هذا الإعلام وتأثيره، وجعله غير مجدي بالنسبة للمهتمين في الإعلام الدولي، وقلما تجد وسيلة دولية مهنية تستند إلى روايات معتمدة على هذه الوسائل.

بعكس إعلام الحوثي والذي في أغلبه تضليل، لكنه استطاع أن يتحول إلى مصدر خبري للصحافة الدولية، فعلى سبيل المثال، خبر المركبة التي استولى عليها، لقي صدىً واسعاً في الصحافة الدولية، والتي تناولته من زوايا مختلفة استناداً لمقطع فيديو بثه الحوثيون في وسائل اعلامهم».

ويقول الدميني في صفحته على «فيسبوك»، إن «هذه الواقعية المعدومة، لاتزال تلقي بظلالها على الأداء الإعلامي للتحالف العربي في مختلف تنوعاته، من التلفزيون إلى الصحف إلى المواقع الالكترونية، وحتى أداء الناشطين والإعلاميين الذين يدورون في فلك التحالف بوسائل التواصل الاجتماعي كتويتر وفيسبوك، (محمد العرب مثالاً). ومن المؤسف أيضاً، أن تلك الوسائل وقعت مرات عدة في حالات من الكذب الواضح، لكن ذلك لم يقود إلى تحسين أدائها، والاستفادة من التجربة، وعدم تكرار ذلك، بل نشهد تباعاً العديد من السقطات».

ويستدل الرجل بخبرين جديدين، نشرا في صحيفتين سعوديتين في الأيام الخمسة الأولى من أول أشهر العام الميلادي الجديد. الأول، خبر في «الشرق الأوسط» عن اضراب شامل لموظفي الدولة والمحال التجارية في صنعاء، كجزء من التصعيد ضد «أنصار الله»، والثاني، خبر في صحيفة «الحياة» اللندنية، يقول إن «الجيش اليمني يستعد لاقتحام صعدة»، وحين تعود للخبر الأول تلحظ عدم إمكانية وقوع ذلك في الوقت الراهن، فلم التسرع في نشر أخبار من هذا النوع؟ أما حين تعود للخبر الثاني، فسترى أن نفس العنوان قد تكرر مرات عدة خلال السنتين الأخيرتين فقط.

المصدر: العربي

زر الذهاب إلى الأعلى