تحليلات

اربع مفاجأت جديدة في حوار “نصر الله” مع قناة “الميادين”

يمنات

عبد الباري عطوان

خطابات السيد حسن نصر الله، زعيم المقاومة اللبنانية، واحاديثه الصحافية تحفل دائما بالكثير من المعلومات الجديدة، ولذلك تأتي متابعتها، وتحليل ما ورد فيها، وبين سطورها، فرضا على أي كاتب، او سياسي، يريد فهم ما يجري في المنطقة من تطورات ومخططات وحروب، وخاصة ما يتعلق منها بدولة الاحتلال الإسرائيلي.

مفاجآت كثيرة وردت في مقابلته التي اجراها معه الزميل سامي كليب على شاشة قناة “الميادين”، وبثت مساء امس الأربعاء، ابرزها كشفه ان راتبه من الحزب لا يزيد عن 1300 دولار، وهو الكشف الذي لفت انظار الكثيرين، والرجل لا يقول هذا من قبل التواضع، وانما هي الحقيقة والمنطق، فلماذا يحتاج الى المال، لشراء اليخوت والسيارات الفاخرة، لقضاء اجازته في الريفيرا الفرنسية، او لاقتناء اللوحات الفنية العالمية؟ الرجل يقيم تحت الأرض منذ اكثر من عشرين عاما، وليس في قصور فاخرة، ونادرا ما يرى اسرته وأولاده، وهذه الاسرة تعيش حياة في قمة التواضع، وقدم ابنه شهيدا في الحرب ضد دولة الاحتلال، تخيلوا السيد نصر الله يتمختر في شوارع الضاحية الجنوبية راكبا سيارة “رولزرويس″ او “فيراري” مثلا؟

***

بدأنا بهذه المعلومات الشخصية المهمة بسبب معانيها واسقاطاتها على الكثير من قياداتنا العربية الحالية، ولكن هناك اربعة قضايا رئيسية سياسية وعسكرية وردت في المقابلة لا يستطيع المرء تجاهلها:

  • الأولى: اعترافه بأنه التقى وفدا من حركة “فتح” في اطار لقاءاته مع الفصائل الفلسطينية الأخرى، وتأكيد وفد الحركة على تصعيد الانتفاضة، وانها جزء أساسي منها، معتبرا ان حضورها (أي حركة فتح) في الشارع هو امر تسلم به الفصائل.

  • الثانية: تأكيده بأن الحرب المقبلة ستكون حافلة بالمفاجآت، وان الجليل (شمال فلسطين) سيكون هدف المقاومة فيها، أي ان “حزب الله” لن يكون في موقف دفاعي، وانما هجومي أيضا.

  • الثالثة: ان قواعد الاشتباك في أي حرب ستكون خاضعة للمراجعة وللظروف والاحداث، وان من اهم عناصر المعركة مع العدو هو عنصر المفاجأة وان المقاومة تحتفظ لنفسها بالمفاجآت في الميدان وتعمل ليلا نهارا للحصول على كل سلاح يمكنها من الانتصار في أي حرب مقبلة.

  • الرابعة: تأكيده ان من يستطيع الانتصار على “الدولة الإسلامية” او “داعش” يستطيع هزيمة الجيش الاسرائيلي، لان مقاتلي “داعش” اشداء في القتال وعلى استعداد لتفجير انفسهم.

النقطة المتعلقة باللقاء بوفد من حركة “فتح” تشكل تطورا استراتيجيا في المنطقة، وتعطي إضافة سياسية وعسكرية مميزة لمحور المقاومة، وتعزيزا كبيرا للانتفاضة في الداخل والخارج الفلسطيني معا.

هذا اللقاء مع زعيم المقاومة الإسلامية اللبنانية يعني ان حركة “فتح” قررت حرق جميع مراكبها “السلمية” والانضمام الى محور المقاومة، وقطع كل الجسور مع الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، والانسحاب بالتالي من العملية السلمية واتفاقات أوسلو، وهذه نقله استراتيجية مهمة، ربما تعجل بقرار الرئيس ترامب وقف المساعدات المالية عن السلطة الفلسطينية، وربما ابعاد الرئيس الفلسطيني محمود عباس من مقر قيادته في رام الله.

اما اذا انتقلنا الى النقطة الاستراتيجية الأخرى التي وردت في الحديث والتي تتعلق بعنصر “المفاجأة”، وسعي قيادة “حزب الله” الى امتلاك كل ما يمكن من الأسلحة لهزيمة العدو، فإن هذا يذكرنا بمفاجأة تدمير البارجة العسكرية الإسرائيلية امام السواحل اللبنانية لصاروخ متطور اثناء حرب تموز (يوليو) عام 2006، مثلما، يذكرنا بما قاله قائد سلاح البحرية الإسرائيلية ايلي شلابيت في مقاله كتبها في مجلة عسكرية من ان “حزب الله” نجح في تصنيع سفينة هي الأفضل في العالم، وتحمل صواريخ متعددة ومؤمنة من الغرق، وان سلاح البحرية الإسرائيلي ثبت نظام “القبة الحديدية” على سفينة “ساعر5″ التي تحمي منصات الغاز في البحر المتوسط، لمواجهة تهديدات “حزب الله”، بينما قال قائد سلاح البحرية في ميناء “اسدود” ان الصواريخ ليست الخطر الوحيد، وعلينا توقع تهديدات تحت الماء أيضا مثل السباحين الانتحاريين، والقوارب المتفجرة والغواصين المتخصصين بالغوص، وزراعة الألغام في أعماق البحر.

***

ما نريد ان نختم به هو القول بأن محور المقاومة يزداد قوة وصلابة، وان قرار ترامب بنقل السفارة الامريكية الى القدس المحتلة، قدم له الذخيرة التعبوية والمعنوية التي كان يتطلع اليها منذ زمن بعيد.

السيد نصر الله يعني ما يقول، واذا هدد نفذ، وينطلق دائما من معلومات دقيقة، وما كشفه عن تعاون استخباري بين الحزب وحكومات أوروبية صحيح، وهناك معلومات مؤكدة بأن نسبة كبيرة من تسليح “حزب الله” يأتي من دول أوروبية، وليس من روسيا، الى جانب السلاح الإيراني.

دولة الاحتلال الإسرائيلي وحلفاؤها العرب يعيشون مأزقا كبيرا، واعتراف السيد نصر الله بوجود رجال المقاومة في سورية عند حدودها الشرقية والشمالية هو أحد أوجه هذا المأزق.

سنوات الهوان العربي والإسلامي تقترب من نهايتها، أن لم تكن انتهت فعلا، وعهد الكرامة وعزة النفس والانتصارات بدأ.. والأيام بيننا.

المصدر: رأي اليوم

زر الذهاب إلى الأعلى