أخبار وتقاريرالعرض في الرئيسةتحليلات

حين تضع الحرب أوزارها ويجلس الخصوم على طاولة تفاوض واحدة ويتم الاستغناء عن خدمات الجنوب..؟

يمنات

صلاح السقلدي

بعد كل صاروخ بالستي يطلقه “الحوثيون” باتجاه الرياض، ومدن سعودية أخرى، يزداد الهاجس الأمني لدى المملكة العربية السعودية أهمية عمّا سواه من الهواجس والاهتمامات والأهداف الأخرى المتوخاة تحقيقها من حربها في اليمن، وفي أية تسوية سياسية قادمة.

فالبرغم من النوايا والتطلعات التي تروم السعودية تحقيقها من هذه الحرب، ومنها التطلعات الاقتصادية والسيطرة على نقاط جغرافية واقتصادية وممرات برية وبحرية حيوية باليمن، إلا أنّ كل ذلك يتراجع شيئاً فشئياً أمام الجانب الأمني بكل أبعاده العسكرية والأمنية والاستخباراتية، ليس فقط على الجبهة الجنوبية للبلاد بل بالعمق السعودي – وربما الإمارتي في قادم الأيام كما هدّد الحوثيون مراراً – ما يعني بالضرورة أن هذا المجال سيكون مهيمناً على كل تحركات المملكة، العسكرية والسياسية، وسينعكس بصورة مباشرة على الجانب اليمني بأية ترتيبات سياسية قادمة أو على المدى البعيد.

فالمملكة ستضع مستقبل الجيش اليمني تحت مجهرها، وسيكون تحت الرقابة السعودية المباشرة، سواءً فيما يتعلق بتسليحه أو بعدده، وبانتماء عناصره جغرافياً وفكرياً ومذهبياً وسياسياً وحزبياً، هذا إن لم تتجاوز ذلك إلى فرض مناطق جغرافية عازلة في العمق اليمني تكون خالية من أية أسلحة ثقيلة، أشبه بوضع شبه جزيرة سيناء المنزوعة السلاح الثقيل وفقاً لاتفاقية “كامب ديفيد” ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية المنطقة «B».

الجميع سيكون خاسراً إنْ ظلّت الحرب تراوح مكامنها

و لا نعتقد أنّ السعودية ستجد معارضة قوية على المستويين العربي والدولي، فالرياض تعرف كيف توظّــف أموالها ونفطها لإلجام المعترضين على تطلعاتها وتحركاتها في اليمن والمنطقة العربية برمّتها، وسيكون دويّ الصواريخ البالستية في مسامع البعثات الدبلوماسية بالرياض حُـجّة سعودية عند كل جدل تخوضه مع أي طرف إقليمي أو دولي معترض، إنْ وجد من يعترض على ذلك أصلاً.

و انعكاساً لذلك تنكمش كل المطالب اليمنية السياسية والاقتصادية أمام تغوّل هذا الهاجس الأمني السعودي، وسيكون الجانب اليمني “شرعية الرئيس هادي وحزب الإصلاح” في مأزق حقيقي حين يجد نفسه حاضراً ومستقبلاً مجرّد جندي يحمي حدود الجيران، وشُـــرطي مأمور بيد صانع القرار السعودي والإمارتي، نظير مال ودعم سياسي زهيد، أولقاء ظفره بسلطة فاقدة لقرارها وإرادتها السياسية والسيادية، يشاركه فيها كل الأطراف اليمنية الأخرى بمن فيهم “الحوثيون” .. ربما.

فالصاروخ الذي اُطلقَ مساء الثلاثاء، بمناسبة مرور ألف يوم على الحرب، كما قال “الحوثيون”، أوقع المملكة في حرج شديد، فوق ما يعتريها من حرج، أمام الداخل السعودي والمجتمع الدولي والأمريكي بالذات، بسبب تساقط مثل هذه الصواريخ وطول مدة الحرب والوضع الإنساني البائس.

فالمسافة التي قطعها الصاروخ الأخير (مئات الكيلومترات)، والذي يأتي بعد أقل من شهرين من صاروخ مماثل، وضعتْ سمعة صواريخ “الباتريوت” الأمريكية الدفاعية على المحك، ما يعني وقوع الرياض مستقبلاً تحت طاولة التقريع والضغوطات والابتزاز “الترامبي” الأمريكي.

و ضاعفت تلك المسافة الطويلة التي قطتها الصواريخ، وفشل اعتراضها، من سوء سمعة هذه الصواريخ “الباتريوت” على يد الجندي السعودي، لمصلحة الدبّ الروسي وصواريخه الأسطورية «S300»، وهي الصواريخ أي صواريخ “الباتريوت” تربو قيمتها على 10 ملايين دولار.

و بحسب مصادر عسكرية، تكون كلفة التصدي لكل صاروخ “حوثي” عشرة صواريخ “باتريوت” تقريباً، ولنا أن نتخيل جملة التكلفة طوال الأشهر الماضية والقادمة.

فقطْع مئات الكيلومترات دون اعتراض، لا شك قد وضع دائرة صنع القرار السعودية في زاوية الحرج الشديد سياسياً وعسكرياً، ما قد يضطرها إلى ردّة فعل عنيفة على الساحة اليمنية، كما درجت العادة، ما يعني ذلك مزيداً من سقوط الضحايا ومزيداً من تشديد الحصار على كل المنافذ البرية والجوية والبحرية، ليفضي بالتالي إلى تدهور الوضع الإنساني المتدهور أصلاً.

على الجبهة السياسية، فإن كل صاروخ يطلق صوب المملكة يعني الابتعاد أكثر وأكثر عن طاولة التسوية السياسية اليمنية، كما يعني تعمّــق الأزمة اليمنية بشدة، وتعقيدها بصورة كبيرة، وانجراف الجميع بمن فيهم “التحالف” (السعودية والامارات) نحو حالق سحيق من التورّط ومن تكبّد الخسائر على كل المستويات البشرية والمادية والأخلاقية.

فلا شك في أن الجميع سيكون خاسراً إنْ ظلّت الحرب تراوح مكامنها، واستمر الوضع السياسي يتأرجح بهذا الشكل، وتبعد طاولة التسوية عن متناول الفرقاء. ولكن جنوب اليمن سيكون الأكثر تضرراً والأكثر خسارة على المستويات الإنسانية والسياسية والعسكرية “المقاوم”.

فالجنوب الذي ظلّ منذ ثلاثة أعوام يرى في هذه الحرب فرصة تاريخية لإخراجه من دوامة العناء التي لازمته منذ احتلاله الأول عام 1994م. والجنوب الذي، بكل تشعباته الثورية، قدّم التضحيات والبشرية بشكل مهول، وما زال حتى هذه اللحظة، مقارنة مع باقي الأطراف (التحالف والشرعية) التي تكاد تكون خسائرها رمزية، ناهيك عن أن قضيته السياسية ستجرفها تيارات هذه الحرب بعيداً عن درب المستقبل المأمول وتعقيداتها على المستويين اليمني والإقليمي بل والدولي، ستكون قضيته الأكثر إهمالاً وتجاوزاً في ظل وضع متردٍ كهذا، ضف إلى ذلك تزايد حالة الاستقطابات والتحالفات المستمرة التي يقوم بها “التحالف” على حساب القضية و”المقاومة” الجنوبيتين، بمعزل عنه، فيما الحرب ما تزال على أشدّها، والتسوية السياسية ما تزال بعيدة المنال.

فما بالنا حين تضع الحرب أوزارها ويجلس الخصوم على طاولة تفاوض واحدة ويتم الاستغناء عن خدمات الجنوب، خليجياً ويمنياً. هذا الأمر سيحدث في نهاية المطاف من دون شك. هكذا يحدثنا منطق تاريخ كل الحروب اليمنية والإقليمية. ويبقى فقط التساؤل: متى سيحدث ذلك..؟

المصدر: العربي

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى