أخبار وتقاريرإختيار المحررالعرض في الرئيسة

ترجمة .. رحيل صالح هو تحذير من استمرار الحرب إلى أجل غير مسمى

يمنات – صنعاء

ترجمة خاصة بـ”يمنات”

إنه لمن المحتمل أن يرتدي عدد قليل من الشعب لباس الحداد لاغتيال الديكتاتور اليمني السابق علي عبد الله صالح. فقد ترأس حكم اليمن لعقود من الفشل في التعامل مع مستويات الفقر الشديدة في بلاده ومشاكلها المتزايدة باضطراد مع الاكتظاظ السكاني، ونقص المياه، والاعتماد على القات-وهو مخدر غير مجز بحيث أن البلد الوحيد الذي يمكن أن يستورده هو الصومال الدولة الأكثر فقرا.

وحذرت الأمم المتحدة في وقت سابق من العام 2002 إن اليمن واحدة من عديد دول عربية وصلت إلى مستوى حرج في نموها السكاني ومشاكلها الاقتصادية. وقد زاد عدد سكانها بالفعل من 4,8 مليون في 1950 إلى 23,9 مليون في 2011. ويبلغ تعدادهم السكاني اليوم 28 مليوناً، وسوف يرتفع إلى 46 مليوناً بحلول عام 2050. ولم يفعل صالح شيئا مفيدا لمعالجة هذا النمو السكاني أو أثاره.

و كان اليمن يعتمد اعتمادا كبيراً على الواردات الغذائية والحوالات الأجنبية مذ فتره طويلة من الحرب. وكان يستنزف مياهه الباطنية الحفرية بسرعة ويعوز إلى نقص تمويل في التعليم والخدمات الطبية ويعاني من مشاكل بطالة خطيرة، ولدى سكانه واحداً من ادنى مستويات دخل الفرد في العالم.

وعلاوة على ذلك، فان إخفاقات صالح في الحكم تركت اليمن عرضة للقاعدة وداعش وأدت إلى توترات خطيرة وقتال متفرق بين حكومته واليمنيين الذين كانوا جزءا من الدولة المستقلة السابقة في جنوب اليمن، كما عبدت طريق للكثير من البؤس والتعاسة في اليمن.

أما بالنسبة لـ صالح فقد كان بالفعل قوه مستهلكة إلى حد كبير عندما قتل. وكان قد تنازل عن السلطة في 2011، و حاول من ثم استردادها عن طريق تحويل تحالفه مع السعوديين إلى تحالف مع انصار الله.

إلا أن انصار الله ما لبثوا أن اكتسبوا السلطة تدريجياً من قبضة صالح وبقايا القوات العسكرية اليمنية التي ظلت موالية له. فالرجل الذي كان بالأمس مستأثراً بالسلطة من خلال المناورة السياسية التي وصفها بـ “الرقص على راس الثعابين” قد “وجد نفسه الآن والثعابين ترقص عليه”.

والنتيجة النهائية هي أن تحالف صالح مع الحوثيين قد انهار. ليبدأ فصيل صالح في القتال مع الحوثييين، وعاد صالح كرة أخرى إلى السعودية والإمارات. وبينما بدت هذه الخطوة تلوح بأمل التوصل لحل للحرب الأهلية في اليمن، إلا أن الأمل تلاشى وكان الحوثيون هم من ربح المعركة، والحوثيون هم من قتلوه.

وما لم يكن أنصاره الباقون أقوى بكثير مما يبدون عليه الآن، فإن النتيجة النهائية قد أفسحت المجال أمام الحوثيين بدون أي تحديات داخلية قوية في المنطقة التي يسيطرون عليها مع العودة إلى السكة ذاتها من حرب الاستنزاف الطاحنة مع السعوديين والإماراتيين التي ظلوا يخوضون القتال فيها منذ أشهر.

وإذا كانت هناك من مأساة في رحيل صالح فهي في تعقيد وضع حد للصراع والتفاوض بشأن تسوية هادفة. فهذه الحرب هي حرب وحشية بصورة ملحوظة ، وقد كان للطرفين كليهما دور كبير في تعريض المدنيين للخطر.

لقد كان هناك ميل إلى إلقاء اللوم علي السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة-وهما مؤيدان لحكومة هادي التي اعترفت بها الأمم ومعظم الدول الخارجة باستثناء إيران- للوضع الحالي الذي وصلت له المعاناة في اليمن. وبعض هذا اللوم مشروع. فقد شنت السعودية والإمارات العربية حملة جوية وبرية قدمت افتراضات متفائلة بعيدة جداً بشأن فعالية القوه الجوية والاستخدام المحدود للقوات البرية السعودية والإماراتية. حققت هذه الحملة بعض الانتصارات الأولية، ولكن بعد مضي أشهر، كانت النتيجة هي الوقوع في ورطة انسداد على الأرض.

ونتيجة لذلك، ركزت المملكة العربية السعودية والإمارات علي استخدام القوه الجوية. غير أن هجماتهم الجوية لم تغير بعد مسار القتال بشكل كبير. وما أنتجوه هو خسائر مدنية خطيرة وأضرار جانبية، كما إن الجهود السعودية والإماراتية لإغلاق المرافئ الرئيسية القليلة المفتوحة أمام الحوثيين- الذين يسيطرون على الأجزاء الرئيسية من مناطق البلد الأكثر ازدحاما بالسكان- قد جعلت الأمور أسوأ. وقد أدى نقص الأغذية والأدوية وغيرها من الإمدادات الحيوية إلى زيادة حادة في المرضى المدنيين والأوبئة.

وفي الوقت نفسه، يجب الإبقاء علي هذه الآثار في المنظور الصحيح. إن مقتل صالح تجعل من الأهمية الكبيرة بمكان التخلي عن اللوم كما ينبغي والضغط علي كلا الجانبين لحل النزاع. فقد كانت قضية اليمن الاقتصادية قائمة من قبل الحملة الجوية والحظر عند مستوى من الفقر المدقع وسوء المرافق الطبية والتعليمية ومشاكل سوء تغذية خطيرة. وكانت حكومة هادي منتخبة على الأقل- حتى لو أنها انتخابات بمرشح واحد- وحظيت باعتراف دولي واسع.

وقد فعل الحوثيون الشيء الكثير لتقسيم اليمن على خطوط الطائفية والإقليمية، وارتبطوا ارتباطا وثيقا بإيران، ولم يفعلوا شيئا يذكر لإظهار أن بإمكانهم أن يحكموا بفعالية أو أن يبذلوا أي جهودا ملموسة للتفاوض. وظلوا جميعاً على استعداد لمواصلة القتال بغض النظر عن العواقب الإنسانية. ولم يظهروا بأن لديهم أي خطط أو قدرات للحكم بطرق من شانها أن تساعد اليمن على التطور أو الخروج من دوامه الفقر المتصاعدة، أو ان يقدموا لليمن أي مستقبل ذي موثوقية إذا ما انتصروا.

كما انه ليس من المعقول إلقاء اللوم علي السعوديين والإمارات علي الجزء الأكبر من الخسائر البشرية في القتال عندما لا تكون هناك مصادر موثوقاً بها لمثل هذه التقديرات للإصابات، وبعض التقديرات لا تحاول سوى تقدير الإصابات القادمة من الجو (دون محاولة جاده تقدير أثار القتال علي ارض الواقع).

فالحرب وحشيه بطبيعتها، والجمود والحصار يلحقان ضررا جسيما بالاقتصاد المدني على مر الزمن. ولكن هذه حرب ذات طرفين، ويبدو أن إلقاء اللوم المفرط علي أحد الجانبين من المحتمل أن يوسع نطاق الصراع وينقص من الحافز على التفاوض. ويبدو أن الكثير من التقارير عن الحرب الجوية تتجاهل الطرق الواقعية التي يدير بها السعوديون والإمارات الحرب الجوية بالفعل.

وعند زيارة مركز القيادة السعودية في الرياض تجد أنها تشبه تقريبا زيارة مركز القيادة الجوية المشتركة في الولايات المتحدة في قطر. ويستخدم السعوديون والإماراتيون وبقية القوات الجوية العربية تقريبا نفس تكتيكات الاستهداف وقواعد الاشتباك للحد من الخسائر المدنية الناجمة عن الضربات الجوية التي تستخدمها الولايات المتحدة وحلفاءها في سوريا والعراق وأفغانستان.

كما تستخدم القيادة السعودية نفس الأوامر والضوابط المتقدمة لتحذير المدنيين من التواجد، والحد من الضربات على المنشئات المدنية ، والتركيز على الضربات الدقيقة والمراجعة المتأنية لخطط الضرب، بالإضافة إلى تقييم الأضرار.

والفرق الرئيسي بين الحربين هو أن السعوديين والإماراتيين يعتمدون بشكل أكبر على القوه الجوية، بينما يمكن للولايات المتحدة الاعتماد على القوى البرية العراقية والأفغانية في جزء كبير من القتال. وهذا يعني أن الهجمات الجوية السعودية والإماراتية تسبب جزءا أكبر من إجمالي الخسائر البشرية المدنية والأضرار الجانبية.

بيد أن عدم رغبة الحوثيين في التفاوض والتصميم علي إطالة أمد الحرب هو أمر مدمر بنفس القدر. وأي تحليل صحيح للحرب الجوية بحاجة أيضا إلى معالجة حقيقة أن الحوثيين يستخدمون تكتيكات تعتمد بشكل كبير على الدروع البشرية، ويستخدمون ادعاءات مبالغ بها حول الخسائر البشرية المدنية كأسلحة دعائية رئيسية.

كما يحتاج الأمر إلى إلقاء نظرة فاحصة على كيفية تعامل الحوثيين مع الحكم ، وإدارة مواردهم، ومخصصات المعونة. ويجب أن نلقي نظرة دقيقة على دور إيران في سعيها للنفوذ على اليمن من خلال توفير القذائف والأسلحة ودعم حرب أخرى تلحق ضررا بشريا كبيرا.

والأكثر أهمية في الأمر هو أن رحيل صالح هو تحذير من أن الجانبين يمكن أن يستمرا في الحرب إلى أجل غير مسمى.

ما هو غير واضح في هذه الحرب هو أن أيا من الجانبين يمكنه أن يكسبها بسرعة من خلال هزيمة الجانب الآخر. وما لم يقتنع الطرفان بالتفاوض، فإن الواضح هو أن الخاسر سيكون هو الشعب اليمني.

المصدر: csis

رابط المقالة باللغة الانجليزية انقر هنا

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى