العرض في الرئيسةفضاء حر

إلى أن تظهر ملامح سلام حقيقي وتبدأ بالتجسد على أرض الواقع

يمنات

لطف الصراري

إذا قال مسؤول أمريكي إن “الحل في اليمن” يجب أن يتوصّل إليه اليمنيون أنفسهم، فلا بد أن يلحق ذلك بمقترح يحدد ملامح الاتفاق. إذا قال مسؤول أممي إن الحل في اليمن يجب أن يكون سياسياً، فلا بد أن جولة مفاوضات يجري الترتيب لعقدها لإنعاش العملية السياسية وليس لأجل سلام عاجل.

لم تعد وعود السلام تحظى بثقة اليمنيين لأن الحرب تستمر في كلا الحالتين، بالتزامن مع استمرار المفاوضات السرية والمعلنة بين الأقطاب الدولية المتصارعة على تقاسم النفوذ العالمي.

الأسبوع الماضي، قال السفير الأمريكي لدى اليمن ماثيو تولر، في تصريحات صحفية تم تداولها، إن «اليمنيين أنفسهم فقط من يمكنهم أن يتفقوا على حل…»، ومن دون فاصل استدراكي، حدد ثلاثة أسس «يجب» أن يبنى عليها هذا الحل: «وقف القتال، عدم إعاقة وصول المساعدات الإنسانية العاجلة، ومرحلة انتقالية تمثل كل اليمنيين».

قبل تولر، الذي لم تمهله المستجدات التي سبقت الحرب بشهور من إكمال مهمته الدبلوماسية داخل اليمن، كان سلفه جيرالد فايرستاين، يكرر القول نفسه عن كون الحل بأيدي القادة اليمنيين، فقط، عندما يريد أن يحدد ملامح الاتفاق المنشود في نقاط «يجب» التوصّل إليها كنتيجة للحوار؛ تصريحه فيما يتعلق بالنقاط الأربع التي كان يجب أن يخرج بها مؤتمر الحوار الوطني مثال على ذلك. من تلك النقاط: ضرورة الاتفاق على “شكل الدولة” و”شكل الحكومة”.

النقطة الأولى من نقاط فايرستاين كانت تعني الاتفاق على أن تصبح اليمن “دولة اتحادية” مكونة من أقاليم، والثانية تتعلق بشكل الحكم رئاسي أو برلماني. وذلك ما ظل يعمل عليه المبعوث الأممي السابق جمال بن عمر حتى انتهاء فترة مهمته.

في تفاصيل مقترحه الأخير بشأن استئناف المفاوضات السياسية، أورد المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، بنوداً أكثر جرأة من بنود المقترحات السابقة؛ من ذلك نقل السلطة إلى مجلس رئاسي بدلاً من نقل سلطة الرئيس إلى “نائب”، ودمج مجلسي النواب والشورى، وتحديد حقائب الحكومة بخمس وعشرين حقيبة فقط. إضافة لذلك، ركز المقترح على إجراء الانتخابات الرئاسية ضمن فترة انتقالية مزمّنة بسنة ونصف.

إذا ما تطرقنا إلى البند الذي ينص على “دمج الجيش” في المقترح نفسه، وإذا ما كانت تفاصيل المقترح المسرب للصحافة دقيقة، وفي حال استحضار الأساس الأول من الأسس الأمريكية الثلاثة للتسوية، “وقف القتال”، سنكون أمام مقترح طموح للغاية، يفسر تشاؤم تولر من كون الطريق إلى السلام في اليمن بات صعباً في المرحلة الراهنة بسبب ما وصفه بالمستوى العالي من انعدام الثقة بين الأطراف.

ما يبدو أن تولر تجاهله أثناء حديثه عن انعدام الثقة بين فرقاء السياسة اليمنيين، أنه لولا هذا المستوى من انحسار الثقة، ما كان الوضع لينزلق باتجاه الحرب، ولولا انحسار الثقة بين السعودية وإيران وتركيا، ما كانت لتشتعل الحرب في سوريا وليبيا وتزداد استعاراً في العراق، وما كانت السعودية لتشكل تحالفاً للدفاع عن “شرعية” سوف تتخلى عنها بعد ثلاث سنوات من تدمير اليمن والزحف المتخفي لالتهام آلاف الكيلومترات من أراضيه الغنية بالنفط.

أسباب الحرب تتكشف يوماً بعد آخر وهذه هي عدالة التاريخ. وإلى أن تظهر ملامح سلام حقيقي وتبدأ بالتجسد على أرض الواقع، ستظل سلسلة من انعدام الثقة تطوق العالم بأسره وتتآكل مساعي السلام؛ إذ لولا انعدام الثقة بين تيار الهيمنة العالمية الذي تتزعمه أمريكا وبريطانيا، وبين التيار الذي تتزعمه روسيا والصين لمقاومة هذه الهيمنة، ما كانت لتنتعش الحروب بالوكالة في العديد من بلدان العالم. إنها السلسلة التي لا بد من تفكيكها ابتداء من رأس الهرم لكي تثمر مساعي السلام.

المصدر: العربي

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى