العرض في الرئيسةفضاء حر

أكتوبر بين ملكوت المناسبة وغواية المآرب

يمنات

صلاح السقلدي

لا تبدو الإحتفالات بذكرى ثورة 14 أكتوبر، والتي تعتزم القوى الجنوبية التي تناضل لنصرة القضية الجنوبية منذ عقدين من الزمن، والقوى الجنوبية الأخرى المرتبطة سياسياً ومالياً وإدارياً بسلطة الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، وحتى سلطة الرئيس هادي ذاتها، الإحتفاء بها يوم الجمعة المقبل، احتفالات خالصة لوجه هذه الثورة وذكراها الـ54، أو استلهام القادم من تجربتها، بل هي فرصة لبعض هذه القوى، بعد أشهر من احتدام الخلافات المصطنعة، لاستعراض الشعبية الجماهيرية كما هو حال «المجلس الإنتقالي الجنوبي»، وقوى الحراك المؤمنة حقاً بالقضية الجنوبية، والتي ترى أن ثمة مؤامرة تنخر الجسد الجنوبي، ولها مآخذ على تشكيل ودور المجلس، الذي تجد فيه نموذجاً لارتهان القضية الجنوبية بيد قوى إقليمية إماراتية تحديداً.

و الاحتفالات فرصة، أيضاً، لقوى تتقمص الرداء الجنوبي، ومدعومة مالياً وسياسياً وإعلامياً من قبل سلطة الرئيس هادي وحزب «الإصلاح»، لتمرير مآربها في إثارة مزيد من التشويش على الأوضاع السياسية على الساحة الجنوبية، وتعميق الإنقسام الجنوبي سياسياً وجهوياً، وصب كمية إضافية من الملح على الجرح الجنوبي الملتهب. وتستغل هذه السلطة رموزاً جنوبية لها قدر كبير من التقدير في صفوف الجماهير، ساخطة على بعض الأخطاء والتجاوزات التي ارتُكبت في الفترات الماضية على المسار الأمني خاصة، للدفع بهذه الرموز للاصطدام بقوى جنوبية تتبنى بصدق الإنتصار للقضية الجنوبية، ليتسنى لها – أي سلطة هادي وحزب «الإصلاح» – تقديم الجنوب للعالم وكأنه يتطلع لصورته في مرآة مكسورة، لإثبات أنه عاجز عن إدارة نفسه كدولة مستقلة يسعى لاستعادتها، أو حتى كإقليم واحد ضمن فكرة الدولة الإتحادية اليمنية من إقليمين بحدود عام 90م، ليسهل بالتالي على هذه السلطة تسويق مشروعها، مشروع الستة أقاليم الظالم كحل لهذا التشظي الجنوبي.

هذا الوضع – تعدد ساحات وميادين الإحتفالات، واستعار حالة الإنقسام الجنوبية – هو انعكاس جلي لصورة قاتمة تحتوي في تقاسيمها أمرين على الأقل: الأول حُمّى الصراع بين مشروعَين سياسيين: مشروع استعادة الحق الجنوبي دون مسخ أو اجتزاء، ومشروع إعادة فرض الوحدة اليمنية بطريقة الإحتيال، وتزييف الإرادة الشعبية الجنوبية، من خلال أدوات جنوبية بائسة غارقة في وحل الأنانية والذاتية، لتمرير هذا المشروع الخطير الذي تجاوزته الحرب وتخطته الأوضاع المستجدة، والذي تمت صياغته قبل سنوات بطريقة التذاكي والبلطجة السياسية بأقبح صورها في إحدى قاعات فنادق صنعاء الوثيرة.

والثاني: حالة التأثير السياسي الإقليمي السلبي على مسار القضية الجنوبية على الأقل، على أو الأقل ضبابية ذلك الدور حيال هذه القضية، وبالذات الدور الإماراتي باعتباره الأكثر حضوراً وتأثيراً على الأرض وفي دهاليز السياسة، ويمتلك أسباب التأثير من مال وسلاح ودور سياسي على الساحة الجنوبية، وعلى مستوى عمل حكومة هادي وسلطته، التي يبدو أن تفاهمات كبيرة قد نسجه معها على حساب مساحة ودور القوى الجنوبية و«المجلس الإنتقالي الجنوبي» بالذات.

هكذا بدت أبوظبي في نظر العين الجنوبية، مؤخراً، كالعاشق لاثنين معاً، والجامع بين الشي ونقيضه، أو بمعنى أكثر وضوحاً كمن يتعمد أن يستغبي الجنوبيين و«المجلس الإنتقالي»، ويتعامل معهم بسذاجة من خلال مسارين: تقييد حركة «المجلس الإنتقالي» جماهيرياً، وفرملة خطابه السياسي والإعلامي بدعوى حساسية وضع «التحالف» الملتزم بقرار مجلس الأمن الدولي 2216 والمبادرة الخليجية، بالتوازي مع تمكين حكومة هادي وسلطة حزب «الإصلاح» من مرونة الحركة على طول الجنوب وعرضه، لإعادة سيطرتها على الأرض والمؤسسات.

وما عملية إدخال قوة شمالية إلى معسكرات الجنوب، وإعادة تأهيلها وتدريبها في الجنوب، في الوقت الذي نرى الإمارات تزج بالآلاف من المقاتلين الجنوبيين في مناطق الشمال، وبالذات في المخا، في حرب لا للقضية ناقة فيها ولا جمل، إلا مفارقة صادمة كفيلة لوحدها بأن تطيح بثقة الجنوبيين بالدور الإماراتي، لولا تقلص الخيارات في وجههم في الوقت الراهن، ولكن إن ظل الوضع يراوح مكانه فقد يشهد انفراطاً لحبات ذلك العقد.

على الصعيد نفسه، وللمناسبة عينها، وللغرض ذاته (إستهداف الجبهة السياسية الجنوبية)، تستعد سلطة هادي وبن دغر وحزب «الإصلاح» لإقامة عرض عسكري كبير – بمشاركة قوات شمالية قدمت إلى عدن مؤخراً بشكل مفاجئ وغريب – في أكبر معسكرات العاصمة عدن – معسكر صلاح الدين غرب المدينة -، ولكن غلبة وفاعلية العنصر العسكري الجنوبي المؤمن بنصرة القضية الجنوبية، والمشارك في هذا العرض المزمع قد يحول دون قدرة سلطة هادي ورموزها العسكرية الجنوبية والشمالية على توظيف ذلك العرض لمصلحة مشروعها السياسي، إن لم يستجد شيء في هذا الوضع.

المصدر: العربي

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى