العرض في الرئيسةفضاء حر

العام الدراسي الثاني لاحتضار التعليم في اليمن

يمنات

لطف الصراري

ينتهي شهر سبتمبر هذا العام، وما زالت الفصول الدراسية مغلقة أمام الطلبة. كونها مغلقة لا يعني بالطبع أنها فارغة، فقد صار للمدارس استخدامات أخرى في زمن الحرب؛ في مناطق القتال تستخدم كثكنات وسجون، وفي المناطق الآمنة وشبه الآمنة، تستخدم لتخزين ما يتبقى من المواد الإغاثية بعد شتات طويل وتناقص لا يخجل أمام الجوعى.

هذا هو العام الدراسي الرابع في ظل الحرب اللاهب، لكنه العام الثاني لاحتضار التعليم في اليمن.

في أول عامين للحرب، ثابر المدرّسون لكي تستمر العملية التعليمية رغم أنف الحرب والحصار. كانت رواتبهم مازالت مستمرة وتمدهم بحد أدنى من الأمان المعيشي ومن القدرة على الذهاب كل يوم إلى المدرسة والوقوف أمام الطلبة لساعات. آخر شهر استلموا فيه رواتبهم بانتظام كان أغسطس 2016، ومع ذلك أقدموا على بدء العام الدراسي الماضي تحت ضغط الإحساس بالمسؤولية التربوية، وبحافز من أمل ضئيل بأن لقمة عيشهم وأولادهم لن تهون على حكومة صنعاء ولا على حكومة الرياض، التي كانت لتوها نقلت البنك المركزي إلى عدن. غير أن إحساس الحكومتين بالمسؤولية والواجب تعدى كل التوقعات وخيب كل الآمال؛ لقد هانت عليهما لقمة عيش شعب بأكمله، ومستقبل جيل لن يحظى الناجون منهم بفرصة لتجنب تعاسة الحرب وتشوهاتها النفسية المزمنة.

من الذي لا يتوق لحياة ينخفض فيها منسوب التعاسة..؟

نحن محكومون بالثورات وبالحروب؛ وهذه هي المعادلة السحرية للشقاء المؤبد. الشعوب التي يتزايد فيها منسوب التعاسة الفردية، يتناسل شقاؤها ثورياً وسياسياً وثقافياً واجتماعياً… وبهذه الطريقة تزدهر التشوهات ويندر الجمال بندرة رؤيته. كم كنا نرى الجمال وافراً في ابتسامة طالب متفوق لا يشعر بفجوة علمية في رأسه بسبب غياب المدرس أو نقص الكتاب المدرسي. لقد أُحبط المتفوقون لأنهم باتوا يرون تميزهم يتلاشى مع رشاوى الغش الذي قلص الفارق بين مستواهم ومستوى الفاشلين، وساوى بين التحصيل العلمي في الصف طوال السنة، وبين الإجابات الجاهزة المدفوع ثمنها يوم الامتحان.

حسب التقويم المدرسي المعتاد منذ أكثر من عشرين سنة على الأقل، يبدأ العام الدراسي مطلع سبتمبر، وكانت أول إجازة يفرح بها الطلاب في الأسابيع الأولى من العام الدراسي، العيد الوطني لثورة 26 سبتمبر، ثم العيد الوطني لثورة 14 أكتوبر.

هذا العام احتفلت صنعاء والمحافظات الواقعة تحت سيطرة «الحوثيين»، بذكرى ثورتين سبتمبريتين قبل بدء العام الدراسي. وفي المناطق الواقعة تحت سيطرة «الشرعية»، بدأت الدراسة في المدارس الأهلية قبل الحكومية. الحكومتان أعلنتا موعداً مختلفاً لبدء العام الدراسي في المدارس الحكومية بفارق يوم واحد؛ صنعاء أعلنته يوم 30 سبتمبر وعدن أعلنته يوم 1 أكتوبر. ربما كان عليهما الاحتكام لرؤية الهلال أولاً! لكن سماء مدارسنا لم تعد فيها من أهلّة ولا شموس. فقط، غيوم سوداء تمطر قنابل وصواريخ، وباحات يتوافد إليها الجوعى لاستلام فتات المساعدات. يتوافدون باكراً، بصحبة أبنائهم الذين يصدف أن يكونوا طلبة مازالوا منتظمين في نفس المدرسة أو متسرّبين منها لأسباب تتعلق غالباً بالأمن المعيشي.

لا أحد يهتم بما ينتج عن احتضار التعليم في اليمن بهذه الحدة والتسارع؛ النتيجة الحتمية لإهمال كهذا للتعليم تظهر على المدى البعيد في هيئة شلل نصفي للتفكير إزاء المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. بعبارة أخرى، تظهر في صيغة تذمر ويأس من إمكانية بناء دولة تلبي احتياجات مواطنيها في أوقات السلم والحرب على حد سواء.

المصدر: العربي

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى