أخبار وتقارير

مجلة امريكية: ترامب يعيش «حالة من التخبط» إزاء تفاقم الأوضاع الإنسانية في اليمن

يمنات

مع دخول حرب اليمن شهرها الثلاثين، على وقع ارتفاع حصيلة الضحايا المدنيين، وتجاوز عدد الإصابات بمرض الكوليرا 600 ألف، رأت مجلة «فورين بوليسي» أن الولايات المتحدة اختارت «غض النظر عن أخطاء السعودية في اليمن»، مشيرة إلى أن واشنطن، منذ البدء، وجدت في تلك الحرب «وسيلة غير مكلفة لإظهار دعمها لحليفتها» الرياض، في الوقت الذي يتحول فيه الوضع هناك إلى «مستنقع» للأخيرة.

وفي سياق متصل، نقلت المجلة عن مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين، تصوراتهم بشأن الحرب في اليمن، وتحذيرهم من «التبعات العكسية» لتلك الحرب على الاستقرار في الشرق الأوسط، وعلى العلاقات الثنائية بين واشنطن والرياض، حيث برزت أصوات من الحزبين الجمهوري والديمقراطي داخل الكونغرس الأمريكي تعارض استمرار دعم الولايات المتحدة دون فرض شروط مسبقة عليها، خصوصاً في مجال حقوق الإنسان، والتزام الاتفاقيات الدولية.

ولفتت المجلة الأمريكية إلى أن «الشراكة المثيرة للجدل» بين «الدولة الديمقراطية الأولى» وبين «آخر الأنظمة الملكية الشمولية» على مستوى العالم، مثلت على الدوام علاقة تعج بـ«التناقضات»، وتقوم على صيغة تبادلية بين تقديم واشنطن للدعم الأمني للرياض، مقابل توفير الأخيرة الشروط المثلى لاستقرار أسعار النفط عند مستويات «معقولة»، على حد تعبير المجلة. 

وبحسب ما أفاد الضابط المتقاعد في وكالة الاستخبارات المركزية، والكاتب الأمريكي المعروف بروس ريدل، للمجلة، فقد تبين أن «اليمن لم يتمتع بأهمية كبيرة بالنسبة للإدارات (الأمريكية) المتعاقبة». وأكمل ريدل، الذي يعد لإصدار كتاب عن العلاقات الأمريكية السعودية تحت عنوان «الملوك والرؤساء»، قائلاً إن «المسألة الأكثر أهمية بالنسبة للرؤساء الأمريكيين، كانت تتمثل في أن يحتفظوا بعلاقات جيدة مع السعوديين، وذلك على حساب التضحية (بأرواح) اليمنيين». ففي قضية الحرب التي تقودها السعودية في اليمن منذ العام 2015، وقفت إدارة الرئيس باراك أوباما إلى جانب الرياض، ومدتها بدعم استخباري ولوجستي، تحت عناوين تتصل بـ«دعم الحكومة الشرعية» برئاسة هادي، المدعوم سعودياً، وبـ«صلاح العلاقات المتوترة مع السعوديين» بعد الاتفاق النووي مع إيران، الذي أخاف حلفاء واشنطن في الخليج، قبل أن تعمد الإدارة نفسها إلى تخفيض حجم الدعم المقدم للسعودية على خلفية ارتفاع الضحايا المدنيين جراء تلك الحرب. ووفق ما أدلى به مسؤول أمريكي سابق لـ«فورين بوليسي»، فإن الإدارة الأمريكية السابقة وجدت نفسها في فترة لاحقة من حرب اليمن، بين ثلاثة خيارات رئيسية، أولاها يتمثل في أن توفر واشنطن المزيد من الدعم لحليفتها الخليجية، فيما يقوم الثاني على مبدأ عدم القيام بأي شيء لدعم الرياض، قبل أن تستقر إدارة الرئيس أوباما على قرار المضي قدماً في إجراءات بغرض «تخفيف المخاطر» اللاحق بالمدنيين جراء الغارات السعودية.

وتابعت «فورين بوليسي» أن الإدارة الأمريكية الجديدة لم تول اهتماماً لمجريات الأزمة اليمنية، ولم تعتبرها «أولوية» على صعيد ملفات السياسة الخارجية، لافتة إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب واصل سياسات سلفه في اليمن، وفق وضعية «الطيار الآلي»، مع اهتمامه بـ«توسيع التعاون» مع المملكة العربية السعودية في ما يخص الحرب هناك. فالعناصر العسكرية الأمريكية التي تقوم بجهود «استشارية» في مسارح العراق وسوريا وأفغانستان، تتولى حالياً مهام «أكثر خطورة» على المسرح اليمني، عبر انخراطها في «القتال المباشر» (ضد عناصر «القاعدة») خلال بعض العمليات العسكرية إلى جانب حلفائها الخليجيين.

وفي هذا الإطار، أوردت المجلة حديث مسؤول عسكري أمريكي رفض الكشف عن اسمه، عن وجود «دعم عسكري مباشر» على الأرض تقدمه القوات الأمريكية، لحلفائها، بموازاة «الدعم اللوجستي». وأوضح قائلاً: «إننا لا نتشارك المعلومات الاستخبارية، ولكننا نقدم لهم الخدمات الاستشارية، ونقوم بمرافقتهم لإتمام بعض المهام والعمليات». وعاب المصدر المسؤول الأمريكي ضعف «الدور الرقابي» لواشنطن على سير العمليات العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن، منتقداً عدم وضع الولايات المتحدة «سياسة متكاملة وشاملة» إزاء الأزمة اليمنية.

وفي محاولاتها استعراض ضعف موقف إدارة الرئيس ترامب إزاء السلوك السعودي في اليمن، وانحيازها إلى مقاربة الرياض التي تميل إلى تحميل «الحوثيين» مسؤولية تردي الأوضاع هناك، توقفت المجلة عند رفض المملكة العربية السعودية في يناير الفائت السماح بشحن 4 رافعات إلى ميناء الحديدة اليمني، لتعويض تلك التي دمرها طيران «التحالف»، وفق خطة أعدها «برنامج الأغذية العالمي» للحد من تفاقم الأوضاع الإنسانية في اليمن، مشيرة إلى فشل محاولات المسؤولين الأمريكيين على مدى ثمانية أشهر في «إقناع» الجانب السعودي بتسهيل وصولها للميناء، بدعوى اشتراط السعوديين موافقة «الحوثيين» على المقترح الأممي القاضي بوضع الميناء اليمني الاستراتيجي تحت إشراف الأمم المتحدة.

على هذا الأساس، اعتبرت «فورين بوليسي» أن اكتفاء الإدارة الأمريكية بـ«إبداء قلقها» حيال الوضع في اليمن، في الوقت الذي تقوم فيه بتوفير الدعم للرياض، ترك فريق إدارة الرئيس ترامب يعيش «حالة من التخبط» إزاء تفاقم الأوضاع الإنسانية «المأساوية» في البلاد. كما، ألمحت المجلة إلى عدم جدية الوعود السعودية من أجل تخفيف حصيلة الضحايا من المدنيين في اليمن، لافتة إلى رسالة كان قد بعث بها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، إلى نظيره الأمريكي ريكس تيلرسون في يونيو الماضي، وتعهد فيها أن تقوم بلاده بـ«اتخاذ تدابير للحد من سقوط ضحايا مدنيين»، دون حدوث تغيير فعلي في السلوك السعودي. ففي تقرير أصدرته منظمة «هيومن رايتس ووتش»، أوردت المنظمة أدلة حول وقوع خمس غارات بعد رسالة الجبير، وقد راح ضحيتها 39 مدنياً، بينهم 26 طفلاً.

ومن منظور «فورين بوليسي»، فقد أظهرت مقاومة الرياض للطلب الأمريكي بالسماح بدخول الرافعات الأربع إلى ميناء الحديدة اليمني، أن «البيت الأبيض ووزارة الدفاع الأمريكية لم يعمدا إلى استثمار سوى قدر قليل من الرصيد السياسي» بحوزتهما، من أجل حث السعوديين على الموافقة على الطلب. وفي مؤشر على حجم التأثير الأمريكي بدوائر الحكم في الرياض، أوضحت المجلة أن «(العناصر العسكريين) السعوديين الجالسين في (غرف العمليات) في الرياض، إنما يحصلون على توجيهاتهم في ما يخص وضع الأهداف، وتنفيذ الغارات من وزارة الدفاع الأمريكية»، مشيرة إلى أن ذلك «يقوّض» حجج المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة، نيكي هايلي، بشأن حل الأزمة الإنسانية في اليمن، وفق رؤية الرياض.

المصدر: العربي

زر الذهاب إلى الأعلى