العرض في الرئيسةفضاء حر

غرقت اغنية الشمس و الحياة..

يمنات

عبد الكريم الرازحي

مُنتهى .. ولدت وكبرت وتبرعمت وتفتحت مثلما تتفتح زهرة في الربيع وراح اريجها يعبق وصدرها يتكوّر 
وصوتها يزداد جمالا وعذوبة لكنها لم تكن تتكلم ، كانت تغني فقط وقداشتهرت في القرية على انها عجماء 
لكنها عجماء تغني .

ولشدة جمال صوتها كان العكابر لايشكون ولايتبرمون ولاينزعجون منها وهي تغني في الصباح الباكر وهم نيام 
على العكس كانوا يستيقظون فرحين على اغانيها ويرهفون آذانهم ليسمعوها .

ووحده الفقيه سعيد كان يتضايق ويضيق بها وبغناءها ويشكوها الى ابيها عبد الله الصانع ويطلب منه ان يمنعها من الغناء .

كانت تستيقظ قبل ان تستيقظ القرية وتحمل جرتها وتمضي الى النبع لجلب الماء وهي تغني بصوت شجي وتستمر في الغناء الى ان تشرق الشمس

كان ابوها بتحريض من الفقيه سعيد يمنعها من الغناء ويقول لها محذرا : 

-لاتغني يامنتهى لو سمعتك تغني مرة ثاني سوف اضربك وكانت تعده وتقول له بلغتها الصامتة بانها لن تغني 
لكنها في الصباح وهي في طريقها الى النبع لتملا جرتها بالماء كانت تنسى نفسها وتنسى تحذيرات ابيها ووعدها له وتنسى ان لها ابا وتنفجر رغما عنها بالغناء وتظل تغني الى ان تشرق الشمس .

وكانت منتهى من بعد شروق الشمس تتوقف عن الغناء وتلوذ بالصمت وتبقى صامتة طوال اليوم 
ابدا لم يحدث ان غنت في وقت غير الوقت لذلك ظل العكابر ينتظرونها كل صباح بشوق ولهفه 

وذات يوم ضربها ابوها ضربا مبرحا وقال لها وهو يواصل ضربها :

– والله لا اقتلك يامنتهى لو غنيت مرة ثاني .. كم مرة قلت لك الغناء حرام ..اسمعي الكلام يابنتي و توقفي عن الغناء .

الفقيه سعيد رجل الله في القرية ويعرف مايضرنا وماينفعنا ..ماهو الحلال وماهو الحرام وكل يوم ينصحنا ويطلب مني امنعك من الغناء وانت مش راضي تسمعي كلامي ..ديننا يامنتهى يحرم الغناء حتى على الرجال وانت بنت مايجوز اسكت عليك ولوسكت وسيبتك تغني ايش اقول للفقيه سعيد !هل اقول له بنتي عاصية لاتسمع كلامي !
وفي صباح اليوم التالي استيقظ العكابر على صوت منتهى وهي تغني وقال الفقيه سعيد يومها لابيهاوهو في غاية الغضب:

– يمين لوهي بنتي وتعصي كلامي اقتلها
وبعدئذ حبسها ابوها في البيت ولم يسمح لها بالذهاب الى النبع وحين جاء وقت الغناء سالت دموعها لكنها بعد ثلاثة ايام من بقاءها في البيت محبوسة سمح لها بالذهاب الى النبع بعدا ن حذرها وهددها بالقتل ان هي غنت 
ويومها غنت منتهى اغنية فرحة جعلت القلوب ترقص فرحا والشمس تشرق قبل موعدها .

وبعد عودتها للبيت ضربها ابوها ضربا هو الاعنف والاكثرة قسوة حتى ان الدم انبجس من فمها وانفها واقسم يومها بانه سيقتلها ان هي عصته وغنت ثانية .

وفي صباح اليوم التالي طلب منها ابوها ان تذهب لتجلب ماء من بركة القرية بدلامن الذهاب الى النبع
وهذه المرة خرجت منتهى وهي تحمل تنكة مخصصة لجلب الماء الملوث من البركة وهو الماء الذي به تُغسل الملابس ويقدم كماء شرب للبقر.

وفي طريقها الى بركة القرية اجهشت منتهى بالغناء وبدت وهي تغني كأنها تبكي وتجهش بالبكاء .. كأنها تودع القرية والناس والحياة .

ويومها داخل العكابر شعور بالحزن وهم يسمعونها تغني ومن شدة تاثرهم انبجست الدموع واغتسلت وجوههم بدموعهم واستولى عليهم شعور بالكآبة ومماضاعف من كآبتهم هو ان الشمس لم تشرق يومها.

وفي عصر نفس اليوم اكتشف العكابر ان البنت منتهى التي خرجت في الصباح وجرحت عيونهم وقلوبهم باغانيها لم تذهب الى النبع كعادتها وانما ذهبت الى بركة القرية وغرقت في مياهها ومعها غرقت اغنية الشمس واغنية الحياة.

من حائط الكاتب على الفيسبوك

زر الذهاب إلى الأعلى