أخبار وتقاريرالعرض في الرئيسة

مدينة تعز .. فصائل متناحرة وانفلات امني ومحاكم متعددة واعدامات خارج القانون

يمنات

أدى غياب الأجهزة القضائية، المتمثلة بالمحاكم والنيابات على وجه الخصوص، عن مدينة تعز، إلى نشوء أجهزة بديلة خارج إطار القانون وسلطة الدولة، أو قل إن ثمة علاقة طردية بين ممارسات الفصائل المسلحة التي تتعمد تهشيم الأجهزة الرسمية، وبين عجز هذه الأخيرة عن فرض أدنى مظاهر الأمن والعدل.

معظم فصائل “المقاومة الشعبية” في تعز تعمل بصورة تشبه إلى حد كبير طريقة المجاهدين الأفغان؛ فلكل فصيل مسلح محكمة عدلية، تعمل خارج إطار الدولة والسلطة القضائية، وتمارَس فيها جملة من الإنتهاكات بحق سكان المدينة، كما تُستخدم لتصفية الحسابات مع الخصوم أو المعارضين أو حتى من ينتقد تلك الفصائل بمقال أو بمنشور على مواقع التواصل الإجتماعي، في حين تعمل “الحكومة الشرعية” وفق قاعدة “لا أرى لا أسمع لا أتكلم”، وإن كانت عاجزة فعلاً عن فعل أي شيء إلا أن ذلك لا يعفيها من الإدانة على أقل تقدير.

مصادر في “المقاومة الشعبية” كشفت، في حديث إلى “العربي”، أن “عدداً من فصائل المقاومة لديها محاكم غير قانونية، من بينها كتائب حسم، التابعة للقيادي في المقاومة الموال لحزب التجمع اليمني للإصلاح، (عدنان رزيق)، وكتائب أبو العباس التابعة للقيادي في المقاومة عادل عبده فارع المعروف بأبو العباس، بالإضافة إلى محاكم تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، وتنظيم القاعدة، تتمركز في الجحملية السفلى و سوق الصميل. وأضافت المصادر أن “خمس محاكم على الأقل استحدثتها هذه الفصائل، كما أن عدد السجون الخاصة يصل إلى قرابة 13 سجناً خاصاً، منها 4 تابعة لفصائل المقاومة التابعة لحزب التجمع اليمني للإصلاح”.

كثيرة هي المحاكمات التي أقامتها هذه المحاكم المستحدثة من قبل فصائل “المقاومة” في تعز، وكثيرة هي حالات الإعتقال التعسفي والتغييب القهري التي يتعرض لها سكان المدينة؛ فبمجرد أن تختلف مع توجهات ذلك الفصيل أو تنتقده بمنشور في “فيس بوك” يتم اعتقالك وربما تدفع حياتك ثمناً لضغط زر واحدة.

الناشط الحقوقي، نجيب البريهي، يسرد، في حديث إلى “العربي”، تفاصيل بعض المحاكمات غير القانونية التي أقامتها المحاكم المستحدثة داخل المدينة.

يقول: “تقريباً منذ قرابة العام ونيف، ومدينة تعز تشهد اعتقالات ومحاكمات شكلية تصل في حالات كثيرة إلى تنفيذ حكم الإعدام، على سبيل المثال لا الحصر، حادثة تنفيذ حكم الإعدام الشهيرة، للشاب فؤاد المليكي، أحد أفراد كتائب حسم، بعد محاكمة صورية لا تتعدى الثلاث ساعات، أقامتها محكمة كتائب حسم، ليقوم بعد أيام من تنفيذ حكم الإعدام قائد كتائب حسم، القيادي في المقاومة الشعبية، ورئيس عمليات قيادة محور تعز، إلى جانب كل من وكيل أول محافظة تعز، عارف جامل، والنائب البرلماني في حزب الإصلاح، عبد الله أحمد العديني، والعميد محمد المحمودي، نائب مدير شرطة تعز، بتحكيم أسرة الشاب فؤاد المليكي، الذي أعدمته الكتائب بحي بير باشا غرب المدينة، ويقر قائد كتائب حسم، عدنان رزيق، بأن إعدام فؤاد المليكي كان تسرعاً غير محمود ولا أخلاقي، وأن المليكي لم يكن إلا ضحية لتلك المحاكم المستحدثة والخارجة عن القانون.

و يتابع البريهي أن “كتائب أبو العباس داهمت إحدى قرى صبر، مطلع العام الجاري، بأكثر من ثلاثة أطقم عسكرية محملة بأفراد مدججين بأسلحتهم الشخصية، وقاموا باعتقال الشاب أنس فاضل، بتهمة جريمة قتل، وبعد اعتقاله بأيام، أصدرت محمكة باب موسى، التي يرأسها القاضي أبو البراء، من محافظة حضرموت، حكم تنفيذ الإعدام، على الرغم من عدم وجود أي دليل يثبت تورط أنس في التهمة الملصقة به”.

و يشير البريهي إلى أنه “تم رصد أكثر من 8 حالات لفتيات يصلن إلى مستشفيات المدينة بعد تنفيذ حكم الجلد عليهن، والتهمة هي التبرج، ناهيك عن المحاكمات التي تتم في دهاليز تلك المحاكم”.

في المقابل، يرى البعض أن هذه الظاهرة جاءت نتيجة لغياب الأجهزة القضائية، مدافعاً بأنها “ساهمت في حل الكثير من القضايا”.

الحاج قاسم فاضل روى، في حديث إلى “العربي”، أن “لديه قضية ظلت عالقة في أروقة المحاكم أكثر من ثلاث سنوات ولم تبت فيها، لكن القاضي أبو البراء، قاضي المحكمة العدلية، التابعة لكتائب أبو العباس في باب موسى، بت فيها وأخذ له حقه من غريمه في وقت قياسي لا يتعدى الأسبوع”.

إلا أن قانونيين ومحامين يذهبون إلى القول إن “وجود هذه المحاكم المستحدثة مخالف للقوانين المحلية والدولية”، مرجعين إياه إلى “غياب الدولة وعدم إعادة تفعيل المحاكم والنيابات الرسمية للعمل في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية”.

و يؤكد أحد قضاة المجلس الأعلى للقضاء، في حديث إلى “العربي”، أن “هذه المحاكم مخالفة للقانون، والقانون لا يقر سوى المحاكم التي تنشأ وفقاً للقانون من قبل الدولة”.

من جهته، يلفت المحامي، عبد الرحمن البشيري، في تصريح إلى “العربي”، إلى أن “تعز تعيش حالة حرب، والسلطة القضائية مثلها مثل بقية مؤسسات الدولة التي توقفت عن العمل في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة الشرعية، منذ ما يزيد عن عامين، وما تقوم به بعض فصائل المقاومة من استحداث محاكم عدلية هو مخالف لجميع القوانين المحلية والدولية”.

و يرى البشيري أن “المسؤولية حيال مثل هذه الأعمال الخارجة عن القانون، والتي يكون المواطن البسيط وحده ضحيتها، تقع على عاتق الجهات المختصة، المتمثلة بقيادة السلطة المحلية أولاً، وقيادة السلطة القضائية ثانياً، بإعادة فتح المحاكم والنيابات، وتوفير الحماية الأمنية لها”.

المصدر: العربي

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى