العرض في الرئيسةفضاء حر

من يشكل وعينا ؟

يمنات

فتحي بن لزرق

شخصية “فيسبوكية” جنوبية على الفيس بوك اثارت انتباهي قبل اشهر من اليوم.
مالفت نظري ان منشوراته تلاقي رواج كبير رغم انه لايضع صورته الشخصية ولايعرف الكثير من الالاف الذين يتابعونه من هو؟ ولم يظهر قط في أي احتفالية رسمية او مناسبة عامة وكل مايضعه هو صورة شخصية لاحد الشهداء كصورة رمزية بالفيس بوك له.

المهم دخلت لهذا الشخص بالخاص بالفيس بوك واشدت بنشاطه وحجم التفاعل الشعبي معه وقلت له انني اريد ان التقي به كان يهمني ان اعرف عن قرب شخصية جنوبية تشكل وعي ناس كثيرة.

ضحك الرجل وقال :” ايش تريد مني؟انا قليل الالتقاء بالناس.
قلت له :” والله ولا شيء فقط ممكن نتغدي مع بعض ونسلم عليك ونتعارف.
قال :” حاضر بس شفنا ارقد الساعة 7 الصباح واصحي 2 بعد الظهر
قلت له :” مافيش مشكلة الساعة 2 بتصل لك.
في اليوم التالي الساعة 2 بالضبط اتصلت عليه كان لتوه صحي من النوم .
قلت له فينك قال تعال لي الى جولة القاهرة .

وبعد نصف ساعة كنت هناك بسيارتي اتصلت له ولم اكن اعرف شكله من قبل ،وجدته على غير ماتوقعت رجل نحيف اشعث اغبر في الاربعينات من عمره تبدو عليه اثار السهر وتعاطي القات والدخان.

سلمنا على بعض وانطلقنا صوب مطعم الشرق الاوسط بخط التسعين وتغدينا هناك.
خلال الغداء حرصت على ان اكوّن اكبر قدر من المعلومة عنه .
عرفت انه يعيش في “عدن” منذ سنوات طويلة بعد تجربة زواج قصيرة وفاشلة وانه حاليا جندي في الجيش الذي تشكل مؤخرا .

تغدينا وانطلقنا الى سوق القات في المنصورة .
سألني تخزن ؟ قلت له لا قال اذا انتظرني اشتري قات وارجع لك.

بعد قليل عاد حاملا كم هائل من اعواد القات وباكتين سجارة وكيس صغير (شمة).
صعد الى السيارة وسألني :” الى وين تشتينا نروح .؟
قلت له الى مقر اقامتك
ضحك وقال :” مابيعجبكش المكان.
قلت – لاعادي خلينا نشوف
قال :” انا اعيش حارس عمارة حق واحد من اصحابنا بخط عدن –تعز وهناك اعيش
قلت له :” خذنا الى هناك نجلس شوية وبعدها انا بمشي .
قال :” حاضر

رحنا الى هناك وصعدنا الدور الثالث من العمارة ودخلنا الغرفة وكان فيها 3 عمال من تعز
التفت اليه وقلت له :” كيف تكتب كل يوم بضرورة طرد العمال الشماليين وانت عايش معهم؟
ضحك وبدأ وكانه انشغل بترتيب مدكة له .

جلست الى جانبه وسألته كيف استطاع حشد هذا الكم من المتابعين له على الفيس بوك وهو لايملك لا علم ولاثقافة ولا حضور سياسي ولاغيره.

قلت له :” لماذا تخون اغلب السياسيين والنشطاء والشخصيات وغيرها؟ هل هم فعلا كذلك؟

ضحك وقال :” ياخي الناس تشتي اكشن مايشتوش منشورات باردة وانا ماعندي شيء اخسره .
مسك هاتفه النقال وفرش سلة القات التي اشتراها تحت وبدأ تدخين سيجارة واخذ نفس عميق. 

وبدأ بكتابة احد المنشورات وببطء اخذت اراقب التعليقات على المنشور ، كان المنشور يهاجم تيار سياسي جنوبي ويتهمه بانه يعرقل مسيرة الثورة والنضال ووو.

بادرته متسائلا :” كيف تعيش يا اخ ومن وين تصرف ؟
قال :” راتب الجيش وبعض الاخوة المغتربين مايقصروش.

لمعت في ذهني كلمة “المغتربون” وفهمت جزء كبير من خلفية المنشورات التي يكتبها .
الى حد كبير نجح هذا الرجل في مخاطبة مشاعر “المغتربين” الملتهبة والغاضبة والطامحة بالعودة لكنه للاسف يخاطبها بسلوك عدواني.

استئذنه مغادرا عقب ساعة من جلوسي عنده ، نظر نحوي وقال :”انتبه تكتب عني منشور وغرق في ضحكة طويلة .

هززت راسي وغادرت ..

كان يهمني ان اعرف هوية احد المفسبكين الذين يضخون كم هائل من الكراهية الجنوبية الجنوبية والشمالية الجنوبية ايضا ، معرفة الاشخاص الذين يخلقون كل هذا الكم من التوتر بحياتنا ومن يكونوا.

في طريقي الى مكتبي تسألت مرار وتكرارا .. كيف يمكن لعينات كهذا ان تشكل وعي مجتمعنا اليوم ؟

من حائط الكاتب على الفيسبوك

زر الذهاب إلى الأعلى