تحليلات

قراءة جديدة في الدول المقاطعة لقطر، وأبعاد التدخّل الأميركي في آخر لحظة قبل بيان القاهرة وكيف تفوقت الدوحة على خصومها ؟

يمنات

 عبدالكريم المدي

على غير المتوقّع جاء بيان اجتماع وزراء خارجية السعودية ومصر والإمارات والبحرين في القاهرة ،بخصوص قطر، باردا وخاليا من أي نبرة تصعيدية أو تهديدات مباشرة ، خلاف ما كان عليه الحال في التصريحات الرسمية والخطابات الإعلامية النارية قبله .

ومن تابع المؤتمر الصحفي للوزراء الأربعة يُلاحظ بأن في الأمر شيئ ما غير طبعي ، ولم يكن مرتبا له ، ويتجلّى كثيرا في عدم تركيزالوزراء على أسئلة الصحفيين ، حيثُ طلب أكثر من وزير إعادة طرح السؤال ، ناهيك عن وجود حلقة مفرغة في تنسيق المواقف ،قد يكون سببه حدوث  تغير مفاجىء  في اللحظات الأخيرة للاجتماع أربك المجتمعين وافسد ما كان مخططا ومتفقا عليه وما تم تجهيزه من قبل رؤساء اجهزة المخابرات من اليوم الاول للاجتماع الرسمي للوزراء، وهنا يقفزإلى الذهن سؤال :

ما الذي حصل تحديدا؟

وبتمعن بسيط ، سنجد جزءامن الإجابة في تأخر موعد بدء المؤتمر الصحفي ،وإنتظار الصحفيين وقتا طويلا في القاعة،ومن المناسب هنا ربط هذا الموضوع ببيان المتحدث باسم البيت الأبيض الذي أدلى به أثناء الاجتماع، وأكد من خلاله أن الرئيس” ترمب أجرى إتصالا هاتفيا بالرئيس المصري” عبدالفتاح السيسي” جرى فيه مناقشة الأزمة مع قطر ، مشيرا إلى أن ترمب ، شددعلى ضرورة التمسك بإتفاق العام (2014) بين كل من السعودية والإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة ثانية ، اضافة إلى ما صدر عن القمة الإسلامية الإميركية  في الرياض، موضحا بأن وجهات النظر تطابقتا بين الرئيسين.

نكتفي بهذا ونعتقد أن الصورة قد اتضحت ، وأن تدخُّل  واشنطن في الوقت بدل الضائع للاجتماع قد ادى إلى التهدئة ووقف التصعيد،لكن السؤل الهام في هذا السياق هو : ما الذي دفع إدارة ترمب إلى تغير الخطة وإجراء المكالمة بالسيسي في ذلك الوقت الحساس والقصير ؟

لعل الإجابة تأتي من خلال عدة عناصر أبرزها صاروخ كوريا الشمالية العابر للقارات والدعوة لانعقاد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي على خلفية هذا الأمر،والرد الأميركي / الكوري الجنوبي السريع على ” بيونج يانج ”  من خلال إطلاق صواريخ باتجاه الساحل الكوري الشمالي، ضف إلى ذلك الجهود الحثيثة التي قامت بها ألمانيا من خلال جولة وزير خارجيتها ” زيغمار جبرائيل ”  في المنطقة وتدخل برلين المباشرفي الأزمة بعد تنسيقها مع دول الاتحاد الأوروبي.

ومن المفيد ،أيضا،وضع هذه المستجدات في جعبة واحدة مع عبارة هامة قالها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أثناء المؤتمر الصحفي : ( تركيا أبلغتنا أنها تقف على الحياد ) ويأتي كلامه هذا طبعا بعد حملة إعلامية وسياسية شعواء ضد أنقرا تبنتها دول المقاطعة الأربع.

المهم الذي يُستشف من هذا كله وغيره هو أن هناك تحركات وجهودا إقليمية ودولية شديدة  للضغط من أجل تخفيف حدة الخلافات،رغم تأكيد بيان القاهرة بأن الرد القطري كان سلبيا.

على أية حال ،ومن باب الإنصاف، نعترف بأن الدبلوماسية القطرية بقيادة محمد بن عبدالرحمن آل ثاني وتحركه منذُ بداية الأزمة وحتى اليوم في العديد من العواصم الغربية ومختلف دوائر صناعة القرار في دول المركز ، اضافة للغة الرصينة إلى حد ما،التي واجهت بها الدوحة خصومها، سيما وأن نقاطهم قد نظر إليها كثيرمن المراقبين والجهات الرسمية على مستوى العالم بأنها غير منطقية ويصعب تنفيذها ، وفي تقديرنا أن قطر وظفت تلك الردود والمواقف وبنت عليهاإستراتيجيتها للتعاطي مع الأزمة.

نضيف ونقول : من تأمل في بيان القاهرة وشاهد المؤتمر الصحفي، سيلاحظ أن العديد من أسئلة الصحفيين كانت محرجة ،ولعل أكثرها إحراجا تلك التي تركزت حول الإجراءات القادمة تجاه الدوحة ،حيثُ حاول بعض الصحفيين صبغها بلهجة إنتقامية، لكن الإجابات عليها لم تخرج عن رد وزير الخارجية السعودي الذي قال سنتخذ إجراءات اضافية بعد التشاور ) محاولا إيجاد شيء من التوزان والتنسيق في المواقف من جهة، وإغلاق هذا الباب أمام الصحفيين والرأي العام من جهة ثانية.

الخلاصة:  في تصورنا إن قطر وإعلامها قد سجلا تفوقا ونقاطا هامة لصالحهما، وأستطاعا إمتصاص الصدمة وكسب تعاطف واسع على المستوى الإقليمي والدولي، عكس الأطراف الأخرى التي أتسم خطابها بالتعالي والاستفزاز وعدم الواقعية ،خاصة ما يتعلق منها بمسألة السيادة وغيرها .

المصدر: الغاية نيوز

زر الذهاب إلى الأعلى