العرض في الرئيسةفضاء حر

قتلوا شعورنا ليساونا بهم !

يمنات

اسيا الصراري

تفاصيل مؤلمة عن أخبار تستيقظ عليها كل صباح في وطننا العربي.. كل يوماً يموت العشرات وجرح المئات.. وأنهيار حضارات.. وبيع للأوطان.. الأبشع الأبشع سقوط الكرامات وإنهيار الإنسانية أمام شبح المصالح الذي فتك في أمتنا العربية وجعلها تتراجع من مرتبة الإنسانية التي كُرمنا بها نحن العرب كإنسان أولاً وكخير أمةِ أخرجت للناس كما قال الله في كتابه العزيز:” كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ”.

لا أتذكر متى كانت أول مرة قرأت بها مقال: ما وراء الصورة والخبر للكاتبة/هالة كوثراني ولكني لازلت أتذكر ذلك السؤال الذي طرحته ولازال يشغل فكري إلى يومنا هذا: لماذا هنا فقط يموت الإنسان ليصبح إنساناً ؟ سؤال ولد من رحمِ سؤالٍ أخر: لماذا وجدنا حيث الحروب تسحق كل شيء ؟ سألت حينها نفسها ذات السؤال بصيغة مختلفة مبسطة: لماذا ولدت في لبنان حيث الحرب تطحن كل شيء؟

دُلت حينها للبحث في الإستعمار وكتابات فرانتز فانون وما بعد الإستعمار ليبقى السؤال: ماذا ولدت أنظمة تزرع الموت وتدوس الحياة فينا؟

التساؤلات حول حقيقة الموت والحروب والدمار لا تصل بك إلى أجوبةٍ بالقدر الذي تفتح أبواباً لتساؤلات أخرى، ويبقى السؤال الأصعب ذاك السؤال الذي كان البوابة الرئيسية لتلك التساؤلات قد تجد لها أجوبته ما إن فتشت في تاريخ مجريات الأمور وحالفك الحظ في الوصول لحقائق أحداثٍ لم تدفن ككثير من الأحداث دون بلوغنا الحقيقة..لم تدفن خلف الزيف والتظليل.. وإستحقار فكرك من قبل العابثون بأفكرنا قبل أرواحنا…

حين جعلت من سؤالها حينها: لماذا هنا فقط يموت الإنسان ليصبح إنساناً ؟ وجدت نفسي أمام أسئلة مروعة توحي بموت الشعور فينا وإحتضار الضمير وهي الكارثة الأعظم: لماذا لم نعد نشهق ونستغرب ونستنكر جريمة قد تصعق العالم من هولها ؟ لماذا أصبحنا نصدق مانراه وما نقرأه هكذا دون أدنى تفكير نصدق كل شيء يحدث وأي شيء وإن كان مفبركاً مصطنعاً ؟ لماذا لم يعد أي مشهداً بنسبة لنا عجيباً ؟ ولم تعد تهزنا أخبار تساقط الأعداد الهائلة من الضحايا من الأعماق ؟ أ لأننا أعتدناها ومللنا الشهيق والإستنكار ؟ أم لأنهم قبل أن يُسقِطوا ضحايانا أسقطوا قبلها الشعور فينا ضحيةً عظما ؟ وهنا تكمن الكارثة.

أتهمنا تجار الحروب بموتِ الشعور.. بموتِ الضمير فقتلوا شعورنا ليساونا بهم ويمضون الآن نحو قتلِ ضمائرنا التي لازالت تصارع سكرات الموت في أعماق من عز عليهم التراجع لمرتبة ساستنا العرب,ليصبح محظوظون أولئك الذين غدرت بهم الحروب وغادرونا بإنسانيتهم.. محظوظون أولئك الذين ألقوا للجنون قبل أن يغدوا نسخة من أولئك العابثون بعقولنا وبإرواحنا ودمائنا.. العابثون بمستقبلِ وحضارة أمة.

زر الذهاب إلى الأعلى