العرض في الرئيسةفضاء حر

بين دكان المحلوي “علي سعيد” ودكاكين الفرق الدينية

يمنات

فكري قاسم

عُرف الحاج علي سعيد بأنه أشهر من يصنع الحلاوى والهريسة في اليمن، ومقره الوحيد يتواجد في مدينة الراهدة جنوب محافظة تعز. واشتُهر اسمه كعلامة تصنيع فائقة الجودة، ما جعل كثيراً من الناس يقلدون بضاعته، ويروجون لمنتجاتهم من الحلاوى باسم حلاوى علي سعيد.

و مع الوقت، أصبحت توجد على طول الخط بين مدينتي تعز ولحج عدد من المحلات بعد مفرق العند، كلها تبيع حلاوى للمسافرين، وكل صاحب محل من تلك المحلات، أو لنقل أغلبهم، كاتبين فوق بورتات محلاتهم الخاصة: «إحنا حلاوي علي سعيد ولا توجد لدينا أية فروع أخرى».

بالنسبة لنا في اليمن، وفي السنوات التي سبقت ظهور قوة «أنصار الله»، كان دكان النبي محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم مختطفاً من قبل «أنصار الشريعة»، الذين وضعوا بضاعة السماء كلها في معامل جامعة الإيمان، وشاهدنا «أنصار الشريعة» وهم يحتالون على الناس باسم الله وباسم الرسول وباسم كل مقدسات السماء، يقولون لنا: إحنا الأصل ولا يوجد لدينا أية فروع أخرى.

و في العام 2013، تغيرت الخارطة الدينية، واختطفت جماعة «أنصار الله» دكان النبي من مقر «جامعة الإيمان» بالعاصمة صنعاء، وهربت به إلى كهوف مران في محافظة صعدة، وشاهدناهم هم الآخرين أيضاً وهم يحتالون على الناس باسم الله والرسول وباسم كل مقدسات السماء، ويقولون للناس: إحنا الأصل ولا يوجد لدينا أي فروع أخرى!

و تشهد المنطقة العربية برمتها الآن نفس ذلك الصراع في سبيل الإحتيال على الناس والتغرير عليهم بأن ما يقدمونه هم لوحدهم دوناً عن غيرهم هو المنتج الحصري والوحيد للسماء، والبقية مجرد مقلدين ومتطفلين، وهذا الأمر يشبه تماماً قصة الحاج علي سعيد صاحب الراهدة.

واليمني اللي يشاهد الآن حال دكاكين الفرق الدينية المنتشرة في محيطنا العربي بمسمياتها المختلفة، تجي له نفس الربشة ونفس الحيرة ويتذكر محنة علي سعيد، إذ إن كل فرقة أو جماعة دينية تدعي أنها صاحبة الحق الحصري والوحيد في امتلاك الله والرسول، وغيرهم مافيش.

على أنها في واقع الحال مش أكثر من دكاكين للارتزاق، وما تبيعه للناس من عماء ذهني باعتباره منتج السماء الحصري إنما هو احتيال على قدسية الله والرسول، وكله في سبيل أطماع سياسية تستغل عاطفة الناس الدينية لتسويق بضاعتها والإحكام على رقاب الناس وأفكارهم ومصادر أرزاقهم تحت مسمى الحق الحصري للسماء.

و اليوم إحنا في القرن الواحد والعشرين دون أن يمكننا حتى اللحظة التعرف على من هو الأصل؟ ومن هو التقليد؟ كما أن الحروب التي تقدمها تلك الفرق للناس باسم الله أصبحت الآن هي حروب هذا العصر اللي احنا نعتصر وندوخ السبع الدوخات بين صراع تلك الدكاكين وفروعها المنتشرة في كل مكان، وكل فئة تتمكن من اختطاف الدكان سرعان ما تبخس بضاعة الآخرين وتقول للناس: إحنا الأصل، ولا توجد لدينا أية فروع أخرى!

في مايو 2012 طبعاً مات علي سعيد متأثراً بجلطة، واكتفى أبناؤه في ذكرى وفاة والدهم الأولى بإنتاج أفضل حلاوى، وقالوا للناس في بيان لهم: محلنا الوحيد في مدينة الراهدة، ولا توجد لدينا أية فروع أخرى.

لكن الكارثة الحقيقية هي أن النبي محمداً عليه أفضل الصلاة والتسليم مات قبل أكثر من ألف وخمسمائة سنة متأثراً بمتاعب حمل رسالة الرحمة والتسامح إلى العالمين، دون أن يترك لنا وصية تخبرنا مثلاً من هم الأصل ومن هم التقليد!

المصدر: العربي

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى