العرض في الرئيسةفضاء حر

الحراك الجنوبي .. “أطرش في الزفة”

يمنات

صلاح السقلدي

بعد أكثر من عامين من اندلاع الحرب التي ما تزال تدور رحاها في اليمن منذ مارس 2015م، وبعد مرور عقدين ونيف من الزمن على إعلان الوحدة بين دولتَي اليمن عام 1990م، والتي تصادف ذكراها السابعة والعشرون يوم الإثنين في 22 مايو، لم يعد التخوف الذي كان يتملك المواطن والنخب اليمنية، وبالذات في الشمال، مقتصراً على انقسام الجسد الوحدوي اليمني إلى شمال وجنوب، والذي هو بالأصل جسد مهترئ الأوصال واهن القوى منذ عام الحرب الشاملة في 94م، بل أضحى هذا التخوف من انفراط حبات السبحة اليمنية كلها من أقصى شمال البلاد إلى أدنى جنوبها وغربها وشرقها.

الخطوات التي اتُخذت في الجنوب مؤخراً، وبدعم إماراتي – كما يعتقد حزب «الإصلاح» -، والتي منها إعلان حضرموت عن نفسها إقليماً منفصلاً بخلاف ما يخطط له الحزب والرئيس هادي من أن يكون هذا الإقليم – المفترض إقامته – يشمل ثلاث محافظات أخرى إلى جانب حضرموت هي شبوة والمهرة وسقطرى، فضلاً عن إعلان عدن الشهير قبل أسبوعين تقريباً والمتمثل بإشهار «المجلس الإنتقالي الجنوبي»، وغيرها من الإرهاصات، باتت تنظر إليها النخب والقوى الشمالية، على تعددها واختلافاتها السياسية والأيديولوجية، وليس فقط القوى التي ابتهجت لحرب 2015 ودعت إلى شنها، على أنها مؤشرات تستحق إبداء القلق حيالها، إذ قد تؤدي في نهاية المطاف إلى انفصال الجنوب عن الشمال في وقت ما يزال فيه الشمال تتنازعه جهات داخلية وإقليمية مختلفة.

هذه القوى، أي القوى اليمنية التي رحبت بالحرب ورأت فيها وسيلة لاستعادة سلطتها من جماعة الحوثيين (أنصار الله) وقوات الرئيس صالح وعلى رأسها حزب «الإصلاح»، لا ترى، بعد عامين من الحرب، أن انفصال الجنوب يمثل فقط رغبة جنوبية، بل ورغبة إماراتية، برغم تأكيد أبوظبي التزامها بالحفاظ على الوحدة اليمنية. هذا الشعور الذي يعتري حزب «الإصلاح»، وغيره من القوى اليمنية، حيال مصير الوحدة اليمنية، لم يعد يرى في الرغبة الجنوبية خطراً مباشراً على الوحدة، برغم كل الدلائل التي تؤيد ذلك، والتي منها أن الرغبة الجنوبية الإستقلالية لم يخفت وهجها أو تخبُ شعلتها، بل على العكس، فقد تنامت إلى مستوى لم يسبق له مثيل من قبل، لاعتقاد تلك القوى الشمالية، ومنها كما أسلفنا حزب «الإصلاح»، أن التطلعات الجنوبية الإستقلالية، وإن كانت قد أضحت بأعلى مستوياتها اليوم، إلا أن ثمة تصادماً مباشراً بينها وبين المصالح الخليجية والسعودية تحديداً، قد يحدث إن مضى الجنوب قدماً في تنفيذ ما يصبو إليه. وهذا التصادم ترى فيه تلك القوى صمام أمان للوحدة، على الأقل في الوقت الراهن، وهو الوقت الحرج بالنسبة لها ولليمن كله.

وبرغم كل التوجس التي تبديه القوى المذكورة تجاه المواقف السعودية في ما يتصل بالقضايا اليمنية ومنها الوحدة، كونها لم تنس بعد موقف الرياض الداعم للطرف الجنوبي في حرب94م، إلا أنها ترى أن الجنوب بثورته ومقاومته ونخبه المختلفة لن يجازف بإعلان القطيعة مع الرياض والدخول معها في قطيعة سياسية أو بصدام مسلح، هذا فضلاً عن القناعة لدى تلك القوى اليمنية بأن المصالح السعودية ستكون بالأخير الفيصل لتحديد مصير الوحدة. فليس من مصلحة المملكة اليوم ولا في المستقبل المنظور إعطاء الجنوب ما يريده، وهو الذي يتمتع بالثروة والمساحة والكثافة السكانية القليلة، وحشر الشمال بكثافة سكانه ومحدودية موارده في زاوية ضيقة ليتفجر بوجهها ذات يوم، علاوة على أن القوى الشمالية، وبالذات التي انخرطت في الحرب إلى جانب السعودية و«التحالف»، لن تتردد في تلبية كل المطالب السعودية في اليمن وبالذات المطالب الإقتصادية، من قبيل فتح أراضي حضرموت كممر نفطي سعودي على بحر العرب، وغيرها من الأطماع السعودية في اليمن، والتي من شأن تلبيتها أن يجعل السعودية تصرف نظرها عن الجنوب تماماً، وبالتالي تضمن بقاء الجنوب ولو عنوة داخل إطار الوحدة.

وبرغم المد والجزر بين الشعور بالاطمئنان والشعور بالقلق لدى القوى اليمنية إزاء موضوع الوحدة، إلا أن الذي يقلقها إلى حد الفزع هو حالة المزاج الشعبي والنخبوي والاجتماعي الجنوبي الرافض لاستمرارية وحدة من هذا القبيل أو حتى القبول بوحدة يعاد صياغتها بقوالب جديدة. فالرفض الجنوبي الحاصل اليوم على كل المستويات، وعلى طول المساحة الجنوبية، وبين كل الشرائح لكل ما هو شمالي، هو ما يبدد أي تفاؤل شمالي بديمومة الوحدة، برغم كل التنازلات والاغراءات الشمالية للجيران والتي لم تبق من هذه الوحدة غير اسم بلا جسم، ثم جاءت الحرب ومآسيها لتضاعف من حالة الصدود الجنوبي تجاه كل ما هو شمالي بعد خسائر بشرية طائلة.

هذا الشعور اليوم لم يعد مقتصراً على النخب الشمالية فقط – أقصد الشعور باحتمالية تمزق البلاد – بل يطال الجنوبية أيضاً. فمشروع الدولة الإتحادية من ستة أقاليم، والتي يخطط لها حزب «الإصلاح» والقوى الجنوبية النفعية المحيطة بالرئيس عبد ربه منصور هادي، ومن خلف هؤلاء كلهم المملكة العربية السعودية، أوجد حالة من القلق لدى النخبة الجنوبية والمواطنين على السواء على مصير ومستقبل الجنوب كوحدة سياسية وجغرافية موحدة، خصوصاً بعدما أضحت الأرض الجنوبية ساحة صراع إقليمي حاد، وأجمع كل خصوم الجنوب وشركائه على السواء على عدم التعاطي بجدية مع المطالب الجنوبية التحررية، وكثُر في الساحة الجنوبية اللاعبون إلى درجة لم يعد معها بوسع الثورة الجنوبية (الحراك الجنوبي) أن تميز الصديق من الخصم، أو أن تفرّق بين ما يضرها وما ينفعها.

لقد أصبح الحراك الجنوبي في خضم هذا الضجيج وهذه الجلبة الصاخبة أشبه بـ«أطرش في الزفة»، لاسيما بعد الطريقة الخاطئة التي اتبعها منذ أول يوم لهذه الحرب، والتي كشف فيها أول وأهم وأغلى أوراقه السياسية والعسكرية والاجتماعية أمام خصومه وأمام من اعتقد أنهم شركاؤه، سواء شرعية هادي التي قلبت ظهر المجن بوجهه أو دول «التحالف» التي – لو استثنينا التفهم الإماراتي للمطالب الجنوبية والذي يظهر على استحياء بين الفينة والأخرى – لم تأبه على الإطلاق للتعاطي مع القضية الجنوبية ولو بالحد الأدنى، ولا حتى مراعاةً للمشاركة الفعالة الجنوبية في الحرب، هذه المشاركة التي أخرجت «التحالف» من حالة الإحراج التي اعترته بعد أن تبدى لدوله خطأ حساباتها في الشمال.

وبالتالي، فالجنوب اليوم وحراكه الثوري في وضع «حيص بيص»، لا يقل حرجاً عن موقف القوى الشمالية القلقة على مصير الوحدة اليمنية. وفي تقدير كاتب هذه السطور، فإن المخرج الجنوبي من هذا الوضع المشوش لن يكون إلا بمواصلة حالة الصحوة الثورية والسياسية التي بدأت بالبروز في الآونة الأخيرة بشكل جيد في أوساط النخب والجماهير الجنوبية، واستعادة روح الثورة الجنوبية من بين أنياب الشركاء قبل الحلفاء، بعد تراخ وموات جنوبي خطير دام عامين، وكاد يودي بالجنوب وبمستقبله إلى هوة سحيقة ما لها من قرار.

المصدر: العربي

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى