إختيار المحررالعرض في الرئيسةتحليلات

لماذا هرب “اردوغان” من قمة الرياض إلى البيت الأبيض..؟ وهل سيتمكن “ترامب” صناعة “سعودية” أخرى في تركيا..؟

يمنات

عبد الوهاب الشرفي

يلتقي الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بالرئيس الامريكي دولاند ترامب يوم الـ 16 من مايو الجاري  في واشنطن. وتأتي هذه القمة في ظل علاقات تركية امريكية متوترة على خلفية ملفات عدة.

قبل ان يحج زعماء دول عربية و اسلامية الى قمة ترامب في السعودية سيحج اردوغان الى ترامب في واشنطن وسيكون اخر الحجيج بين زعماء الشرق الاوسط إلى واشنطن قبل قمة السعودية و من ولي ولي عهد السعودية الى الرئيس المصري والملك الاردني و الرئيس الفلسطيني.

اردغان غير المرتاح لسياسة واشنطن تجاه بلده وان كان لايزال محوري في سياساتها في منطقة الشرق الاوسط لم يفضل ان ينظم للحاجين الى قمة ترامب في المملكة، و انما قرر ان يتوجه لترمب الى بيته الابيض ليناقش كثير من القضايا الشائكة بين البلدين والتي يحتاج نقاشها لظروف خاصة قد لا تتيحها له القمة الامريكية الاسلامية في السعودية.

ملف الاكراد في تركيا هو ملف غاية في الحساسية و واحد من الملفات التركية التي تعترك معها وفيها الحكومة التركية بشدة، و ملف الاكراد في تركيا و سوريا و العراق و ايران هو ملف متداخل و متشابك بقدر كبير، و مشكلة اردوغان ان حليفه بات يلاعبه في هذا الملف تحديدا وبشكل مستفز و يشكل تهديدا على امن تركيا القومي من وجهة نظر حكومتها.

تعتمد واشنطن في فرض سياساتها في منطقة الشرق الاوسط ككل و في سوريا والعراق المجاورتان لتركيا على “الارهاب”  الذي تستخدمه لفرض سياساتها و فرض تواجدها ضمن ما تسميه “الحرب على الارهاب”، و بات واضحا في سوريا ان واشنطن تستثمر الارهاب في اتجاهات متعددة، و تركيا باتت احد هذه الاتجاهات.

تبدي تركيا انزعاجا كبير من دعم حليفتها واشنطن للاكراد في سوريا  وخصوصا “وحدات حماية الشعب” الكردية  فتركيا تدرك مدى تداخل ملف الاكراد ككل، و ان اكراد كل دولة يمثلون عمقا لاكراد الدول الاخرى و دعم الاكراد في سوريا يعني دعما لاكراد تركيا، و في ظل تصعيد يشهده الملف الكردي التركي ينذر بالعودة لمرحلة المواجهات المسلحة كما كان من قبل، و بدورها واشنطن حليفة اردوغان ترى ضرورة دعم الاكراد في سوريا لحماية مناطقهم من الارهاب الذي سيدخل مناطقهم و يسيطر عليها ما لم تكن للاكراد القدرة على حمايتها. و من هنا فمن واجبها تقديم العون لهم ضد الارهاب.

الملف الكردي يأتي في مقدمة الملفات التي يعتزم اردوغان مناقشتها مع ترامب و طلب توضيحات حول تزويد واشنطن لاكراد سوريا بالاسلحة، و قد ارسل اردوغان رئيس هيئة اركانه و فريقه للترتيب لهذه الزيارة واختيار رئيس هيئة الاركان لمهمة الترتيب لزيارة اردوغان واضح الدلالة بأن الملف الكردي و تحديدا الدعم العسكري المقدم لاكراد سوريا، هو الذي دفع بـ”اردوغان” للحج إلى واشنطن ليلتقي بترامب في فرصة خاصة و عدم الانتظار لقمة السعودية.

تحدد موعد اللقاء في واشنطن و تمت عملية الترتيبات له، و بالتالي يكون اردوغان قد نجح في تهيئة فرصة مثالية للتفاهم مع ترامب، لكن يبدو ان ترامب لا يريد لهذه الفرصة ان تنجح، و ارسلت واشنطن رسالتها لـ”اردوغان” بموافقتها على تقديم اسلحة لـ”وحدات حماية الشعب” الكردية  أثناء وجود الوفد التركي لديها للترتيب لزيارة اردوغان وهي رسالة مزعجة تلقتها تركيا و اثارت زوبعة في البرلمان التركي.

تعمل الولايات المتحدة و حلفائها على استعادة حليفهم المحوري اردوغان الى دائرتهم كلية بعد جنوحه بقدر ما إلى الدائرة الروسية بعد حادثة اسقاط الطائرة الروسية و محاولة الانقلاب الفاشلة، و قد نجحت الولايات المتحدة و حلفائها في تعديل الجنوح التركي بقدر ما ايضا، و لكنها لم تنجح بعد في الاستعادة الكاملة لتركيا، و تعرف الولايات المتحدة و حلفائها ان حبالهم في الملف السوري جميعها متعلقة بتركيا و مسألة استعادتها مسألة غاية في الاهمية لمواصلة المشوار في سوريا، و مع كل ذلك ابت واشنطن إلا أن ترسل رسالتها السلبية في واحد من اكثر الملفات حساسية لدى تركيا و وافقت على تنفيذ تزويد وحدات حماية الشعب في سوريا بالسلاح ضمن الاستعدادات لمعركة الرقة، و هو سلوك يضع اكثر من علامة استفهام امامه، أو مالذي تريد واشنطن تحقيقه من خلال دعم الاكراد باستثمار ملف الارهاب في سوريا و في سبيله ضحت بفرصة مثالية كان من الممكن لها ان تستعيد تركيا الى دائرتها بالكامل.

يعتمد ترامب سياسة جديدة في منطقة الشرق الاوسط هي الاعتماد على قدرات و فرص المنطقة ذاتها للمواجهات المحتدمة في الشرق الاوسط، و زيارته للسعودية ذات علاقة مباشرة في هذا التوجه للدفع بتكتيل قوى المنطقة العربية و الاسلامية الحليفة للولايات المتحدة مع اسرائيل وصولا لقوة سياسية و مالية و عسكرية تكون اكبر واقدر على توسيع تجربة “التحالف السعودي” في اليمن لتكون مؤهلة لاي مكان في المنطقة.

كون الصراع في المنطقة يرتكز على قطبين هما السعودية بمقابل ايران فهذا الامر يمنع ان يستفاد من القوة و القدرات التركية ضمن هذا الوعاء، فتركيا جارة محاددة لايران من جهة و لها التزامات متعلقة بارتباطها بحلف الناتو و ظروف لوجستية خاصة و حسابات تركيا السياسية ستمنع التلاقي مع الولايات المتحدة وحلفائها في هذا الوعاء حتما، و اقصى ما يمكن الوصول اليه معها في هذا الاتجاه هو حضور سياسي لا اكثر ان تحقق. و من هنا يمكن فهم مالذي تريده واشنطن لتركيا باستخدام اكراد سوريا و بالطبع اعتمادا على استثمار الارهاب في سوريا.

يتمسك ترامب بتوجهاته الجديدة في المنطقة بتوظيف قدرات و طاقات المنطقة ذاتها للصراعات التي تنتجها السياسات الامريكية في المنطقة و تركيا ليست بدا من هذا التوجه فطاقاتها و قدراتها التي يصعب توظيفها ضمن الوعاء يسعى ترمب لتوظيفها لصالح السياسات الامريكية بطريق اخر.

تتدخل تركيا في سوريا قتاليا و قد ارتفع مستوى تدخلها و عدد الجنود منها تحديدا، و لكنها لا زالت  تقف في تحديد المستوى و عدد الجنود عند حساباتها هي للضرورة و تحاول ان تشق طريقا اخر للتعويض بالتعهد بالدفع بمقاتلين سوريين معارضين، و لكن هذا ليس ماتريده واشنطن، و لذلك وجهت رسالتها لتركيا بشكل مباشر بتزويد “وحدات حماية الشعب” الكردية و اشراكها في معركة الرقة.

ما سيسمعه اردوغان من ترامب لن يخرج عن اطار مفهوم سياسي لعبارة “لن نتوقف عن دعم الاكراد في سوريا الا اذا دخلت بدلا عنها قوات تركية” و بمستوى التدخل الذي  يشبع النهم الامريكي للوجود العسكري التركي المباشر في سوريا. و بذلك تكون واشنطن قد حققت هدف توظيف طاقات وقدرات تركيا لصالح سياساتها في سوريا، وهو امر ان نجحت فيه واشنطن في حق سوريا فستجد تركيا نفسها في ذات ورطة السعودية تجاه الصراع مع ايران الذي انتشر كالسرطان في المنطقة و لا تستطيع السعودية الا ان تستمر في هذا الصراع و تغرف اكثر في كل اتجاهاته و لا فرصة امامها لأي حسابات متعلقة بمصلحتها و مصلحة محيطها و منطقتها من عدم ذلك، فهل سيتمكن ترامب من صناعة تركيا  كـ”سعودية” جديدة في المنطقة.

المصدر: الغاية نيوز

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى