العرض في الرئيسةفضاء حر

منصب “محافظ عدن” لا يحتمل أن يكون جسداً برأسين ولا غمداً لسيفين

يمنات

صلاح السقلدي

قال محافظ عدن الجديد، السيد عبد العزيز المفلحي، غداة وصوله إلى عدن قبل أيام، ما معناه إنه أتى إلى هذا المنصب ليكون مسؤولاً ادارياً ويعيد للمدينة وجهها المشرق، وخدماتها المتردية، وليس لديه أية أجندة سياسية أو حزبية.

هذا التصريح كان مبعث ترحيب من الكل، ومؤشراً إلى خطاب مطمئن وبالذات لدى الذين خالجهم اعتقاد – وكاتب هذه السطور منهم – بأن الرجل أتى لينفّذ مشروع دولة الستة أقاليم (مخرجات حوار صنعاء)، عطفاً على تصريحات سابقة له يؤيد فيها بحماسة مشروع الأقاليم، الذي رفضه الجنوبيون كونه مشروعاً ليس لهم في صياغته ناقة ولا جمل، وتم إعداده بمنأى عنهم، فضلاً عن أنه مشروع سياسي قد تجاوزته وقائع ومتغيرات ما بعد هذه الحرب.

و لكن، لم تمض أقل من 72 ساعة إلا وكان الرجل قد صرح بأنه أتى لينفذ مشروع الدولة الإتحادية، ضارباً بذلك عرض الحائط بما قاله سابقاً، وناسفاً جزءاً من الصورة المثالية التي تشكلت لتوها عن حصافته السياسية، والتي ما زلنا نأمل بأنها لم تتبدد كلياً بعد، خصوصاً وأنه يعلم جيداً المزاج السياسي الجنوبي، وتطلعات معظم نخبه نحو تغيير وتصحيح وضع وحدوي متهالك.

وهذا التصريح يؤكد صحة التخوفات من أن يتم الزج بهذا المحافظ بمواجهة مع القوى الجنوبية، التي ترى أن تمرير هذا المشروع عنوة يُعد حماقة ترتكبها القوى اليمنية و«الاصلاحية» بالذات، والقوى الجنوبية النفعية التي تحيط بالرئيس عبد ربه منصور هادي، لاسيما أن هذا المشروع (الستة أقاليم) لم يحظ بموافقة الشعب الجنوبي ولا حتى جزء من نخبه السياسية، بل هو مشروع مرفوض من الأغلبية الساحقة في الجنوب، بمن فيهم الحزب الإشتراكي اليمني الذي لا جدال على وحدويته، وهو أحد شركاء حوار صنعاء، علاوة على أن تنفيذ مشروع الستة أقاليم على شاكلته الحالية، وبهذه الطريقة المتعجرفة التي نرى مؤشراتها اليوم على الأرض لن يكون إلا فجاجة سياسية وتحدياً سافراً للإرادة الشعبية في الجنوب، أسوأ من حالة تغييب الإرادة أثناء اتخاذ قرار وحدة عام 1990 بأضعاف المرات، وتجاهلاً صارخاً للوقائع التي أفضت إليها هذه الحرب الأخيرة، وتعمداً فجاً بإغفال حقيقة الخارطة السياسية والعسكرية والاجتماعية المتشكلة حديثاً، وانتقاصاً من التضحيات الكبيرة.

إلى ذلك، قال الأخ المحافظ الذي نكن لشخصه كل الإحترام – في أول اجتماع له مع بعض مسؤولي المحافظة صباح الأحد في 7 مايو الجاري – إنه «لا مكان بيننا للعنصرية وسنقف ضدها بقوة، ولا نريد نسمع كلمة هذا دحباشي أو هذا انفصالي أو هذا اشتراكي أو هذا إصلاحي أو هذا مؤتمري، ونكرر شكرنا وتقديرنا للأشقاء في التحالف العربي ولولاهم بعد الله سبحانه وتعالى لكنا نردد شعار يا حسين ونلطم أنفسنا». فهذا لا شك في أن خطاب راقٍ ومسؤول، خصوصاً في أوضاع حساسة كهذه، فالعنصرية ممقوتة شكلاً ومضموناً من أي جهة كانت، وضد أي جهة وُجّهت.

لا أميل مطلقاً في كتاباتي إلى عبارات وكلمات مسيئة مثل: «دحابشي – عفاشي – مجوسي – دنبوعي – حزب الأوساخ…»، وغيرها من المفردات البائسة، لما تنطوي عليها من إساءات للغير ناهيك عن الذات، وتسقط أصحابها في وحل التقزم والسوقية، وتهوي بهم في قرارة بئر البذاءة السياسية، وتسيء للقضية التي يناضل من أجل نصرتها ويضربها بالمقتل أخلاقياً قبل أن يسيء ويضر غيره كما يتصور، بل ويسيء لنفسه قبل غيره. فالغايات النبيلة لا تتحقق إلا بأدوات نظيفة ونبيلة.

و لو أننا لا نرى في مصطلحات: «اشتراكي» و«إصلاحي» و«مؤتمري» التي تحدث عنها المحافظ شيئاً من العنصرية، فهذه مسميات حزبية سياسية يفتخر بها أصحابها. ونرى أن المحافظ المفلحي كان سيبدو أكثر رقياً وحصافة لو أنه استشعر خطورة الطائفية، وخطورة استخدام محفزاتها ومفرداتها التي وقع في فخها في آخر العبارة حين قال: «لكنا نردد شعار يا حسين ونلطم أنفسنا بذات القدر». ليس المفلحي أول من يتعمد استخدام مفردات ذات إيماءات طائفية. ففي الآونة الأخيرة، جَنَحَ كثير من رجال شرعية الرئيس عبد ربه هادي الموجودين في الرياض إلى مثل هذه المفردات، لإدراكهم أن مثل هذا الخطاب يحاكي الرغبة السعودية، ويستدر عطفها أكثر، خصوصاً وأنهم يقبعون في فنادقها، إعمالاً لمقولة: «إذا كنت في أرضهم فارضِهم».

فالجنوب لا تهدده فقط العنصرية والجهوية، ولا مفردات «دحباشي» و«انفصالي» و«اشتراكي» و«مؤتمري»، بل الأخطر من كل ذلك هو التطرف والطائفية والإرهاب الذي يُراد للجنوب أن ينزلق إلى مستنقع عفونته، ويُراد منه أن يستهدف النسيج الإجتماعي والفكري لتركيبة الجنوب السكانية، ويمزق روابطه المجتمعية، ويحل عروة تنوعه والارث التاريخي الفكري المتشكل من صوفية وشافعية وإسماعيلية وبهائية ويسارية وقومية و«إخوانية»، لمصلحة ما بات يعرف بالسلفية العلمية والجهادية: «الوهابية».

نأمل من السيد المحافظ أن يكون كما قال محافظاً إدارياً لا سياسياً حزبياً. فعدن اليوم بحاجة إلى مسؤول إداري محلي متفرغ لمشاكلها واحتياجاتها الخدمية، وما أكثرها من مشاكل واحتياجات، وأن يدع السياسة ومشاريعها المثيرة للجدل والتشظي لأصحابها. فهذا المنصب (محافظ عدن) لا يحتمل أن يكون جسداً برأسين، ولا غمداً لسيفين، مع إدراكنا حجم الضغوطات التي سيتعرض لها الرجل من قبل القوى التي أصرّت على الدفع به إلى هذا المنصب. فهي من دون شك تريد منه أن يكون بجنوبيته ذراعها السياسي الحزبي من خلف الستار، ليمرر لها مشاريعها السياسية وأجندتها الحزبية في الجنوب وفي عدن تحديداً، بعد أن فشلت في تمريرها بواسطة سلفه، اللواء عيدروس الزبيدي، ولسان حالها يقول: إن نجح المفلحي بتمرير مشروع الستة أقاليم فذلك مكسب، وإن فشل واصطدم بالقوى الجنوبية وكان سبباً في مزيد من الشقاق الجنوبي الجنوبي فذلك مكسبان، فإضعاف هؤلاء الجنوبيين يعني بالضرورة تعبيداً للطريق أمام مشروعنا (الستة أقاليم).

المصدر: العربي

 للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى