العرض في الرئيسةتحليلات

لندن تدخل على خط الابتزاز الأمريكي للسعودية ودول الخليج..!

يمنات

عبد العزيز ظافر معياد

[email protected]

كشفت صحيفة الغارديان، في الرابع من ابريل الجاري، بإن الشرطة البريطانية “أسكتلند يارد” بدأت تحقيقا في إمكانية ارتكاب جرائم حرب في اليمن، مشيرة الى أن وحدة التحقيق في جرائم الحرب تقوم بتقييم ودراسة فيما إن كانت هناك أرضية قانونية لتقديم دعوى قضائية ضد السعودية والحملة الجوية التي تقوم بها في اليمن.

صحيح ان ذلك يعد دليلا جديدا على ان بريطانيا فيها الصوت الأعلى ارتفاعا ضد الحرب السعودية في اليمن والمجازر المرتكبة من قبل طيران التحالف، خاصة داخل مجلس العموم والمنظمات الحقوقية المتواجدة في لندن، لكن ذلك لا يعني تجاهل عدة نقاط مثيرة للاهتمام بشأن خبر الصحيفة السابق، اهمها:

-الأولى: أن كشف الغارديان عن بدء التحقيق جاء عشية زيارة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي للسعودية ودول أخرى، وما قد يمثله من احراج مفترض لها لدى أنظمة الرياض وابوظبي تحديدا، وربما يتحول الى عقبة تحول دون تحقيق ماي أهدافها من زيارتها.

اما النقطة الثانية فتتمثل في كون الجهة التي باشرت التحقيق هي جهة حكومية تحت اشراف ماي وليست تابعة للسلطة التشريعية في بريطانيا او لمنظمات مدنية، الامر الذي يثير التساؤلات عن سبب اختيار هذا التوقيت بالذات لكشفه لوسائل الاعلام ولماذا لم تتدخل ماي لإيقافه او لتأخير الإعلان عنه على الأقل الى ما بعد انتهاء جولتها المهمة لمستقبل حكومتها والاقتصاد البريطاني؟.

ثالث النقاط تتمثل في تكرار صدور مثل هذه المواقف البريطانية الصادمة للسعودية قبيل زيارة ماي للرياض، فالتسريب المتعمد عن بدء أسكتلند يارد التحقيق في جرائم السعودية في اليمن، يعيد الى الاذهان تصريح وزير خارجيتها بوريس جونسون في الثامن من ديسمبر الماضي عندما اتهم السعودية بإساءة استخدام الدين وادارة حربا مع ايران بالوكالة في منطقة الشرق الأوسط، وهى التصريحات التي تبرأت منها لاحقا الحكومة البريطانية واعتبرتها رأيا شخصيا لجونسون، فهل هذا الاستفزاز متعمدا..؟ واذا كان كذلك ما الهدف منه..؟.

في الغالب لا تزال الصورة التي جمعت رئيسة الوزراء البريطانية مع ملوك وامراء الخليج في قمتهم الأخيرة في المنامة في ديسمبر الماضي عالقة في اذهان الكثيرين، لما حملته من دلالات بشأن عودة السيدة العجوز لقيادة محمياتها السابقة في الخليج مستغلة تراجع الدور الأمريكي في المنطقة خلال عهد إدارة باراك أوباما، وكان التشدد ورفع الصوت ضد ايران هو المدخل لهذه العودة، ويبدو ان ماي ترى في دول الخليج وصفقات الأسلحة والاستثمارات الخليجية في بلادها، الطريق المتاح لتجاوز حكومتها مأزق الخروج من الاتحاد الأوربي، و ما سيلحق الاقتصاد البريطاني من خسائر كبيرة قدرت بعض الدراسات الاقتصادية تجاوزها الـ78 مليار دولار.

لكن يبدو ان وصول ترامب الى البيت الأبيض، وقلبه للتوقعات السابقة بانكفاء واشنطن على مشاكلها الداخلية وتركيز سياستها الخارجية بعيدا عن منطقة الشرق الأوسط كما روج له خلال فترة الانتخابات الامريكية، كل ذلك اربك حسابات السيدة ماي ووضع امامها عقبة رئيسية في خيارها الخليجي، وسعيها لاستخدام ورقة المخاوف من ايران لابتزاز الخليج وتطويع خيراته لمصلحة بلادها، ويبدو ان شكوكها كانت في محلها خاصة مع الإعلان عن نتائج زيارة محمد بن سلمان لواشنطن والكشف خلالها عن استثمارات سعودية في الولايات المتحدة تتجاوز ال 200 مليار دولار خلال الأربع سنوات القادمة.

السيدة ماي زعيمة حزب المحافظين، وهى نظريا محسوبة على جناح الصقور، وهناك من وصفها بالمرأة الحديدية الثانية تشبيها برئيسة الوزراء الراحلة تاتشر، بمعنى انها الى حد ما تتقاطع مع رؤية ترامب الابتزازية لمشيخات الخليج، لكنها في الوقت ذاته تدرك أيضا الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به اقتصاديات السعودية ودول الخليج لأسباب لها علاقة بانخفاض أسعار النفط العالمية وتورط تلك الدول في حربي اليمن وسوريا والأزمات الأخرى في المنطقة، ما يزيد من الناحية الواقعية صعوبة الحصول على الأموال المرتجاة من تلك الدول في هيئة صفقات أسلحة واستثمارات في بريطانيا.

من هنا كان لابد من اثارة المخاوف الشخصية لقادة تلك الأنظمة على ان يكون مصدره بريطانيا مع الإيحاء بأن الفرصة ماتزال مواتية لاحتوائه قبل خروجه عن السيطرة ،وليس افضل من تحريك ورقة المجازر المرتكبة في اليمن وإمكانية تعرض الامراء وكبار المسئولين الخليجيين للاعتقال في بريطانيا مع الحرص على اثارة ذلك قبيل زيارة ماي لتلك الدول بحيث يكون هذا الهاجس حاضرا بقوة خلال المباحثات التي ستجريها معهم، ولا استبعد مطلقا ان يكون للمخابرات البريطانية يد في فكرة اعتراض بريطاني وبحرينيين معارضين للحرب في اليمن للمتحدث الرسمي باسم التحالف احمد عسيري كمجرم مطلوب للعدالة ورمية بالبيض في لندن قبل مشاركته في ندوة عن الحرب في اليمن.

فالحادثة اثارت الضجة الإعلامية المناسبة ،والتي بدورها تسببت في عودة هاجس الاعتقال والملاحقة للمسئولين السعوديين والخليجيين في الدول الأخرى، وهو الهاجس الأكثر فزعا لهم على الاطلاق، ويبدو ان حكومة ماي تدرك ذلك وتعمل على استخدامه كوسيلة ابتزاز في محادثاتها الثنائية في الرياض، ويمكن تلمس ذلك بسهولة في التقرير الذي كشفت عنه الغارديان ،حيث جاء في فقرة وردت في رسالة قسم مكافحة الإرهاب إلى إدارة أسكتلند يارد بالنص “لو اعتقد المحققون أن العسيري في لندن، فإننا سننتهز أي فرصة لاعتقال أو مقابلة أي فرد لو اعتقدنا أن الإجراء مناسب، قانوني أو ضروري، ويمثل جزءا من التحقيق”، كما نقل تقرير الصحيفة عن دانيال ماكفور من شركة “هيكمان أند روز” للخدمات القانونية في لندن، قوله إنه ونظرا لخطورة الاتهامات فيجب على وزارة الخارجية أن تؤكد أنها لن تقف أمام العملية القانونية، وألا تعطي حصانة في أي زيارة مستقبلية لهم إلى البلد”.

اجمالا يبدو ان بريطانيا دخلت على خط الابتزاز لدول الخليج الى جانب أمريكا، وربما تنظم اليها فرنسا وإيطاليا وألمانيا ودول أخرى لاحقا ،لكن الأهم هنا هل بإمكان اقتصاديات السعودية ودول الخليج تحمل كل هذا الابتزاز، وكيف سيكون انعكاسه على الامن الداخلي في هذه الدول ؟ هذا ما يجب على زعماء الخليج مناقشته باستفاضة قبل وقوع الفأس في الرأس ان لم تكن قد وقعت فعلا.

المصدر: حائط الكاتب على الفيسبوك

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى