العرض في الرئيسةفضاء حر

تناقض قادة دول الخليج في الموقف من ثورات الربيع العربي

يمنات

صلاح السقلدي

أصدق وأحدث تصريح سياسي يصدر عن الدول الخليجية حيال الثورات العربية المسماة بثورات “الربيع العربي” هو ما صدر عن أمير دولة الكويت في القمة العربية الأخيرة التي عُقدت في المملكة الأردنية الهاشمية، حين قال إن تلك الثورات لم تجلب للدول التي قامت فيها إلا الدمار والخراب. هذا الموقف الذي أطلقته الكويت في أكبر محفل عربي في لحظة تجل صادقة وعفوية، وإن كان لم يثر أي دهشة واستغراب ولم يذع سراً بهذا الصدد كون الموقف الخليجي تجاه تلك الثورات بل تجاه كل ما يمت بصلة لأي ثورة تنشد التغيير والتحرير عبر التاريخ الحديث والمعاصر موقفاً معروفاً بالمناوءة لها قلباً وقالباً، يتسق تماماً مع طبيعة أنظمة الحكم الخليجية التي ترتكز على الحكم الأسري المطلق (حكم الأوليغارشية)، إلا أن هذا التصريح حين يأتي في هذا الوقت الذي قد بلغت فيه الخطابات السياسية والاعلامية والدينية المتشددة الخليجية والسعودية تحديداً عن دعم الثورة السورية واليمنية ذروتها، يشكّل إحراجاً للمملكة ولدولة قطر والإمارات والبحرين، ويسلط الضوء بقوة مركزة على تناقضها بهذا الشأن، حيث تبدو وهي تكيل بمكيالين.

فالرياض التي لا يوجد في قاموسها السياسي ولا قاموس المؤسسة الدينية الحاكمة فيها مكان لمفردة الديمقراطية والثورة والانتخابات والتبادل السلمي للسلطة، بل إن هذه المفردات والمصطلحات تعتبر في نظر هذه المؤسسة ضرباً من ضروب البدع والكفر والتشبه بالنصارى واليهود، نراها في الوقت نفسه تحارب في اليمن لعودة الرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادي كونه رئيساً شرعياً انتخب بطريقة ديمقراطية أطاح به انقلابيون يحاولون القضاء على ثورة فبراير 2011م، وفقاً للتوصيف الخليجي والسعودي خصوصاً.

و السعودية، بالمناسبة، هي التي زجّت برئيس عربي منتخب شعبياً في غياهب سجون القاهرة (الرئيس محمد مرسي)، وهو الرئيس الذي أتت به ثورة يناير إلى الحكم، بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع حركة “الإخوان المسلمين” التي ينتمي لها مرسي، وهي – أي السعودية – التي دعمت من انقلب عليه وأطاح به وبالثورة التي أتت به وبجماعته للحكم، وهذا الموقف السعودي يناقض نفسه حتى الصميم إذا ما قورن بموقف الرياض في اليمن.

زد على ذلك أن التعاطي السعودي مع الوضع في سورية يبدو فيه التناقض السياسي والاعلامي والديني أيضاً في أوضح صوره، إن لم نقل في أقبح صوره. فهي – أي السعودية – في الوقت الذي تشمئز فيه مؤسستاها السياسية والدينية التقليديتان المتشددتان من كل ما يسمى بالثورة والثوار والتغيير، وتتهيّب من كل الطرق الثورية للإطاحة بأنظمة الحكم في كل زمان ومكان نرى وسائل إعلامها وخطابات رجال الدين فيها يتحدثون عن دعم من تعتبرهم ثواراً هناك، في ذات الوقت الذي ما زال النظام السوري فيه معترفاً به دولياً وفي أهم محفل دولي (الأمم المتحدة)، طالما والحديث هنا عن سلطة ورئيس شرعيين كما يتم الحديث عنهما في أماكن أخرى كاليمن والبحرين مثلاً.

كما أن الخطاب الإعلامي السياسي والديني السعودي – والخليجي عموماً – يتحدث عن هيمنة أقلية طائفية على مقاليد الحكم في دمشق، ويتحدث عن ضرورة أن يكون الحكم للأغلبية وبإرادة شعبية حرة. وهنا يبدو هذا الخطاب في حالة انفصام حاد بالذات، وفي حالة تضاد صارخ مع النفس، حين تتم مقارنة سيطرة الأقلية على مقاليد الحكم في سوريا بنظيرتها في دولة البحرين التي تهيمن فيها أقلية طائفية على مقاليد الحكم منذ عشرات السنين، ويتم قمع كل صوت يعترض على ذلك بل وتنتزع الجنسية عن رموز بحرينية بارزة لمعارضتها السياسية للسلطة الحاكمة. بل إن التناقض السعودي يبلغ مداه حين يكون الحديث فيه عن الأغلبية في العراق وحقها بالحكم.

ومن المفارقة العجيبة في هذا السياق أن ترى بعض الأصوات العربية المحسوبة على تيار ثورات “الربيع العربي”، بعد أن كانت تعتبر ما يجري في البحرين من احتجاجات شعبية ثورة شعبية ضمن دائرة ثورات “الربيع العربي”، وظلت هذه الأصوات تؤكد مراراً أن من حق الشعب البحريني أن ينشد التغيير ويختار حكامه بنفسه ولو بثورة شعبية عارمة كالتي في سياق هذه “الثورات الربيعية”، أضحت هذه الأصوات تخشى، تحت ضغوطات سياسية ومذهبية إقليمية مبنية على قاعدة الترغيب والترهيب، أن تتعاطى مع الوضع في البحرين من منظار ثوري كما تعاطت وما زالت مع الوضع في سورية واليمن ومصر وتونس وغيرها من بلدان “الربيع العربي”، وآثرت عوضاً عن ذلك الصمت والسكينة إن لم نقل أنها باتت تجلده بسيف الطائفية والمذهبية، وهي – أي هذه الأصوات – لطالما قدمت نفسها كأصوات تعبر عن ثقافة تغيير عصرية راقية مناهضة للاستبداد والتمييز بكل صنوفه.

دولة قطر هي الأخرى التي تستميت في موقفها مع الرئيس المسجون محمد مرسي تبدو في وضع أكثر فجاجة في التناقض. فهي في الوقت الذي تدين فيه الإطاحة بالرئيس محمد مرسي باعتباره الرئيس الشرعي لجمهورية مصر العربية، تعلن صراحة دعمها لإسقاط الرئيس السوري الذي ما زال في نظر المجتمع الدولي هو الرئيس الشرعي، بصرف النظر عن دكتاتورية حكمه وغلظة أسلوب أجهزة الحكم المستبدة هناك. ودأبت قطر منذ عام 2012م، وهو عام انطلاقة الثورة الشعبية السورية، على دعم جماعات متطرفة معظمها من جنسيات غير سورية بل غير عربية لإسقاط نظام بشار الأسد، مما أثر على مستقبل تلك الثورة الشعبية التي كانت قد انطلقت لتوها في عدد من المناطق، وكانت المحصلة الختامية تلاشي الثورة واضمحلالها، إما خشية من هذا البديل المتطرف الذي لا يعترف أساساً بدولة اسمها سورية، أو توجساً من هذا التدخل القطري والسعودي.

تدخّلٌ أعاد إلى أذهان السوريين تدخل هاتين الدولتين في العراق لإسقاط نظام الرئيس الراحل صدام حسين، والمصير المأساوي الذي آل اليه الوضع هناك جرّاء التدخل الخليجي والأمريكي، الذي يقف في ذات المربع حيال الوضع اليوم في سوريا وغيرها من الدول العربية، الذي وقف فيه ذات يوم بوجه نظام حكم حزب البعث العراقي، بعد أن اتضح للعالم أن مسألة استبداد نظام الحكم في بغداد لم تكن إلا كلمة حق أراد بها الغرب وبعض الأنظمة العربية التقليدية إسقاط دولة اسمها العراق، وهذا ما كشفته المخططات الأمريكية والخليجية بعد شهور فقط من إسقاط نظام صدام. فإسقاط نظام الرئيس صدام حسين وحزب البعث وذريعة الأسلحة الكيماوية، والتي بالمناسبة تكررت اليوم في سوريا، لم تكن إلا بداية لإسقاط العراق كدولة ومؤسسات ووجود.

المصدر: العربي

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى