إختيار المحررالعرض في الرئيسةحوارات

النائب حاشد يتحدث عن قلب الطاولة وحكومة الانقاذ ووعودها للبرلمان بدفع المرتبات وقرار هادي بنقل الجلسات الى عدن ومستقبل الحرب والمفاوضات والدور الأممي فيهما

يمنات

حوار/ معاذ منصر

النائب البرلماني أحمد سيف حاشد، واحد من الشخصيات السياسية والبرلمانية والحقوقية الحاضرة بصورة بارزة في المشهد. مواقفه التي يعلنها بين حين وآخر تثير الجدل في الأوساط السياسية والشعبية، في كل مرة.

كان حاشد من ضمن الشخصيات التي برزت في الصفوف الأولى لثورة فبراير عام 2011، وهو اليوم من ضمن الرافضين للتدخل. يعبر عن مواقفه بشجاعة وصراحة، ودون تحيز أو مسايرة.

في هذا الحوار، يناقش “العربي” التطورات مع النائب أحمد سيف حاشد، خصوصاً تلك المتعلقة بنشاط ودور البرلمان، ومواقف المؤسسة التشريعية وتأثيرها في المشهد، إضافة إلى ما يجري من تطورات سياسية في إطار سلطة صنعاء وحكومة الإنقاذ.

أعلنت في صنعاء حكومة وأطلقت عليها تسمية “حكومة إنقاذ”، ما تقييمك لهذه الحكومة؟ وما الذي أنقذ برأيك؟

أولاً، أنوه أنني النائب الوحيد في البرلمان الذي حضر ورفض منح الثقة لهذه الحكومة وبرنامجها. ربما تبدو النظرة الأولى لتشكيل حكومة الإنقاذ أنها محاولة متأخرة، ولكنها إيجابية من حيث محاولة استعادة الأوعية الإدارية والحكومية لدورها الذي كان قد أُسند لأوعية المليشيات، وإدارتها للشأن العام، في نطاق إدارة وحدود سلطة الأمر الواقع، في المناطق الخاضعة لها. ولكن للأسف الخلل التكويني العميق للحكومة قد خيب هذا الأمل، وقوض إمكانية التعلق به، ليس فقط في التشكيل الحكومي الاسترضائي الذي ضم 42 وزيراً، بل في تغييب معايير الكفاءة والنزاهة والخبرة والمواطنة، في تشكيلها، واعتماد هذا التشكيل على أسس المحاصصة والاسترضاء القبلي، والاستحقاقات السياسية لـ”أنصار الله” و”المؤتمر الشعبي العام” ومن والاهما دون غيرهما. ولذلك وبالنتيجة فإن الخلل التكويني والبرنامج الجبائي للحكومة، وتغييب معايير النزاهة والكفاءة في تشكيلها، والمدخلات السيئة إجمالاً لا يمكن أن تؤدي إلا إلى فشل ذريع ومخرجات أكثر سوءاً.

إنه ليس من المحبط فقط الخلل التكويني في تشكيل الحكومة، ولكنه أيضاً في برنامجها، وهو برنامج جباية، لا يعبر في جوهره عن أي ثورة أو عن مصالح الفقراء والمعدمين، بل ينحاز إلى صف الأغنياء والفاسدين.

برنامج الحكومة يعتمد اقتصاد السوق، وتخلي الدولة عن وظيفة دعم المواطن في حاجياته الأساسية، وعدم معالجة أوضاع المؤسسات المتعثرة، بل واستبدال المعالجات المفترضة ببيع تلك المؤسسات العامة المتعثرة للقطاع الخاص. برنامج الحكومة أيضاً يضرب مبدأ المواطنة في الصميم، ويضع العربة أمام الحصان، ويوعد بما هو ليس واقعياً وممكن التحقيق، على الأقل في ظروف الحرب، ومن جانب آخر يعطي وعوداً من الحكومة ممكنة التحقيق، ولكنها لا تحققها، ولا تفي بها حتى في نطاق سلطة الأمر الواقع؛ مثل منح رواتب الموظفين. برنامج الحكومة استهدف أيضاً الوظيفة العامة، من خلال الفصل الوظيفي، والإحلال تحت عنوان أو مسمى تنظيف كشف الراتب، ودمج اللجان الشعبية في الجيش والأمن، بعيداً عن معايير الكفاءة والنزاهة والمواطنة. برنامج الحكومة أيضاً فيه ما يكشف عن النية للسير نحو الاستبداد، وتضييق ومصادرة الحقوق والحريات المكتسبة، ومن ضمنها التضييق على إنشاء الأحزاب السياسية، والتضييق على ممارسة العمل السياسي، والذي سيتم تحت مبرر ما يسميه البرنامج معالجة القصور والاختلالات في قانون الأحزاب النافذ. وفي الخلاصة بدت حكومة الإنقاذ اليوم هي نفسها تبحث عن منقذ.

مجلس النواب يستمر بعقد جلساته، وربما ركزت الجلسات الأخيرة على حكومة الانقاذ ودورها ومسألة تسليمها للرواتب، وكان المجلس هدد بسحب الثقة من الحكومة، ما الجديد في هذا الأمر؟

إلتزمت الحكومة أنها ستدفع رواتب الموظفين، ولم تستطع أن تدفع حتى رواتب الموظفين الواقعين تحت سلطتها وفي نطاق ممارسة اختصاصاتها، وهو التحدي الأهم الذي فشلت أمامه الحكومة على نحو ذريع، حتى صارت محل سخرية مريرة وتندر بالغ. لقد استغرقها الفشل من الرأس حتى أخمص القدمين، ولم تصنع أي فارق في أي مجال.

الحكومة وعدت البرلمان ببدائل إقرار مشروع البطاقة التموينية لموظفي الدولة، وحددت سقف صرف لكل موظف بـ 50-60 % من إجمالي المرتب المستحق شهرياً. وهذا الحل الإرغامي، إن نجح، هو الآخر يلحق ضرراً بإفلاس كثير من التجار الصغار لصالح التجار الكبار، فضلاً أن هذا الحل يرغم الموظفين على التسليم باستقطاع أكثر من نصف رواتبهم، وتعاطي الشراء على نحو يتعارض حتى مع أحكام القانون المدني والتعامل التجاري القائم على الحرية والرغبة. تستطيع الحكومة، إن أرادت، توفير رواتب الموظفين الواقعين تحت سلطتها، وذلك من خلال إجراءات تتخذها ضد الفساد والسوق السوداء ومختلف أوجه التلاعب والإضرار بالاقتصاد الوطني، وتفعيل آليات الرقابة الحكومية وغير الحكومية، والمجتمعية، وتصحيح بعض الأوضاع الاقتصادية، والإجراءات كإلغاء قرار التعويم، وتصحيح وضع شركة النفط، وإجبار شركات الاتصالات على تسديد ديونها والتزاماتها للدولة، وغيرها من الإجراءات، دون تبديد تلك المتحصلات. أما بخصوص تهديد المجلس للحكومة بسحب الثقة، فأظنه مجرد تهديد وحسب، ولا يرتقي في هذا الصدد إلى أكثر من دور مسرحي أو ضاغط في أفضل الأحوال.

مجلس النواب سلطة تشريعية تلعب دوراً كبيراً في أي تحول سياسي يتم ويجري، ما رأيك بمجلس النواب اليمني اليوم؟ وما دوره الفعلي والحقيقي؟

لو كان يوجد لدينا مجلس نواب قوي لكان أخرج البلاد إلى طريق قبل 2011. لو كان لدينا مجلس نواب محترم لما شرّع الفساد والانتهاكات وما سمح للتراكمات أن تعصف باليمن إلى أتون الحرب والدمار والخراب. لوكان لدينا مجلس نواب يعبر عن الشعب لما كان دعم وأقر المبادرة الخليجية التي تنزع منه صلاحياته القانونية والدستورية. لو كان لدينا مجلس نواب قادر، لكان تدخل في اللحظة الهامة والخطرة كمنقذ، أو كطرف ثالث، وقدم المبادرات التي تحقن الدماء، وعمل بصدق وجدية للحيلولة دون اندلاع الحرب، وخاطب العالم بلغته وموقعه وبما تمليه مصلحة الشعب ومستقبله، لا أن يكون أداة تشرعن لطرف أو تنحاز لآخر أو ينقسم على نفسه. ولكن يقال لا يجبرك على السيء إلا الأسوأ منه، ولا يجبرك على المر إلا الأمر منه. عندما تعطل وظائف الدولة وتصادر صلاحيات هيئاتها ويحل عمل وأوعية المليشيات محل الدولة ووظائفها وأوعيتها، نجد أنفسنا مدفعين في البحث عن أقل الخيارات سوءاً للحفاظ على ما تبقى منها. غير أن مخاوفي لا تزال كبيرة جداً، وتصل حد الهلع، في أن يتعمد المجلس أو حتى يُستدرج في المستقبل إلى شرعنة الواقع المفروض أو شرعنة أجندات دول العدوان ومن يقف وراءها، في حال حصول صفقات بين أحزاب وأطراف الحرب والصراع، وتمرر من المجلس من خلال استحقاقات ومعاهدات واتفاقيات تكون على حساب الوطن أرضاً وشعباً وسيادة ومستقبلاً. يجب على المجلس أن يغادر سلبيته وأن يقدم مصلحة الوطن على مصلحة الجماعة والحزب، وأن يفرض وجوده من أجل الوطن، شعباً وأرضاً وإنساناً ومستقبلاً.

البرلمان واحد من الهيئات التي طالها الانقسام في المواقف والآراء، فهناك من ذهب مع الرئيس هادي، وهناك من بقي في صنعاء، ما هو تقييمك لهذا الجانب؟

هشاشة المجلس وقبوله أن يلعب دور التابع على حساب الوطن، جعله ينقسم تبعاً للقوى السياسية المهيمنة التي انقسمت قبل انقسامه. لست مع من يذهب مع العدوان أو يسانده، ولست مع جرائم الحرب التي يرتكبها العدوان، على شعبنا وأرضنا وتاريخنا وجغرافيتنا ومستقبلنا.

المجلس انعقد في صنعاء بالنصاب القانوني المطلوب لانعقاده. يجب في حالة مثل هذا الغياب للدولة ووظائفها أن يمسك مجلس النواب بزمام المبادرة ويضطلع بدوره ومسؤولياته. يجب أن يعيد النظر بكل ما مر تحت قبته وهو يتصادم مع مصالح الوطن العليا. يجب على المجلس أن يضطلع بدور، مُحدداً وفاعلاً لا تابعاً ولا ملحقاً. يجب أن يلعب دوراً منحازاً للوطن، للشعب والسيادة والاستقلال من أي فرض أو وصاية خارجية، أتمنى أن يكون كذلك، ولا أتمنى أن أقول “فاقد الشيء لا يعطيه”.

وسيكون الحال أكثر سواداً وإهانة، بل وخيانة، إن شرّع الصفقات السياسية المدعومة من دول العدوان، أو شرعن أجندات تلك الدول المعتدية في اليمن تحت أي شعار أو مبرر.

الرئيس هادي كان قد أصدر قراراً بنقل البرلمان إلى عدن، فهناك من أيد، وهناك من رفض، ما مصير هذا القرار اليوم؟ ومع من تقف؟ ولماذا؟

لن يكتب النجاح لهكذا دعوة أو قرار. قرار نقل البرلمان إلى عدن لن يكون أفضل حالاً من نقل البنك. قرار نقل البرلمان، فوق أنه مقامرة، تشبه مقامرة نقل البنك، فإنه غير عملي وغير ممكن، بسبب الحالة الأمنية المتردية في عدن، فضلاً عن تواجد “داعش” و”القاعدة” فيها، وسهولة إقلاق السكينة العامة وارتكاب الاغتيالات والتفجيرات. لقد فشل “التحالف” أن يقيم نموذجاً محترماً في عدن، وهو نموذج لا يزيد عن مساحة التسعة كيلومتر مربع، فكيف يمكننا أن نقامر بكل اليمن. غير أن الأهم، هو أن المجلس لا يمكنه أن ينتقل إلى عدن ليشرعن لدول العدوان وأجنداتها في اليمن. لست مع نقل البرلمان إلى عدن في هكذا وضع وهكذا ظروف.

لا أريد أن تتحول هذه المؤسسة المتبقية أداة لشرعنة العدوان والخيانة والأجندات الخارجية على حساب شعبنا ووحدته وسيادة أرضه واستقلاله ومستقبله، كان في صنعاء أو عدن. هذا عندي هو الأمر الأهم.

هناك معلومات تقول إن الأطراف السياسية في صنعاء، والمتمثلة بجماعة “أنصار الله” و”المؤتمر الشعبي العام”، دارت وتدور بينها خلافات حول استئناف مجلس النواب نشاطه من عدمه، ما صحة هذا الحديث؟

نعم، هناك توجسات وعدم ثقة وخلافات تتسع وتضيق بين “المؤتمر” و”أنصار الله”، وهذا يعكس آثاره ويلقي بظلاله على المجلس بصورة أو بأخرى، ولكن لم تصل هذه التجاذبات إلى حد الصراع، ولكن أحياناً ربما يزيد ضيق طرف في كونه منبراً ينال منه، فيما يجب أن يتاح، بل وينتزع المجلس، فضاء أكبر للتعبير وقول الرأي والتصدي لكل تضييق أو الحد من التصدي لما يجب التصدي له.

أن يجد صوتي المخنوق اليوم منفذاً في المجلس أصل به للناس شيء أظنه لا بأس به، ولاسيما بعد أن أغلقت في وجوهنا، أو أجبرت الظروف كثيراً من المنابر على الإغلاق والاختفاء، ومنها الصحف والوسائل الإعلامية الأخرى ذات الاتجاه المختلف عما هو سائد من خطاب واتجاه، وفي المقابل زادت وتكاثرت المنابر الوسائل الإعلامية التابعة لأطراف الحرب والصراع، بلغت حد الاحتكار للوسائل والمنابر.

كيف تنظر جماعة “أنصار الله” إلى مجلس النواب؟ هل ما تزال متخوفة من أي دور يقوم به بحكم أن لا تمثيل لها في المجلس؟

هناك تأثير محدود لـ”أنصار الله” على بعض أعضاء المجلس، وصار “أنصار الله” لهم ممثل بهيئة رئاسته. غير أن “أنصار الله” لا زالوا ينظرون بعين الحيرة والريبة للمجلس، ويضيقون أحياناً بنقاشات المجلس وبعض طروحات أعضائه. ولكن أتصور في المستقبل، إذا ما أشتد عود “المؤتمر” واستعاد دوره، أن يكون المجلس ذو الأغلبية المؤتمرية أكثر إزعاجاً لـ”أنصار الله” مما هو عليه اليوم.

ما رأيك بمن تركوا المجلس وذهبوا نحو عدن؟

لا أظنهم يصنعون فرقاً مهماً أو تأثيراً أو يحققوا نصاباً لعقد جلسة للمجلس في ظل الظروف الحالية والوضع الأمني في الجنوب عامة وفي عدن خاصة.

أين دور مجلس النواب في المرحلة القادمة؟ وما هو الدور الذي يفترض أن يلعبه؟

على المجلس أن يشرع القوانين الجديدة ويصحح القوانين المختلة والمعتلة، أو التي يشوبها ثغرات للفاسدين والمنتهكين للحريات وحقوق الإنسان، وأن يعزز من استقلال القضاء وفاعليته. على المجلس أن يصدر ما يلغي القيود والمعوقات القانونية التي تحول دون محاكمة الفاسدين والمنتهكين لحقوق الإنسان، بسبب شغلهم للوظائف العليا في الدولة. على المجلس أن يشرع ويعزز ما يصون مصالح الوطن الكبرى. على المجلس ألا يكون محللاً للصفقات السياسية بين “المؤتمر” و”أنصار الله”، ولاسيما تلك الصفقات المشبوهة التي تأتي على حساب الوطن والمستقبل. والأهم من هذا: لا يشرعن الصفقات السياسية التي يمكنها أن تمرر عبر أطراف الصراع المحلية المختلفة، والتي تحقق لدول العدوان أجنداتها في اليمن، أو أجندات من يقف وراءها من الدول الكبرى. يجب أن يتصدى المجلس لكل ما ينتقص من حق شعبنا في أرضه وسيادته ووحدته. على المجلس أن يمايز نفسه عن أطراف الصراع بقدر الاستطاعة، ويصدر القوانين التي تمنع أي طرف من التصرف بالجزر والمياه الإقليمية والجرف القاري، وأن يصدر تشريعات تخوين من يفعل هذا بغض النظر عن موقعه ومنصبه.

أحمد سيف حاشد شخصية سياسية وبرلمانية جدلية، وما يعلنه من مواقف تكون محط أنظار السياسيين ومحط اهتمام وتناول، لماذا مواقفك تثير اهتمامات الوسط السياسي والبرلماني؟

ربما لأنني مستقل إلى حد بعيد، ومتحرر من قيود الالتزام الحزبي، في معترك حاد جرفت فيها الاستقطابات السياسية والحزبية كثيراً من المستقلين أو غير المنتميين لأحزاب، في ظل تأثير قوى وتجاذبات سياسية لقوى وأحزاب متصارعة لفرض أجندتها ومصالحها السياسية التي يأتي بعضها على حساب المصالح العليا للوطن. ربما أيضاً لأنني أحاول استحضار ضميري عند تقرير مواقفي السياسية، بعيداً عن البراجماتية، وأعيش معارك قاسية مع ضميري، حتى ينتصر، أو أنحاز إليه على حساب ذاتي ومصالحي الشخصية والاجتماعية. وربما لأنني أتعاطى السياسة وأتعامل مع الشأن السياسي بأخلاق، وأحاول أن أتمايز عما هو موجود ومعتمل في الواقع السياسي اليمني، أو ربما لأنني أتعاطى الوطنية بحساسية عالية، وأبحث عن المشتركات الممكنة مع الآخر دون أن يكون ذلك على حساب الوطن ومصالحه العليا، ولأنني أتمرد وأقاوم الضغوط التي قد يفرضها الواقع، أو حتى أطراف الحرب والصراع التي تريد أن تحتويني أو تصيرني أعمل في إطار توجهاتها وأجندتها الخاصة. وربما لأنني كثير الحذر، ودوماً ما أضع مسافات من هذه الأطراف والقوى قد تتسع أحياناً وقد تضيق بناء على أهمية القضايا والمشتركات وحماسي لها دون أن يدفعني هذا الحماس للتماهي مع الآخر، أو أكون بعضاً منه. ربما كل هذا أو بعضه.

ما هو تقييمك للحرب بشكل عام في اليمن؟ وما هي أسبابها من وجهة نظرك؟ وما الحل المناسب اليوم؟

الحرب الداخلية سببها أنانية القوى والجماعات السياسية وتغليب مصالحها على مصالح الوطن، بالإضافة إلى تراكمات الفساد والانتهاكات والنزوع الاستبدادي فيها والتعاطي مع الديمقراطية بنية تكتيكية، ثم الانقلاب عليها لمجرد وضع اليد أو التمكين في السلطة.

ذود بعض القوى والأحزاب بدول الخارج وتقديم كل التنازلات لها، بما فيها مصالح الوطن العليا، في مقابل مساندة الخارج لها في النيل من القوى السياسية المنافسة وإخضاعها. أو بعبارة أخرى: انسداد الأفق السياسي وإفشال الحلول ونفاد الصبر واستنجاد بعض أطراف الصراع الداخلي بدول تمارس دور الراعي والوصي على الشأن المحلي، والاستعانة به لتعينها على خصومها المحليين، واستعدادها للتفريط بكل شيء لحسابات ومصالح أنانية ومنها هزيمة الشريك المحلي وسحقه.

إدعاء بعض القوى والجماعات والأحزاب وبعض قادتها ومرشديها امتلاك الحقيقة والمعرفة والضيق من الآخر، ومحاولة تهميشه وتجريده حتى من حقوق الامتناع والرفض. تراكم ممارسات القمع والعنف، واخضاع المجتمعات المحلية لسطو وقمع السلطات، وإطلاق يد السلطات عليها، وتهميشها والتعالي عليها، ونشوب الحروب المتعددة، وتشوه الوعي المثقل بالعقد المناطقية والجهوية الناتجة عن تلك الممارسات القمعية والاقصائية للسلطات. الفساد البالغ حد إفساد القيم، والتسلط وأنانية النخب السياسية وعاهاتها، وسلبية أغلب المثقفين وهشاشتهم، وانجراف معظمهم للعمل لصالح تلك النخب المرتهنة لأجندات الخارج، وتسيُّد الاستبداد على المجتمع الخائف.

كل هذه العوامل والأسباب وغيرها شكلت أرضية للتدخل والعدوان الخارجي الذي هو الآخر له أجندته وأطماعه التوسعية وأسبابه السياسية والاقتصادية ورغبته بفرض كامل وصايته أو جلها على اليمن أرضاً وشعباً وإنساناً.

الحرب بشكل عام مكلفة جداً، وآثارها تمتد لعشرات السنين، ويجب أن تنتهي، على ألا تنتهي على حساب سيادة واستقلال ووحدة اليمن. أعتقد أن هذه الحرب ستستمر بطريقة أو بأخرى حتى تأكل الخليج دويلات ومشيخات وممالك.

ما رأيك بملف المفاوضات ودور وجهود الأمم المتحدة؟ وهل الحل السياسي ما زال ممكناً؟ وكيف؟

كثير من الشواهد، والأدلة، تشير أن المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة، وجهود الوساطة التي تتم عبر ممثلها ولد الشيخ، لا تتمتع بالحياد والاستقلال والنزاهة.

عندما تجد الأمم المتحدة غير نزيهة وغير محايدة، بل ومنحازة لأموال النفط ومشيخاته ومملكاته، يجب أن تراهن على شعبك وتصمد وتثبت وتنال من دول العدوان ما يعزز مركزك التفاوضي. كما إن تنازلات مفاوضات ظهران الجنوب من قبل “أنصار الله” كانت كارثية ووبالاً، وكل التنازلات التي أعقبتها من مفاوضات الكويت، إلى التزام مسقط، إلى مبادرة كيري، إلى خارطة الطريق، إلى مخرجات الرباعية، كلها مهدت لها، بل وقامت في جوهرها على اتفاقية ظهران الجنوب، والتي حولت الدول المعتدية إلى راعية سلام. يتفاوضون ويقدمون التنازلات تلو التنازلات على حساب الوطن دون أن يكون لهم أي تخويل غير كونهم محاربين، فيما الشعب لا يقر شيئاً مما يتفاوضون بشأنه.

تنازلات وفد صنعاء أسهم في تطويل أمد الحرب واستمرار الحصار. لو كان تم رفض التفاوض قبل إيقاف الحرب ورفع الحصار، لكان قد تحقق ما أراد أو بعضه على أقل تقدير. لقد كانت التنازلات مغرية على الدوام. عندما منحت العدوان الدفعة الأولى من التنازلات المغرية ووضعوا قبضة أيديهم عليها، وجدوا أنه لا زال بين يديك تنازلات ممكنة، ومغرية أكثر. وهكذا استمرت التنازلات واستمرت الحرب لتحصد مزيداً من التنازلات المغرية، على حساب الوطن.

لقد ربحوا وملكوا ما بأيديهم من تنازلاتك، وتمكنوا منها، واستوثقوا أنك لن تتراجع عنها، ولا زال ما يغري في يديك يناديهم. فكيف بعد كل هذا لا تريدهم (أن) يستمروا في الحرب؟!

ينبغي قلب الطاولة والرجوع عن التنازلات، ولاسيما تلك التي تأتي على حساب الوطن ومستقبله.

تحالف “أنصار الله” والرئيس السابق صالح، ما موقفك منه؟ وكيف تراقب الاهتزازات التي يتعرض لها التحالف؟

لست ضده، بل معه في حدود مواجهة العدوان الخارجي.

أما بصدد ما يشهده هذا التحالف من اهتزازات، فأظن أن هذه الاهتزازات قبل وقف العدوان، لن تنال من هذا التحالف، إلى الحد الذي يهدد وجوده.

ما رأيك ببقاء صالح في واجهة المشهد؟ وكيف تقرأ مستقبل الرجل؟

وجود صالح في المشهد أمر مترتب على كونه يرأس حزباً مستهدفاً بالعدوان، ومن الطبيعي أنه سيظل كذلك لحين انتهاء العدوان، إلا إذا خرج “المؤتمر” من معادلة الصراع، وهذا الخروج لا مؤشرات عليه الآن، وبقاؤه في المشهد بعد انتهاء العدوان أمر يتحدد الموقف تجاهه في حينه.

رسالتك الأخيرة ولمن توجهها؟

رسالتي الأخيرة لوفد صنعاء المفاوض توقفوا عن التنازلات على حساب الوطن، واقلبوا طاولة التفاوض حتى يأتون إليكم هم باحثين عن السلام. أقول للقوى المناهضة للعدوان الخارجي: لتنجحوا في هذه الحرب، راهنوا أولاً على شعبكم، وتحملوا المسؤولية أمامه، ونفذوا ما يجب نحو شعبكم، وارعوا مصالحه، ولا تتنازلوا على حقوقه وسلامة ووحدة أراضيه وسيادة اليمن واستقلالها وتحريرها من الوصاية. كافحوا الفساد، وكفّوا عن الانتهاكات، وسوسوا الوطن باقتدار، وخذوا المبادرة من يد العدوان. إذا كان العدو هو من يحدد لك أين تتموضع، وأين تحارب، وأين تخوض مواجهاتك العسكرية، ومتى تتفاوض، فاعلم أنك تسير إلى هزيمة أكيدة.

الطرف الذي لا يبادر، ولا يباغت، ولا يهاجم، ويقتصر على الدفاع والانسحاب، فإن الهزيمة آتية إليه دون ريب أو مشقة.

المصدر: العربي

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى