العرض في الرئيسةفضاء حر

الجنوب والارهاب .. من هو الممول والحامي..؟

يمنات

صلاح السقلدي

منذ اليوم الأول للحرب في اليمن التي تقودها المملكة العربية السعودية بتحالف إقليمي يسمى “التحالف العربي”، حذرنا من مغبة وخطورة استعانة الجنوبيين بالجماعات الإرهابية المتطرفة في هذه الحرب ضد قوات الحوثيين وصالح، لما ينطوي عليه من أخطار وتداعيات لا حصر لها على مستقبل الجنوب وأمنه ونسيجه الإجتماعي وخصوصية تنوع فئات مجتمعه، وبالذات في مدينة عدن.

و قلنا إن مَن يتحالف مع تلك الجماعات تحت أي مبرر كان سيكون مصيره ومصير الوطن برمته في هوة سحيقة من الضياع والتمزق، ولنا في تجارب شعوب عربية عِـبر وتجارب، إن أردنا أن نجنب شعوبنا ذلك المآل الموحش. فإن كان الجنوب في غمرة ضعفه منذ عام 94م إلى مطلع 2015م قد رفض مثل هكذا تحالفات مدمرة، فكيف له أن يقبل بها اليوم وقد قوي عوده وتصلبت شكيمته..؟ فالجنوب هو ضحية للإرهاب منذ عام 94م، وظلت هذه الآفة تمثل السوط الأكثر إيلاماً لظهر الجنوب طيلة ربع قرن من الزمن، فكيف يتخذ الجنوب وقضيته السياسية العادلة اليوم منه وسيلة نجاة؟ فالغاية الشريفة لا تتحقق إلا بأدوات نظيفة وشريفة.

قد يقول قائل إن مثل هذا التعاون هو تعاون عسكري فرضته ضرورة الحرب، وإن الحراك الجنوبي لا يمتلك الحق بمنع أي جنوبي من مقاومة قوات الحوثي وصالح، وإن دول “التحالف”، في حال رفض الحراك التعاون مع هذه الجماعات، قد يوجه ضرباته الجوية لقيادات الحراك، الذي لا طاقة له على الوقوف بوجه دول “التحالف”.

مثل هكذا مبررات قد تكون مقبولة في فترة سير المعارك، لكنها تنتفي بعد أن وضعت الحرب أوزارها في الجنوب – مع استثناء المناطق المتبقية -، وبعد أن تبينت للجنوب جهاراً نهاراً خطورة هذه الجماعات، من خلال ما ارتكبته وترتكبه يوماً بعد يوم من شناعة الأفعال ودمويتها. فالاستعانة من الرمضاء بالنار، والاستجارة بالعقل المفخخ بالديناميت المذهبي وبالعبوات التكفيرية الناسفة لنصرة قضايا وطنية سياسية مدنية كالقضية الجنوبية، يُعد قمة الحماقة السياسية، وذروة البلادة الوطنية.

من يتذكر قصة الفلاح الهندي مع الفئران والأفاعي؟ ذلك الفلاح الذي استعان بالأفاعي في حربه ضد الفئران التي ظلت تهدد محصوله عند كل موسم حصاد. فبعد أن قامت الأفاعي بالمهمة، وقضت على كثير من الفئران، صارت تتضخم أجسامها بشكل لافت يوم إثر يوم، وتزداد عدوانيتها وشراستها بشكل مريع، في وقت تقلص فيه عدد وجباتها من الفئران، حتى أتى ذلك اليوم الذي وجد فيه الفلاح البائس جميع أطفاله وقد صار مصيرهم فريسة كمصير تلك الفئران.

في مطلع ثمانينات القرن الماضي، استعانت القوى في صنعاء ومن تحالف معها من الجنوبيين بالجماعات الإرهابية، وبالذات تنظيم “القاعدة”، في حرب عام 1994م، ضد الجنوب والحزب الإشتراكي. ونفذت تلك الجماعات المتسلحة بذخيرة من الفتاوى مهمتها المسنودة لها على أكمل وجه، والجميع يعرف كيف جرت الأمور في تلك الأثناء، وما بعد الحرب. وما هي إلا شهور قليلة حتى وجدت تلك القوى (المؤتمر الشعبي العام وحزب الإصلاح والقوى الجنوبية النفعية) نفسها وجهاً لوجه مع الجماعات الإرهابية في صدام مسلح، حتى بعد أن استوعبت كثيراً من عناصرها في الوظائف والمواقع المختلفة بمؤسسات الدولة. وأدركت القوى المذكورة فادحة الخطوة التي أقدمت عليها بتحالفها الشيطاني مع الجماعات المكشرة عن انيابها، وزاد العبء عليها أكثر حين ضربت الجماعات الإرهابية مصالح أوروبا وواشنطن في اليمن والخارج، مما جعل القوى الحاكمة في صنعاء (سلطة ما بعد 94م) في فوهة المدفع الأمريكي والأوروبي.

اليوم، محافظتا أبين وشبوة تقبعان خارج سيطرة أي قوة سياسية في الجنوب، وأضحتا في قبضة تلك الجماعات المتطرفة التي تزيد من سطوتها يوماً بعد يوم، وتزيد من تمددها ساعة بعد ساعة، في وقت تظفر فيه بكثير من شحنات التسليح والامدادات المختلفة من أطراف نافذة في شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي، وحزب “الإصلاح” على وجه التحديد، مثلما جرى في الأسبوعين الماضيين حين وصلت إلى تلك الجماعات شحنات من الأسلحة والذخائر – مختلفة العيارات – على دفعتين: الأولى قادمة من مأرب والأخرى من عدن، بحسب مصادر في محافظات أبين وعدن ومأرب.

بصرف النظر عما إذا كانت هاتان العمليتان عبارة عن تسليم واستلام، أو على طريقة التقطع القهري، فالأسلحة بالأخير وصلت إلى يدي مَن لا يرحم.

في الأيام الأخيرة، دخلت الولايات المتحدة على الخط بقوة في اليمن، من نافذة ما تطلق عليه واشنطن عملية “محاربة الإرهاب” في اليمن وجزيرة العرب، ما يعني أن اليمن والجنوب على وجه التحديد أضحى ساحة تصفية حسابات لأكثر من لاعب إقليمي ودولي من العيار الثقيل، ما يعني بالضرورة أن المستقبل السياسي للجنوب أضحى في مهب العواصف والتجاذبات، على الأقل خلال العقدين القادمَين. فالولايات المتحدة الأمريكية التي هندست مؤسسة الإرهاب العالمي منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي في جبال تورا بور ومعاهد قندهار، وجعلت بذرة هذه النبتة الشيطانية تنمو وتتبرعم وتزهر من خلال تسليحها وتدريبها لتلك الجماعات الإرهابية، فضلاً عن توليها عمليات النقل والتمرير من الدول العربية إلى أفغانستان عبر باكستان، لا يمكن أن تكون هي من سيقضي على الإرهاب، ولا يمكن أن تحاربه بمعنى المحاربة الحقيقية إلا بالقدر الذي يقيها من لفحة نيرانه وتطاير شرره إلى مصالحها وديارها، كما حصل عام 2001م مع أبراج نيويورك، حين مثلت تلك الحادثة ذروة ارتداد السهم الإرهابي إلى النحر الأمريكي.

فهي، أي أمريكا، ومن خلال عدة شواهد وأدلة في الماضي والحاضر، منها تراخيها وتثاقلها في الحرب على تنظيم “داعش” في العراق، بل بدعمها بالسلاح للتنظيم كما أوضحت ذلك أشرطة فيديو من الموصل وشمال سوريا، وعرقلتها لقتاله في سوريا، لا تريد لهذه الجماعات أن تنتهي من الوجود إلى الأبد، حتى تظل حصان طروادة لها لتنفذ به قوات الـ”مارينز” وقت ما تشاء إلى قلب كل عاصمة عربية وإسلامية. ولن يكون مقدار محاربتها لهذه الجماعات إلا بالقدر الذي يجعل الاخيرة تحت السيطرة، وبالحجم المرسوم لها، دون أن تتجاوز قدراتها القتالية والجغرافية، ودون أن تضعف وتتلاشى نهائياً.

في اليمن، تتّبع الولايات المتحدة تلك الإستراتيجية. فهي في الوقت الذي تقول فيه إنها تحارب الإرهاب، نراها تغض الطرف عن منابع رفده المالية والفكرية والإعلامية والتغطية السياسية له من قبل جهات ودول ومؤسسات وجمعيات ورموز دينية معروفة بالاسم لواشنطن وللغرب كله. تنبع هذه الموارد من عدد من الدول الحليفة لواشنطن في الخليج وفي الشرق الأوسط، من الرياض حتى اسطنبول مروراً بالدوحة، ومع ذلك فواشنطن لا ترى ولا تسمع، بل تقتل وتقصف في المكان والزمان الذي يصادف نجم السُعد الأمريكي.

الحرب الدائرة في اليمن كانت وما زالت تمثل الأرض الخصبة المسمدة لتكاثر هذا الإرهاب، والمغذّي الرئيس له بالمال والسلاح وحرية الحركة لعناصره ومرونة تمدده وظهوره (عيني عينك) على شكل قوات عسكرية وسلطة قائمة، وأضحى في كثير من المناطق في الجنوب وفي الشمال – برداع – هو سلطة الأمر الواقع، ومعاهده الدينية في تكاثر مطرد، بل وأصبحت كثير من المساجد تحت هيمنته كمصانع تفخيخ فكري وعقائدي ناسف، وتتحرك قوافله تحت حماية مليشيات وعصابات وألوية وكتائب تحظى بالدعم الرسمي من السلطات المسماة تجاوزاً بـ”الشرعية”، ناهيك عن الحماية والتمويل الإقليمي الذي تحظى به هذه الجماعات جنباً إلى جنب مع تقوية شوكة المليشيات والكتائب التي تغلب عليها المسحة الوهابية المتشددة، والتي تستميت بشكل شيطاني على إظهار خلاف الجنوب مع الشمال على أنه خلاف مذهبي، والتي تم إنشاؤها على شكل مناطقي وجهوي مثير للاشمئزاز لتسهيل توجيهها والتحكم بها، ولتكون قوة موازية للأجهزة الأمنية والعسكرية الرسمية.

وهذه الأخيرة تم التعاطي معها من قبل “الشرعية” و”التحالف” على مسارين؛ الأول: إهمال مسألة عودة الكادر الأمني والعسكري إلى الخدمة العسكرية بعد أن سُرّح قهراً منذ عام 94م، والمسار الثاني: هو تهميش ما هو موجود من هذه الكوادر، والابقاء عليها في حالة موات سريري غير معلن، في الوقت نفسه الذي يتم فيه تفقيس مزيد من تلك المليشيات التي يطغى عليها العنصر المؤدلج عقائدياً وفكرياً، والذي يرفض كل الأفكار المخالفة له، ويقاوم كل أشكال مؤسسات الدولة المدنية، بل ويرفض من الأساس شيئاً اسمه دولة وجمهورية تحت وهم الدولة الإسلامية المزعومة، علاوة على استبعاد كل من المقاومة الجنوبية التي تتبنى القضية الجنوبية كقضية سياسية خالية من أسقام الطائفية وأدواء المذهبية، والتضييق على حركة المؤسسة الأمنية والعسكرية الجنوبية، على هزالة تواجدها ومحدودية نفوذها، في الجنوب والمدن الرئيسية بالذات.

المصدر: العربي

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى