العرض في الرئيسةفضاء حر

منذ ان حطت الحرب أوزارها في الجنوب . هل تغير شيء..؟

يمنات

فتحي بن لزرق

ماري انطوانيت هي الابنة التاسعة للملكة ماريا تريزا إمبراطورة النمسا تشربت بمبادئ والدتها وتعاليمها فكانت تطمح إلى اللهو والاستهتار وعزز فيها هذه الرغبة ما كانت عليه من مظاهر الجمال والرشاقة وامتشاق القد.

كانت ماري أنطوانيت في الرابعة عشره من عمرها مكتملة الأنوثة جميلة المظهر، جذابة، فاتنة وللشباب سحره..

لم تستطع الفتاة الصغيرة تحمل أعباء الزواج وتفهم دقائق مركزها العظيم للظهور بمظهر الجد والرصانة التي تقتضيها الرسميات لهذا لم تستطع ان تقاوم طبيعتها الجامحة طويلا حتى بدأت بعد أشهر تعبث وتطلب المتعة في المراقص والاحتفالات والنزه … كذلك كان زوجها الفتى الأمير لاهيا عابثا لا يهمه أمر زوجته هكذا انطلق كل من الاثنين إلى الناحية التي يريدها ففقدا احترام الناس لهما وخاصة النبلاء.

كان من نتائج طيش الملكين وعدم رعايته مصالح الرعية ونظام الدولة ان تفككت أوصالها وبدأت روح الثورة وخاصة بعد ان أصيبت البلاد بالفقر والقحط الشديد ارتفع معه ثمن الخبز إلى حد لم يكن الفقراء ليستطيعوا شراءه.

خرج الفقراء من الشعب الفرنسي بسبب جوعه ثائرا على ماري انطوانيت فكان ردها: لـ”الفقراء” ان لم يكن هناك خبزا، فليأكلوا البسكويت”..

و سقطت “ماري” وانتصر الشعب الفرنسي يومها..

كثيرا ما أعود إلى (عبارة) .. ان لم يكن هناك خبزا، فليأكلوا البسكويت”.. وانا استعرض حال الجنوب وأهله اليوم وانا أتجول على صفحات مواقع التواصل الاجتماعية ولسان حالي يردد وسط كل هذا الكم الهائل من محاولة تغييب وعي الناس البسطاء المقهورة .. ان لم يكن هناك امن وخدمات ورواتب ومعيشة تحترم أدميتهم فليأكلوا منشورات.

بعد قرابة عامين من تحرير مدينة عدن ومدن الجنوب الأخرى ما الذي أكله البسطاء غير المنشورات الخيالية وغير الواقعية .. لاشيء..

يموت الناس في الجنوب منذ عامين أمام مراكز البريد وانتظارا لساعات قليلة من الكهرباء وقطرات قليلة شبه نظيفة من الماء.

يسير العدني والضالعي والبدوي واليافعي والصبيحي وحتى الحضرمي كلا في مدينته ولسان حاله وفكره منشغل بالأفواه الجائعة التي تنتظره على أمل ان يعود لها بمرتب لايأتي رغم الانتظار الطويل الطويل الطويل..

في جنوب مابعد “الحرب” عليك ان أردت ان تكون وطنيا من الطراز الرفيع ان تكذب على الناس، ان تنزلق في منزلق تخدير البسطاء عن الجنة الموعودة والوطن القادم من خلف المجهول، عليك ان تكذب وتكذب وتكذب وعلى الناس ألا تنتظر شيء و الشيء الذي يجب عليك انتظاره أنت فقط مخصصك الشهري الذي سيأتيك كاملا، فقط استمر في تخدير الناس والكذب عليها..

عامان منذ ان حطت الحرب أوزارها في “عدن” ومحافظات الجنوب الأخرى.. هل تغير شيء..؟ .. لم يتغير شيء لم يتعدل شيء، لكن المطلوب من كبار الإعلاميين والنشطاء ان يواصلون مسلسل الكذب على هذه الناس المقهورة منشور تخديري صباحا وأخر عصرا وقبل النوم خدرهم بمنشور أخر وتحسس جيبك أخر الشهر..

في الجنوب وحده اليوم يأكل الناس منشورات الوهم والضياع.

يمسك الموطن البسيط في منزله المتهرئ بحي دار سعد أو كريتر أو غيرها هاتفه الصغير ويجول بين صفحات كبار الجنوبيين الذين يكتبون من عوالم أخرى فيقرأ الكثير من المنشورات غير الواقعية و الخيالية.

يجول ببصره في محيط غرفته، الكهرباء منقطعة، المي مقطوع وجيبه ومعدته ومعدة أولاده الممددين حوله فارغة من كل شيء.

يذهب صوب صفحته ويكتب بأصابع مرتعشة: “انا جائع .. انا خائف يشطب الأحرف ويعاود الكتابة”..

يتذكر نصيحة جاره ابو علي و هو يحدثه قبل ايام حينما شكى له الوضع ورد عليه ابو علي: “اهدأ يابو محمد بايجوا لك وبيشلوك من البيت وبايدخلوا قارورة بطيزك اعقل خلينا بحالنا”..

يبتلع ريقه بكل خوف وتلتمع على جبينه حبات عرق ناصعة.

يشعر بالخوف والضياع يتذكر كم التخوين لكل من سيقول ان الوضع في عدن (غير جيد) فيتراجع عن كل ذلك وعلى ضوء هاتفه يبحث عن جسد زوجته المتكوم بين كتلة أجساد عدة ليضاجعها بكل عنف انتقاما من كل هذا الفشل..

ينهض من فوق زوجته ويطل بأعين منكسرة لينظر إلى منزل جاره “أبو سكرة” تقف أمامه المدرعات والأطقم والبيت يتوسع ويعلو يوم بعد يوم..

“أبو سكرة” كان سارق سيارات قبل الحرب لكنه اليوم قيادي كبير ومدعي فضيلة كبير، يعيش بالرغد والنعيم ، بنظرات متحسرة ينظر هذا المواطن إلى كل هذا الكم الهائل من النعيم ويتذكر ابنه “الشهيد” الذي فقده في الحرب ويغيب في تخيلات كلها “مرة”.

في جنوب مابعد “الحرب” لاتقل شيئا، لاتنتقد احد اترك الجنوب وأهله يعيشون تخيلات جمة ليس بينها شيء واقعي واحد، لاتواجههم بالحقيقة المرة، لاتتحدث..

ثمة طابور طويل من الإعلاميين والكتاب والنشطاء يمارسون لعبة خلق “الوهم” لشعب تؤلمه الحقيقة يخاف الواقع.

في جنوب مابعد “الحرب” قل للناس ستأكلون التفاح من الطاقة لكي تكون أكثر وطنية، يشبه واقع اليوم واقع مابعد 1967 حينما كذب “الرفاق” على الناس وعادوا بعد 30 سنة من الوجع ليقولوا للناس لقد كنا “نكذب”!!..

في “عدن” اليوم يقف المواطن العدني ليردد: “عيني على حظي انا عيني عليا .. المواطن البسيط الذي ظن ان حاله سيتغير عقب الحرب عقب عقود من المعاناة والألم والعذاب”.

في “عدن” اليوم ان كتبت عن معاناة الناس وعذاباتها فأنت عميل لعلي محسن ولعلي صالح وهادي والإصلاح والحوثي وكل هذه المتناقضات لكن ان كذبت على الناس وخدرتها وصورت لها الوهم حقيقة فأنت وطني من الطراز الرفيع.

أثق ان “الجنوبي” سيفيق من كل ماحوله ولكن ككل مرة بعد خراب “مالطا” .. و الى ذلك ستواصل الناس أكل منشورات الوهم والخداع والكذب.

لن يتغير حالنا إلا حينما نعترف بأن واقعنا بحاجة إلى جهد حقيقي، جهد حقيقي يكرس لخدمة المواطن المسكين وليس خدمة القيادي فلان والقيادي “علان”.

من حائط الكاتب على الفيسبوك

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى