العرض في الرئيسةفضاء حر

نقل البرلمان إلى عدن .. ما له وما عليه

يمنات

صلاح السقلدي

القرار الذي اتخذه الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، قبل أيام، والقاضي بنقل مقر البرلمان اليمني من صنعاء إلى حاضرة الجنوب عدن، وبصرف النظر عن إمكانية تنفيذه من عدمه، فهو يشير إلى عدة أمور سلباً وإيجاباً بالنسبة لسلطة هادي ومعه حزب “الإصلاح”، وسلباً بالنسبة للوضع السياسي لمستقبل القضية الجنوبية، تستحق التوقف عندها، منها: أن الرئيس هادي والقوى الموالية له، وبرغم الحديث المستمر عن دخولها الوشيك بالقوة العسكرية إلى صنعاء، أصبحت على قناعة بأن دخول العاصمة اليمنية أصبح بعيد المنال على المدى المنظور إن لم يكن مستحيلاً أصلاً، برغم زيادة وتيرة الحديث في الأيام القليلة الماضية عن تقدم لقواتها في جبهات القتال ومنها جبهة باب المندب، التي يحارب فيها المقاتل الجنوبي وحيداً لمصلحة حزب “الإصلاح” والجماعة الجنوبية النفعية المحيطة بهادي وحكومته.

إتخاذ خطوة سياسية من قبيل نقل مقر البرمان، حتى وإن لم تنفذ على أرض الواقع، فهي تجعل الجنوب وثورته الشعبية ينضويان أكثر وأكثر تحت عباءة الشرعية التي يهمين عليها حزب “الإصلاح”، وتثير مزيداً من الغبار الكثيف أمام عيون العالم حيال القضية الجنوبية.

فالحديث أمام العالم عن نقل المؤسسة التشريعية الأولى (البرلمان) في البلاد إلى مدينة عدن يبعث برسالة سياسية للعالم، مفادها بأن الجنوب قد صرف نظراً أو يوشك عن مطالبه التحررية الإستقلالية، وأضحى يتماهى مع مشروع حزب “الإصلاح” وجماعة الرئيس هادي المتمثل بمشروع الستة أقاليم، الذي تمت صياغته قبل هذه الحرب بعيداً عن مشاركة القوى الجنوبية فيه.

و هذا بالفعل ما يريد حزب “الإصلاح” وباقي القوى اليمنية أن يصل الى مسامع العالم وبالذات المحيط الإقليمي، خصوصاً أن هذه الخطوة (نقل البرلمان) تأتي بعد استقرار الحكومة المعترف بها دولياً في عدن، وما تلى ذلك من خطوات كخطوة نقل البنك المركزي، وغيرها من الخطوات الذكية التي يتخذها حزب “الإصلاح” من خلال قرارات الرئيس هادي، وبتأييد ساذج وغبي من قبل القوى الحراكية الجنوبية.

صحيح أن ثمة صعوبة بالغة تحول دون انتقال أعضاء البرلمان اليمني جميعهم إلى عدن، وبالذات صعوبة الوضع الأمني في المدينة، والرفض الشعبي الجنوبي لكل ما هو رسمي شمالي، ولكن مجرد الحديث إعلامياً عن هذا الموضوع المعزز بقرار رئاسي يجعل المستفيد الأول والأخير سياسياً هو حزب “الإصلاح” والقوى النفعية الجنوبية المحيطة بهادي، والتي جميعها ترى أن خير وسيلة لإبقاء الجنوب تحت سقف وحدة 22 مايو 1990م هو إغراقه والكبس على رأسه، بنقل مؤسسات الدولة اليمنية إلى عدن، وفي هذا الوقت بالذات الذي ستجد فيه النخبة الجنوبية نفسها بحالة صدام مع دول “التحالف” إن هي وقفت صراحة بوجه شرعية هادي، التي تنفذ حرفياً الموقف الإقليمي والسعودي تحديداً، مع أنها (أي النخب الجنوبية) تعيش منذ قرابة عامين في حالة من الخنوع والانبطاح المذل تجاه الدول الإقليمية، والسعودية تحديداً.

ستستفيد القوى المناوئة لهادي وحزب “الإصلاح” (حركة أنصار الله – الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي العام) من قرار هادي نقل البرلمان إلى عدن استفادة سياسية، وستوظفه توظيفاً متوقعاً لمصلحتها. فهذا القرار يؤكد قطعاً أن الرئيس هادي ومعه حزب “الإصلاح” يعترفان بشرعية هذا البرلمان، وبقانونية ما يصدر عنه من قرارات وخطوات سياسية واقتصادية ومالية، منها على سبيل المثال قرار منحه الثقة لحكومة صنعاء التي يرأسها د. عبد العزيز بن حبتور، وفي ذات الوقت يؤكد عدم شرعية حكومة هادي التي يرأسها د. أحمد عبيد بن دغر كونها حكومة لم تحظ بالثقة من المؤسسة التشريعية الأولى في البلاد (مجلس النواب)، المعترف بها من الجميع بمن فيهم خصوم قوى صنعاء نفسها، وبالتالي فهي حكومة فاقدة للشرعية الشعبية من فقدانها للشرعية الدستورية.

كما وأن قرار نقل مقر البرلمان اليمني اليوم يبطل المبرر الذي كانت تقوله حكومة بن دغر الموالية لهادي حينما شكك خصومها بعدم شرعيتها كونها لم تنل ثقة البرلمان. فقد كانت هذه الحكومة تقول بأن عدم حصولها على ثقة البرلمان يرجع إلى صعوبة عقد مجلس النواب جلسة لهذا الغرض، بسبب الوضع الأمني باليمن عموماً وعدم القدرة على التئام المجلس في عدن أو غير عدن، إلا أن هذا القرار اليوم يكذّب ذلك المبرر، وبالتالي فالشكوك بشرعية هذه الحكومة ستتضاعف أكثر لدى المراقبين وبالذات القانويين والمشرعين، وإن كانت شرعية هذه الحكومة وشرعية هادي بالمقام الأول ليست مستمدة من الإرادة الشعبية بقدر ما هي مستمدة أساساً من خلف الحدود.

هناك من يقول إن قرار هادي بنقل البرلمان أتى بطلب من حزب “الإصلاح” لقطع الطريق أمام هذا البرلمان، والحيلولة دون اتخاذه خطوة سحب الثقة من ثلاثة من أعضائه، هم حسين الأحمر وحميد الأحمر وهاشم الأحمر، بتهمة الخيانة العظمى. قد يكون هذا سبباً وليس السبب الوحيد ولا الأبرز، فالقرار يطغى عليه البعد السياسي الذي يتجاوز الأشخاص إلى ما هو أبعد .. جنوباً جنوباً جنوباً.

المصدر: العربي

للاشتراك في قناة يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى