إختيار المحررالعرض في الرئيسةتحليلات

خطاب التنصيب يثير القلق .. “ترامب” قد يشعل فتيل قنبلة أمريكية داخلية

يمنات

عبد الوهاب الشرفي

[email protected]

– ستزدهر الولايات المتحدة مجددا ونحن الآن على أعتاب عهد جديد سيشهد طفرة..

– سنعيد بناء الولايات المتحدة بأيادي الأمريكيين..

– لن يتم تجاهل الشعب الامريكي بعد الآن و ستعود الولايات المتحدة قوية عظيمة من جديد.

هكذا قال ترامب ضمن خطاب تنصيبه، فالرجل غير راض بل ساخط على وضع الولايات المتحدة في الفترات السابقة، ففي عهود من سلفوه سلب الشعب الامريكي السلطة و سادت المؤسسات و لم تهتم الولايات المتحدة بمصالحها بقدر إهتمامها بتحالفاتها، و كان الداخل الامريكي مضروب جوهريا لدرجة أن مصانع الولايات المتحدة تموت و لا تعليم في مدارسها، و كذلك الجرائم تمزقها، هكذا يرى ترامب (الرئيس) هذه المرة و ليس (المرشح) الولايات المتحدة.

الولايات المتحدة الامريكية قبل ترامب دولة يجب أن تتغير فلم تكن في يوم ما بحاله جيدة، هكذا يراها ترامب، و حديثه الذي تركز على الشأن الامريكي يعكس ان لديه أهداف داخلية يجب أن تتحقق فالجزء الاكبر من مشكلات الولايات المتحدة هو داخلي، و على الاقل يراه ترامب كذلك و يحدد خط عمله في أول خطاب رسمي له كرئيس للولايات المتحدة بتغيير الداخل بدرجه رئيسية.

ما تحدث عنه ترامب ليس بالأمر العادي بالنسبة للولايات المتحدة فالأمر ليس تغيير سياسات أو أسلوب إدارة أو تدوير مسئولين، و إنما الأمر إحداث تغييرات هيكلية و جوهرية في بنية الولايات المتحدة، فالرجل لدية وجهة نظر يمكن وصفها بالناقمة على الديمقراطية الامريكية أولا قبل السياسة الأمريكية داخليا أو خارجيا.

الشعب الأمريكي غير موجود طوال الفترة الماضية في المعادلة و قد حلت المؤسسات في واشنطن محله، و يجب إعادة السلطة إلى الشعب الأمريكي، و بالتالي فالرجل لديه توجه لصراع مع المؤسسات الامريكية لينزع منها السلطة و يعيدها للشعب الأمريكي، و لم يسبق أن جاء إلى الرئاسة الامريكية رئيس يحمل هذا المزاج تجاه المؤسسات الأمريكية و التي تمثل الرئاسة إحداها و ليست كلها و ليست حتى متفردة بالتصرف دونها أو قادرة على التحكم الكامل بها.

المؤسسات الأمريكية ليست مقصرة و ليست معيبة و ليست متأخرة، و إنما هي خاطفة للسلطة من الشعب الأمريكي، و يرى ترامب أن مهمته إستعادتها، و من هنا سيكون لترامب سجال مع المؤسسات بدلا من التعاون و الإستعانة أو حتى الإعانة لها من موقعه كرئيس لتجاوز قصورها أو تتلافى سلبياتها، بل المؤسسات الأمريكية هي واحدة من مشكلات الولايات المتحدة.

إذا نحن أمام مهمة لترامب تتمثل في إعادة بناء الولايات المتحدة داخليا، و لكن الأمر لايتعلق فقط بالرئيس و إنما المؤسسات الأمريكية لها صلاحيات دستورية و قانونية لايمكن للرئيس تجاوزها، و عندما يكون ما هو مطلوب لمهمة ترامب لتبديل وضع هذه المؤسسات فإن الأمر سيجعل فترة ولايته فترة تجاذب داخلي يزداد توسعا يوما بعد يوم.

ليس هناك وعاء متحد في الولايات المتحدة هذه المرة، فالشعب الأمريكي الذي يريد ترامب أن يعيد له السلطة هاهم مئات الالاف في الشوارع يتظاهرون ضده بهذا الحجم لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة، الكونجرس الامريكي هو في حكم الجمهوري أي من ذات لون الرئيس ترامب و لكن هذا الأمر لن يجعل الكونجرس مسخرا له، فالتوجه لإحداث تغيير في “وضع الكونجرس كمؤسسة”  سيجعل الكونجرس نفسه في حالة تجاذبات حادة غير مسبوقة فالديمقراطيون سيكونوا معنيين بوضع الكونجرس كمؤسسة بشكل مباشر،  فالأمر ليس سياسة  او قانون او قرار يمكنها أن تمر بالتصويت و الاغلبية بالسلاسة المعتادة.

الخارجية الامريكية أيضا لديها من الملفات الدولية ما لايمكن لها أن تجاري ترامب في توجهه هذا دون حدوث أزمات معها لما ستراه هي من إنعكاسات سلبية على الولايات المتحدة ستحملها مسئولية القبول أو المسايرة لتوجهات ترامب مع معرفتها بهذه الإنعكاسات، وبالتالي كثير ما ستعمل لتخلي مسئوليتها، و ذات الأمر بالنسبة للبنتاجون.

لم يكن هناك مبرر ليتحدث ترامب في خطاب تنصيبه بمثل هذه اللغة المبشرة بنزاع حاد مع المؤسسات الامريكية فالمؤسسات ليست منافسته كلينتون، و ترامب لم يعد مرشحا ليتحدث عن مسائل تهم الولايات المتحدة بهذه الحدة و المباشرة و “المخاصمة” و إعلان الإستهداف، فالمفترض و المعتاد هو الحديث عن التوحد و التعاون و نحوه فترامب لم يعد منافسا و إنما بات رئيسا، و طالما أنه لا مبرر لهكذا لغة إستخدمها في خطاب تنصيبه، فالامر بالنسبة له جاد و لديه رؤية لوضع مختلف يجب أن يقوم بإرسائه في الولايات المتحدة.

خطاب ترامب اليوم فيما يتعلق بالداخل الأمريكي و هو خطاب تركز أساسا على الشأن الداخلي مؤشر لدخول الولايات المتحدة مرحلة مختلفة بالفعل ليس كما بشر بها ترامب بأنها طفرة و إستعادة لسلطة الشعب، و إنما هي مختلفة من ناحية إستقرار الولايات المتحدة التي سيضاف لها تجاذبات حول المؤسسات الامريكية نفسها و ليس حول سياساتها، و كل ما هو بادئ اليوم من توترات داخلية في الولايات المتحدة و خصوصا الموقف الشعبي المختلف كما لم يحدث من قبل تجاه رئاسة ترامب سيزداد و يتضاعف، و قد تحدث في الولايات المتحدة مفاجاءات داخلية غير متوقعة، فما قاله ترامب في خطاب تنصيبه إذا ما مضى بالفعل في تنفيذه – و هو البادي من لغته في خطاب ذو طبيعة خاصة – فسيكون إشعال فتيل لقنبلة داخلية ستصل في يوم ما للإنفجار.

المصدر: رأي اليوم

رئيس مركز الرصد الديمقراطي – اليمن

للاشتراك في قناة يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى