العرض في الرئيسةفضاء حر

علامات اليوم الاخير من الحرب

يمنات

لطف الصراري

في قصته “نحو النجوم”، يورد وليام فوكنر مشهداً لجنود بريطانيين وأمريكيين في اليوم الذي أُعلن فيه إيقاف الحرب العالمية الأولى: “… في عتمة نوفمبر الباردة، كان وقف إطلاق النار، ذلك الكابوس الذي لا يصدق، الفتنة الحية للشهوات الفائضة، والجشع المكفن بالرايات والبزات العسكرية”.

حدث ذلك في 11 نوفمبر 1918، وهو اليوم الذي اختاره فوكنر لتدور أحداث القصة فيه، على أرض فرنسية. مجموعة من الطيارين والضباط، أحدهم يصطحب معه أسيراً ألمانياً ويصرّ على أنه يمتلكه. ومنذ لحظة أسره وهو يجبره على شرب الخمر ويجرجره معه من حانة لأخرى. لم يكن ضباط الحلفاء راضين تماماً عن وقف إطلاق النار، سيما في اللحظة التي اصطدموا فيها بإدراك عبثية ما هم فيه؛ حرب تم سوقهم إليها تحت شعارات وطنية وإنسانية رنانة، ويتم إعلان وقفها بدون أن يقتنعوا بأن الهدف الذي قاتلوا من أجله قد تحقق.

أحد تمظهرات عدم اقتناع المحاربين المتعصبين، يتجسد في الضابط الأمريكي الذي قرر إرضاء سخطه وكراهيته للألمان، بامتلاك جندي أسير.

قبل أسبوعين تقريباً، أعلن وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، من العاصمة العمانية مسقط، عن توصل السعودية وجماعة الحوثي إلى اتفاق وقف إطلاق النار، والبدء بتنفيذ خارطة الطريق التي “يعمل عليها” المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ. “السعودية وجماعة الحوثي”! لم يذكر تصريح كيري أطرافاً أخرى، ما يعني أن “العمليات القتالية” تدور بين هذين الطرفين فقط، فلماذا لم تتوقف الحرب إذاً؟

السؤال الأنسب هنا: لماذا اشتدت ضراوة القتال في معظم الجبهات بالتزامن مع إعلان التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار..؟

منذ الحديث عن مفاوضات مسقط الأخيرة، التي أجريت في ظل تكتّم شديد من قبل الحوثيين والسعودية، سمح المتضررون الفعليون من هذه الحرب، للأمل الكاذب أن يعبث بتوقعاتهم مرة أخرى.

ذلك هو التوق الشديد لانتهاء الحرب لدى ضحاياها الأكثر تضرراً؛ المواطنين الذين يكابدون الجوع والبرد والمرض والموت المجاني، والخوف من القادم الأسوأ. هؤلاء الذين لا يعرف المفاوضون وقادة الحرب شيئاً عن تفاصيل موتهم البطيء كل يوم، في ظل قتامة الحرب المتزايدة.

كان واضحاً من المؤشرات الميدانية للقتال وحصر المفاوضات بين السعودية والحوثيين، أن ما يجب أن ننتظره من إعلان وقف إطلاق النار هذه المرة، ليس حتى سلاماً أعرجاً، بل انعطافة في خط سير الحرب قد تكون أكثر خطورة وأشد قتامة.

وكما يحدث عادة، ليس المحاربون فقط من يشعرون بأنهم لا شيء بدون قتال، هناك أيضاً القادة الذين أدمنوا ذلك الفائض من شهوات الجشع والقتل والتدمير الكامل لكل ما يمكن أن تدب فيه الحياة بمجرد توقف القتال.

ذلك أن إيقاف الحرب بالنسبة لهم يعني الموت، ولسان حالهم كما يقول أحد شخوص قصة فوكنر عن اليوم الذي تتوقف فيه الحرب فعلياً: “جميع أبناء جيلنا الذين خاضوا هذه الحرب ماتوا الليلة لكننا لا نعرف ذلك بعد”.

المصدر: العربي

زر الذهاب إلى الأعلى