أخبار وتقاريرالعرض في الرئيسةتحليلات

خفايا الدور الاماراتي ومحاولة اغراق السعودية في اليمن (4-4)

يمنات

عبدالعزيز ظافر معياد

[email protected]

توجه اماراتي لتكريس علاقة عدن بحضرموت بوضع مشابه لعلاقة غزة بالضفة الغربية

في أكتوبر 2015م نشر موقع ميدل إيست آي، تقريرا مطولا أعده الصحفي البريطاني المخضرم “ديفيد هيرست” كشف فيه عن وثيقة استراتيجية سرية أعدها فريق مقرب من ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، تكشف أن أبوظبي فقدت الثقة في قدرة الرئيس المصري على خدمة المصالح الإماراتية بعد دعمه بمليارات الدولارات، و فقرات من حديث منسوب لـ”ابن زايد” قال فيه بالحرف الواحد: “يجب على هذا الرجل (السيسي) أن يدرك أنني لست صرافا آليا .. أنا أعطي و لكن بشروطي، أنا أعطي إذاً أنا أحكم”.

اعتقد ان الأمر الهام في تلك الوثيقة، هو كشفها الوجه الحقيقي لـ”ابن زايد” خاصة ما يتعلق بطريقة تفكيره وسعيه لمد نفوذه وتحكمه في دول أخرى، علاوة على القاعدة الأساسية التي تنطلق منها سياسته وهى الثمن الذي سيحصل عليه مقابل الدعم الذي يقدمه للطرف الاخر. و هنا يطرح السؤال نفسه اذا كان بن زايد يريد ان يتحكم في قرار وسياسة دولة بحجم مصر نظير ملياراته لنظام السيسي، فما هو الثمن الذي سيطالب به محمد بن زايد من هادي وحكومته ومن ورائهم السعودية نظير مشاركة الامارات في العدوان على اليمن..؟ وما هو الثمن المطلوب من الحراك في الجنوب تحديدا جراء دعمه اللامحدود لهم ولمشروعهم الانفصالي..؟ خاصة ان كلفة المشاركة الإماراتية في الحرب مرتفعة جدا وبالذات مع تجاوز عدد قتلى القوات الاماراتية الـ 105 عسكري حسب البيانات الرسمية وعدم استبعاد ان يكون العدد الحقيقي أكبر من ذلك بكثير.

غموض في إدارة نظام بن زايد للوضع في المحافظات الجنوبية والشرقية

ترجح السياسة الإماراتية الحالية في اليمن، أن الثمن المطلوب يتجاوز التحكم في قرار وسياسة الدولة اليمنية، الى دعم إعادة تقسيم اليمن واقتطاع جزء منه وضمه الى السيادة الإماراتية مستقبلا، و هو ثمن يفوق قدرة حلفاء ابوظبي في اليمن تقديمه لها وتحمل تبعياته الداخلية عليهم حتى لو قبلوا بتقديمه لحليفتهم الخليجية، ويبدو جليا ادراك ابوظبي لهذه الحقيقة، الأمر الذي جعلها تعمل على تحقيق أهدافها عبر انتهاج خطة يكتنف غالبية بنودها الغموض والتناقض، ما جعل حلفائها قبل خصومها في حيرة من أمرهم وغير مستوعبين ما الذي تريده ابوظبي بالضبط..؟

صور كثيرة عبرت عن غرابة وتناقضات سياسة “ابن زايد” في اليمن والمحافظات الجنوبية والشرقية تحديدا، فتارة تظهر اهتمام عالي المستوى في تقديم المساعدات الاغاثية وتنفيذ عملية واسعة لترميم المدارس والمباني المتضررة من الحرب، كما قدمت شحنات نفطية ومولدات كهربائية ضمن جهودها لمساعدة السلطة المحلية في تحسين مستوى الخدمات الرئيسية، و دعمت بسخاء أجهزة الامن بالمركبات والاسلحة اللازمة لتعزيز قدراتها ورفع ادائها الأمني.

نقاط غامضة

لكن وبصورة مناقضة تماما، اظهرت ابوظبي برودا عجيبا ولا مبالاة غير مفهومة في حالات كثيرة نورد بعض الأمثلة:

الأولى: تجاهلها الحالي لازمة الصرف الصحي الأخيرة وغرق معظم احياء عدن بمياه المجاري وما رافقه من انتشار مرض الكوليرا في بعض مناطقها، وقبل ذلك أظهرت ابوظبي تلكؤ وبطء شديد في التجاوب مع مناشدات ومعاناة أبناء عدن في رمضان الماضي لمساعدتهم في معالجة مشكلة الكهرباء خاصة مع تزايد حالات الوفاة جراء ارتفاع درجات الحرارة، واكتفت الحكومة الإماراتية بتقديم قرض مالي لحكومة هادي لمعالجة محدودة للمشكلة وبصورة اوحت بوصول نظام ابن زايد لمرحلة من الضيق والرغبة في وقف المساعدات والخدمات المجانية لأبناء عدن ومحيطها.

الثانية: تجاهل ميناء عدن وعدم الاكتراث بتنشيط حركة الملاحة فيه..

قد يتفهم البعض أسباب التململ الاماراتي وعدم رغبته في تقديم مزيد من الأموال والمساعدات لأبناء عدن ومحيطها جراء ارتفاع فاتورة الحرب في اليمن والضائقة المالية التي تعاني منها الامارات كغيرها من الدول المنتجة للنفط مع تراجع أسعاره العالمية، لكن الامر غير المفهوم هو تجاهل ابوظبي التام لميناء عدن وعدم ابداء أي رغبة حقيقية او توجه لتطوير اداءه وإعادة النشاط التجاري اليه، خاصة ان الإمكانيات والخبرات العالمية التي تمتلكها موانئ دبي ستعزز من فرص نجاح ذلك، و على الرغم من أهمية هذه المسألة خاصة مع حقيقة أن استعادة الميناء لعافيته سيجعل عدن والمحافظات المحيطة بها في غنى عن أي مساعدات جديدة، وسيزيل عن كاهل الامارات العبء المالي هناك.

لكن ما يحدث هو العكس تماما، ويؤكد صحة ما طرحناه في الحلقة الثانية من خفايا الدور الاماراتي في اليمن بخصوص سعي نظام بن زايد لإبقاء ميناء عدن في وضعه البائس لأسباب تناولناها في تلك الحلقة، ولعل آخر الأدلة على صحة هذا الطرح ما كشفه الصحفي فتحي بن لزرق رئيس تحرير صحيفة “عدن الغد” في منشور له على صفحته في الفيسبوك قبل عدة أيام عن تلقيه اتصال من احد المسؤولين بميناء عدن يستفسر فيه عن مدى صحة الخبر المنشور في الصحيفة بشأن تزويد الإماراتيين لميناء المكلا بحضرموت بتاج بحري (سفينة صغيرة تقوم بجر البواخر الى داخل رصيف المناولة)، و كانت وكالة انباء الامارات قد ذكرت في ال27 من أكتوبر الجاري عن تسليم هيئة الهلال الأحمر الإماراتي ميناء المكلا قاطرة بحرية حديثة اسمتها “التك”.

المفاجئة هنا ما كشفه مسئول ميناء عدن من ارسال إدارة الميناء لـ 13 مذكرة للإماراتيين طالبوا فيها بمساعدتهم في توفير تاج بحري ولو بالتقسيط لكن دون أي رد من الاماراتيين، تخيلوا مطالبة ممتدة لأكثر من عام من اجل الحصول على سفينة صغيرة لتغطية جانب حيوي في حركة الميناء التجارية، و مع ذلك تجاهل الاماراتيين الامر بصورة تكشف عن نوايا سلبية تجاه الميناء، وفي الوقت ذاته يبدون تباين واضح في طريقة تعاملهم واهتمامهم بميناء المكلا، ورغبة في تطويره تتجاوز مسألة صغره وتواضع امكانياته، وهى مرتبطة في الغالب بتوجه عام تبدي فيه ابوظبي اهتماما خاصا بحضرموت وتوجها لتطوير البنية التحتية فيها بصورة لا نجده في توجهها نحو عدن، والتي يغلب على نشاطها هناك المساعدات الإنسانية والديكورية.

الثالثة: صورة أخرى من تناقض وغموض سياسية ابوظبي في المحافظات الجنوبية والشرقية، تظهر في الجانب الأمني والعسكري، فرغم تقديمها لمساعدات ضخمة لأجهزة الامن والالوية العسكرية في عدن لإحكام السيطرة الأمنية على عدن ومحيطها، لكنها تعمدت إبقاء تلك الأجهزة غير موحدة تحت قيادة واحدة، رغم ما يسببه ذلك من ثغرات امنية مكنت الخلايا الإرهابية من اختراق حزامها الأمني وتنفيذ عمليات داخل عدن من حين لآخر، ولعل الامر الأكثر غرابة يتعلق بتجاهل الامارات دعم مسلحي ما يسمى المقاومة الجنوبية في المناطق الحدودية في جبهات الصبيحة وكرش ولودر رغم ان ذلك يعتبر أمرا ضروريا لفرض تقسيم اليمن الى شطرين شمالي وجنوبي كما ترمي اليه في المرحلة الأولى من مخططها التقسيمي.

الرابعة: هناك غموض كبير فيما يتعلق بالدور الذي تقوم به ابوظبي فيما يتعلق بإعادة تشكيل الجيش في المحافظات الجنوبية والشرقية، فإلى جانب تأسيسها لجيشين يتبعانها مباشرة الأول في عدن ويعرف بقوات الحزام الأمني ويقوده رجلها القوي الوزير السلفي هاني بن بريك، و الثاني في المكلا وتعرف بقوات النخبة الحضرمية، فإنها تحرص على تشكيل الالوية العسكرية الأخرى على أسس مناطقية وقبلية بحتة، الامر الذي لا يثير الشكوك فقط في وجود نوايا مستقبلية لتقسيم الجنوب الى كيانين احداهما في حضرموت والأخر في عدن، بل يتجاوزه الى احتمال إعادة الجنوب الى أيام السلطنات والمشيخات الـ 23 التي كانت قائمة في زمن الاستعمار البريطاني.

النقطة الخامسة: رغم ما تبديه الامارات من حماس في محاربة الإرهاب، والذي اظهرته قبل اشهر خلال حملتها الكبيرة لطرد القاعدة من المكلا ومدن حضرموت الساحل وقبل ذلك دورها في طرد القاعدة من عدن وامتداد السيطرة الأمنية الى لحج وابين، لكن ما يزال السماح لعناصر القاعدة و داعش بالانسحاب من حضرموت وعدن باتجاه ابين وشبوة مع احتفاظهم بكميات هائلة من الأسلحة التي سيطروا عليها من معسكرات الجيش بما فيها السلاح الثقيل، غير معروف الأسباب، كما لا يبدو مفهوما سبب تأجيل العملية العسكرية التي اعلن عن قرب شنها منذ عدة اشهر لطرد القاعدة من محافظة شبوة ذات الأهمية الاستراتيجية.

يضاف الى ذلك عدم اهتمام ابوظبي في تمكين السلطة المحلية وأجهزة الامن في ابين من القيام بمهامها للحيلولة دون عودة القاعدة للسيطرة مجددا على مدن المحافظة بعد طردها منها وبالذات مع عودة عناصر القاعدة في الأسابيع الاخيرة الى منطقة الوضيع مسقط رأس هادي عقب انسحاب القوات الحكومية منها، وما يتسبب فيه هذا الوضع من إبقاء التواصل البري بين حضرموت وعدن شبه مقطوع وتكريس وضع مستقل بين الاقليمين وكأننا امام نسخة مشابهة لوضع قطاع غزة مع الضفة الغربية.

من خلال طبيعة وديناميكية التحرك الاماراتي على الأرض في المحافظات الجنوبية والشرقية وتفاوت مستوى والاهتمام من منطقة الى أخرى، يمكن القول ان الاجندة الإماراتية في الجنوب اليمني تركز على تحقيق عدة اهداف لعل أهمها هدفين رئيسيين هما:

الهدف الأول: التركيز على انتزاع أرخبيل سقطرى من اليمن وضمه الى السيادة الإماراتية، ويبدو جليا اعتبار ابوظبي ذلك هدفا رئيسيا تسعى لتحقيقه في اسرع وقت ممكن وتتعامل معه كأولوية مطلقة، وتسخر من اجل تحقيقه الجزء الأكبر من جهدها وامكانياتها المخصصة لأجندتها في اليمن، وهذا سيكون محور الحلقة المقبلة.

الهدف الثاني: احكام القبضة على إقليم حضرموت الذي يضم محافظات (شبوة، حضرموت، المهرة، إضافة الى أرخبيل سقطرى) وتبلغ مساحته اكثر من 55% من اجمالي مساحة اليمن، تمهيدا اما لضمه بعد ذلك الى دولة الامارات، أو تحويل الإقليم الى دويلة مستقلة عن اليمن لكن مع وضعها تحت وصاية غير مباشرة للنظام الاماراتي، و رغم ان هذا الامر يعتبر هدف رئيسي آخر لأبوظبي في اليمن، لكنها مضطرة للعمل على تحقيقه على مراحل والانتظار لعدة سنوات قادمة حتى تتجاوز عدد من العقبات الرئيسية خاصة ما يتعلق بالأطماع السعودية في حضرموت، والمواقف الرافضة المتوقعة لعدن وصنعاء من هكذا توجه، لكن قد تلجأ ابوظبي في حال فشل مسعاها لتقسيم السعودية، لمحاولة التوصل الى تفاهم مع الرياض بشأن تقاسم إقليم حضرموت، بحيث تستقطع سقطرى والمهرة وجزء من حضرموت مقابل استحواذ السعودية على الجزء الأكبر من مساحة حضرموت وشبوة وللحديث بقية.

المصدر: حائط الكاتب على الفيسبوك

للمزيد

خفايا الدور الاماراتي ومحاولة اغراق السعودية في اليمن (1-4)

خفايا الدور الاماراتي ومحاولة اغراق السعودية في اليمن (2-4)

خفايا الدور الاماراتي ومحاولة اغراق السعودية في اليمن (3-4)

زر الذهاب إلى الأعلى