العرض في الرئيسةفضاء حر

أمريكا والإرهاب في العالم العربي

يمنات

اسيا الصراري

یقول الباحث الیمني قادري أحمد حیدر: “من لا یتعلم من التاریخ ومآسیه،محكوم علیه بتكراره،وإعادة إنتاجه وهنا تکون الكارثة”.

هذه العبارة كثيراً ما أجدها تخطر علی بالي مع کل واقعة أو فاجعة یشهدها عالمنا العربي دون الاستفادة من وقائع تاریخیة سبق لها وإن كانت واقعة مشابهة لها مع تغیر أبطال الحرب أو بمعنی أدق صناع الحرب ومدیري الأزمات في العالم العربي إن جاز التعبیر.

ففي 19/مارس/2003، قادت أمریکا وبریطانیا حرب علی العراق أدت إلی الإطاحة بنظام”صدام حسین”واحتلال العراق.تحت ذریعة أن الرئیس صدام حسین لم یلتزم بتطبیق قرارات الأمم المتحدة ولاسیما تلک المتعلقة بنزع أسلحة الدمار الشامل.

ومن هنا حاولت أمریکا أن تصدر قرار من مجلس الأمن یمنحها حق استخدام القوة ضد العراق وحین لم تتمکن نظرا لأن الكثير من الدول الكبرى علی رأسها – فرنسا وروسیا والصین وألمانیا- رفضت الموافقة علی إصدار القرار لأنها لم تکن متفقة مع الموقف الأمريكي من قضیة أسلحة الدمار الشامل حينها لچأت أمریکا لتنسیق مع بریطانیا وبعض الدول لحشد قوتها إلی الكويت ‌ومن ثم غزو العراق واحتلالها.

هذا المشهد وبکل ما یحمل من ذرائع عقبها مأساة احتلال العراق والإطاحة برئیس عربي بما یخدم الصالح العام لأمریکا في المقام الأول كونه كان يشكل عقبة أمام تحقیق مشروعها الذي یهدف إلی إحداث تغیر في الأنظمة السیاسیة للعالم العربي والإسلامي ربما لأنها رأت أن الحكام الحالین أصبحوا عجزة عن تحقیق تلک الأهداف وترید تحقیقها بأوجه جدیدة تکون قد سعت لترویضهم بما یسهم في تنفیذ مشاریعها ولضمان عدم صعود حاكم أخر یکون قد وعی سیاستها فیتمرد علیها ولاسیما بعد إن رأت أن الحكام الأوائل أصبح أمرهم مكشوف لشعوبهم فبدأت الشعوب تتحرک نحو إشعال الثورات _ثورات الربیع العربي_ لتطیح بتلک الأنظمة لیست الاستبدادية فحسب بل والمرهونة لخدمة مشاریع الخارج الذي یستهدف العالم العربي محور الصراع بین الدول الكبرى الیوم منها أمریکا وروسيا وإیران کلا منها ترید توظیف العالم العربي لخدمة مصالحها والسعي به نحو تغییر سیاسته بما یتفق مع ذلک.وهذا ما أصبح الیوم واضحا من خلال مشاهد إدارة أمریکا للأزمات في الوطن العربي وتدخلاتها بصور وذرائع مختلفة حسب ما تقرره المرحلة في بلد من البلدان العربیة أبرزها الیوم مكافحة الإرهاب أو بما یسمی الیوم “داعش” الصورة المكبرة للإرهاب بفضل برنامج التغذیة الأمريكي له لدب الخوف والرعب في قلوب العرب لما يشكل من خطر كبير یهدد حیاتهم وأمن الدولة والأهم دینهم الإسلامي الذي یسعی داعش الیوم لتشویهه وتصویره بأنه دین الإرهاب لا دین السلام مستغلة الجماعات الدینیة المتطرفة التي لا تخدم الدین بتطرفها بقدر ما تسعی إلی تشویهه وتنفیر الناس منه والسعي نحو إعادة الأوطان إلی ماضي بعید. ماضي التخلف والظلام و تكبيل حریة الفرد وتجمید فکره لیمکنها من السیطرة وإخضاع الناس لها بأعمالها الإرهابیة منها محاربة الأفكار والمعتقدات والأدیان…المتناقضة معها مستغلة اسم الرب والدین،وما یحدث الیوم خیر برهان علی ذلک.

وهذا ما یجعل الشعوب الیوم تسعی بقوة نحو فصل الدولة عن الدین وهم یؤسسون دولتهم المدنیة الحدیثة.فقضیة علاقة الدین بالدولة هي قضیة بحد ذاتها، من أبعادها التعصب وعدم قبول الأخر لیس علی الصعید الفكري والدیني فحسب بل أیضاً علی الصعید السیاسی بعد توظیف قوى السلطة الدينية للدین في خدمة الحكام.

و من هنا وجب وضع قضیة تسييس الدین في عین الاعتبار وکقضیة من أهم القضایا التي تعصف بالمجتمعات ولاسیما المجتمعات العربیة، ما یجعل الخارج یقوم باستغلالها لصالحه في إشعال الحروب المذهبیة والطائفیة في الأوساط العربیة التي لا یرید لها الاستقرار.

وهذا ما نشهده الیوم في کثیر من البلدان العربیة منذ أصبح داعش یتربص بها کالعراق وسوریا والیمن، مستغلا الأزمات السیاسیة فیها. هنا أمریکا تلعب علی الحبلین أو بورقتین – كيفما شئت أسمیتها – الإرهاب أو داعش بثوبه الجدید والأزمات السیاسیة التي تعصف بالأوطان العربیة منها العراق وسوریا والیمن نتیجة لتغلیب الساسة مصالحهم عن المصلحة الوطنیة، لذا تجد أمریکا حاضرة وبقوة وإن كانت بصورة المفارع.

أما أزمة العرب مع إیران وکأحد الدول التي تسعی لخلق الفوضى في الأوطان العربیة تکمن في سعي إیران لتصدیر ثورتها الإسلامیة وتعمیمها في المنطقة والعالم الإسلامي بما یخدم مصالحها کدولة تسعی الیوم لمنافسة أمریکا وانتزاع العظمة منها، وکما أشرنا سابقاً أن هذا النظام الشمولي القائم علی توظیف الدین لخدمة السیاسة قد مقتته الشعوب لذا تجدهم یقاومونه وبقوة ویقاومون کل من یرضخ للسیاسة الإیرانیة وما یحدث بسوریا والیمن خیر برهان.

فالقضیة هنا لیست قضیة خوف وقلق من أن یسیطر الأقلية الشیعة علی الحكم بل قضیة تعمیق لقضية توظیف الدین بما بخدمة السیاسة الإیرانیة في المقام الأول. هذا لو نظرنا للقضیة العربیة الإیرانیة نظرة منطقیة لا تعصبیة مذهبیة کما یحدث الیوم من صراعات بین السنة الوهابين بقیادة السعودیة والشیعة بقیادة إیران في محاولة کل منهم إلغاء الآخر لیبقی هو المسیطر متجاهل القضیة الأم وهذا لا یخدم إیران أو السعودیة بقدر ما یخدم في المقام الأول أمریکا،وهذا یعني أن أمریکا تستغل سیاسة إيران أیضاً لصالحها وما یحدث في الیمن نموذج لهذا الصراع.

فما إن تابعت الحرب في الیمن منذ بدأ التخطیط لها عقب الثورة في محاولتها لحرف الثورة الیمنیة عن مسارها الصحیح ستجد أن في بادی الأمر أخذت طابع سیاسي بحت بعیداً عن کل أشكال النزاع الطائفي والمذهبي والمناطقي،شعب ثار علی نظام استبدادي کما هو الحال في سائر بلدان الربیع العربي تونس،مصر،ولیبیا وأیضا سوریا في بدایة ثورتها الشعبیة التي سرعان ما جرها النظام إلا مربع العنف وحرفها عن مسارها.

في الیمن لم یتمکن النظام من حرف ثورتنا عن مسارها الصحیح صوب الحرب والنزاع الطائفي کما هو الحال بسوریا رغم محاولاته العدیدة التي باتت بالفشل لأن الثورة بالإرادة الشعبیة القویة والعزم علی الخلاص من شبح الحروب التي أثقلت كاهل الشعب في ظل نظام صالح قاومت إلی حدٍ كبير من أن تتخذ من الحرب وسیلة لخلاصها من الاستبداد العائلي إلی أن تضاربت المصالح بعد أن أخذت بعض المكونات الثوریة تستجیب لصوت أحزابها وسعي البعض نحو تغلیب مصلحة الفرد عن مصلحة الوطن وبدأت تبرز ملامح المطامع في نفوس الساسة ورغبة کل منهم في السیطرة والحكم.

من هنا بدأت التوترات بین مختلف فصائل الثورة لکن لیست بتلک السرعة التي كان یراهن علیها البعض ربما لأن الإرادة الشعبیة حینها كانت أقوی من إرادة الساسة، ونستطیع القول نجح عفاش إلی حدٍ كبير في تنفیذ مخططاته الشیطانية وجرهم لمربع العنف وتصویر المشهد الیمني علی أنه نزاع طائفي مذهبي من خلال هذه الحرب الكارثية التي نشهدها منذ مطلع 2015…

وکأن ما حدث في الیمن من اصطفاف ثوري لكافة أبناء الشعب الیمني الثائر بمختلف فصائله ومكوناته وأنتمائته الحزبیة والطائفیة والمذهبیة لم یکن،وهذا عار من الصحة فقد شهدنا جمیعا وشهد العالم أجمع التلاحم الشعبي في ظل الثورة بمعناها ومضمونها وطابعها الشعبي ولم نشهد خلالها رغبة الأطرف من الثأر لنفسه والانتقام من طرف ما عن طریق الثورة إلی أن تضاربت مصالح الساسة لکن الشعب الثائر ظل بعیداً عنهم إلا أقلیة قلیلة من التبعیة.

لا تعترف الأنظمة الاستبدادية بأسباب وحقیقة الثورات الشعبیة والصراعات ذات الطابع السیاسي التي تشهدها بلدانها والتي تکون هي غالباً السبب الرئیسي فیها، لذا تجدهم سرعان ما یصورون هذا الصراع السیاسي علی أنه صراع طائفي..مذهبي بعد ما یسعون لشحن هذه الفكرة الخبیثة في أدمغة الناس بواسطة علماء السلطة وقواها الدینیة المختلفة التي تغذي هذه الشحنة الخبیثة نتیجة خلط الحابل بالنابل،أي “السیاسة بالدین”وهذا کما أشرنا سابقاً مشكلة بحد ذاتها یجب معالجتها أولاً والقضاء علیها قبل السعي لبنا الدولة المدنیة التي كانت ولازالت حلم الشعب الیمني،لأنها ستبقی عقبة أمام تحقیق الحلم والعنصر الهدام لکل مقومات الدولة المدنیة إضافة إلی ذلک أن الوطن سيظل مرهون للقوی الخارجیة أیضا التي لیس من صالحها بناء الیمن وانفتاحه علی العالم مستغلا هذه الجماعات في إثارة الفتن والحروب..

هذا إن أردنا حقا أن تتکلل عملیة البناء بنجاح وأن لا تتكرر مشاهد الحروب التي شهدتها بلادنا علی وجه الخصوص خلال مراحله التاریخیة المختلفة في ظل الأنظمة الاستبدادية وتغذیة القوی الخارجیة لها.

زر الذهاب إلى الأعلى