العرض في الرئيسةقضية اسمها اليمن

اللاجئون السوريوّن بحضرموت بين معاناة الاقامة وسماسرة الاستقدام والأمل بالدخول إلى السعودية

يمنات- العربي

نبيل سعيد

من ريف دمشق، إلى بيروت أو عمان، ومنها إلى صنعاء. رحلة السفر قد تحطّ بهم، أيضاً، في الخرطوم، بوصفها خياراً متاحاً للجوء، لكن سرعان ما تتّجه بوصلة الغالبية العظمى نحو جنوب شبه الجزيرة العربية، حيث تحطّ بهم الرحال في صحراء الربع الخالي بحضرموت… في رمال بلا ذاكرة. هناك، ينشدون لقيا حبيب أو قريب، سبقهم بعبور أسوار الوديعة، التي لا يستطيعون تجاوزها بسهولة، نظراً للإجراءات المعقّدة، لذا يعودون أدراجهم إلى وادي حضرموت، وتحديداً إلى حاضرته مدينة سيئون، التي يتّخذون منها مقرّاً للإقامة، في حين يمتهنون “التسوّل” وسيلة لسدّ رمقهم، وهم في ذلك، مجبورون، كما يقولون.

كهول وشباب وأطفال ونساء، مثخنة كواهلهم بأثقال السفر، وآلام المرض، ومفعمة مهجهم بذكريات زمن “الشام” الذي انقرض. يطمحون إلى حياة أفضل، بعيداً عن مآسي الوطن. لم تفارق تفاصيل الحرب السورية المؤلمة ذاكرتهم، إذ ما تزال تداعياتها النفسية والإجتماعية تؤرّقهم. فمن الهواجس حول المستقبل المجهول، مروراً بالمعاناة اليومية من أوضاع اللجوء القسري، في بلد كاليمن، وصولاً إلى التفكير بالمصير والمآل، وهو الهمّ الأكبر لدى أفراد تلك الأسر، التي تفرّقت بين لاجئ، ونازح، ومفقود، وقتيل… تمتدّ رحلة البحث عن بقايا وطن تشظّى في عيون العرب، وعن بقايا مروءة نحرت بمصقلة الشتات.

أرقام

يبلغ عدد اللاجئين السوريين المتواجدين، حاليّاً، في مدينة سيئون 138 لاجئا ولاجئة، يشكّلون، في المجمل، قوام 60 عائلة تقطن المدينة، أقدمها جاء منذ ثلاث سنوات (2014). وبحسب الإحصائيّات، فإن هذه الأعداد مرشّحة للزيادة، نهاية العام الجاري 2016، نتيجة حركة تنقّل اللاجئين السورين، بين المحافظات اليمنية، والدول المجاورة.

لماذا سيئون؟

قصد هؤلاء مدينة سيئون بوصفها نقطة عبور آمن نحو السعودية، التي يتطلّعون فيها إلى لقاء أقاربهم وأحبّائهم، فضلاً عن أمل الحصول على فرصة عمل وعيش كريم. في هذا الصدد، يقول اللاجئ الشاب، عامر الناطور (27 عاماً)، لـ”العربي”، “لا أريد البقاء هنا بهذا الوضع، لكنّني مجبر على ذلك حتّى تفتح المملكة المنافذ أمامنا، فأنا أريد مقابلة والدي المقيم بالسعودية، والذي لم أره منذ سنوات، وهناك حالات كثيرة مثل حالتي، فهناك من يريد أن يجتمع بوالدته، وهناك من يريد الذهاب لرؤية أولاده، كما أن هناك الشاب الذي لم يلق سبيلاً للذهاب إلى خطيبته، حيث تقطّعت بهم السبل”.

إنطباعات

وتولّدت لدى هؤلاء اللاجئين انطباعات إيجابية عن المجتمع الحضرمي، الذي يصفونه بالكريم والمضياف، وإن كان لديهم بعض العتب تجاه عدم وجود دور مجتمعي لتلمّس قضاياهم واحتياجاتهم، إلّا أنّهم يقدرون ظروف الحرب في اليمن، وانعاكاستها السلبية على الأهالي.

الحياة اليومية

لا تختلف أوضاع اللاجئين السوريّين في محافظة حضرموت عن غيرهم من أبناء جلدتههم في عموم اليمن؛ وإن تعدّدت القصص، إلّا أن المعاناة واحدة. فلاجئو سيئون يسكنون في فنادق المدينة، يعيشون بين الناس، يتجوّلون في الشوارع والأسواق العامّة، طالبين المساعدة في محنتهم، وغالباً ما تُسند هذه المهمّة اليومية للنساء والفتيات، اللائي يجبن الشوارع، بائعات للمسابح تارة، أو ممتهنات للتسوّل بشكل مباشر. وعلى هؤلاء النسوة تجميع مصروف أسرهنّ اليومي، الذي يتراوح بين 10 آلاف و13 ألف ريال يمنيّ في اليوم (45$)، يذهب نصفها لإيجار الفنادق الذي يبلغ في حدّه الأدنى 2000 ريال يمني للأسر الصغيرة، فيما يصل سعر الأجنحة الخاصّة بالعوائل، التي يزيد عدد أفرادها عن الخمسة أفراد، إلى 5000 ريال يمني.

كفالة

في الوقت الذي تفرض فيه السلطات اليمنية رسوماً مالية على طلبات استقدام اللاجئين القادمين إلى اليمن، لا تتعدّى 70 ألف ريال (235$)، إلّا أن المبالغ النقدية التي يدفعها اللاجئون تفوق ذلك المبلغ بثلاثة أضعاف، أحياناً، إذ يُطبّق على اللاجئين السوريين القادمين إلى حضرموت نظام الكفالة، عبر ضمانة كفيل يمني تُدفع إليه مبالغ مالية تتراوح ما بين 1000 و1500$. وعادة ما يكون الكفلاء سماسرة معنيّين باستكمال معاملات استقدام الأفراد والعائلات التي يطلبها اللاجئون خارج اليمن، بواسطة تعاون أحد اللاجئين السوريّين في الداخل.

الحاج علي مصطفى

ومن بين اللاجئين الذين عانوا هذا النوع من الإبتزاز، الحاج علي مصطفى سليم (70عاماً)، الذي نزح، وزوجته المريضة وولديه، من الغوطة إلى الخرطوم، على حسابه الشخصي، برفقة عشرات اللاجئين السوريّين اللذين دخلوا السودان، وفق نصيحة مكاتب الأمم المتّحدة. مكث الحاج علي مصطفى في الخرطوم فترة قصيرة من الزمن، من دون أن يُمنح وثيقة لجوء رسمية، بيد أن أمله بلمّ شمل أسرته، والإجتماع بأولاده النازحين وأسرهم إلى السعودية، دفع به لمواصلة الرحلة إلى اليمن، وتحديداً إلى حضرموت، لما علم عن إمكانية وجود تسهيلات للدخول إلى الأراضي السعودية عبر منفذ الوديعة الحدودي.

يقول الحاج، لـ”العربي”، “كنت أفضّل البقاء لفترة أطول في السودان، نظراً لحالة زوجتي الصحّية، لكن رغبتنا برؤية أبنائنا الموجودين في السعودية جاءت بنا إلى هنا، فنحن لم نرهم منذ 5 سنين، بسبب ظروف الحرب في سوريا، ونظام اللجوء والإقامة بالنسبة للسوريّين بالسعودية. هناك من قدّم لي معلومات مغلوطة، بداية العام، بإمكانية العبور عبر المنافذ البرّية بحضرموت، لكن عندما ذهبت إلى منفذ الوديعة، تفاجأت بعدم تعاطي السلطات السعودية مع ملفّات اللاجئين حاليّاً. وأنا الآن بين أمرين أحلامها مرّ، فلست قادراً على الدخول للمملكة، ولا للعودة للسودان، خاصّة بعد أن دفعت مبلغ 1000 دولار للكفيل اليمنيّ، علاوة على أعباء وتكاليف السفر من الخرطوم إلى مطار سيئون، والتي وصلنا إليها منذ 8 أشهر”.

معاناة

وحول أوضاع اللاجئين في حضرموت، يوضح الحاج علي أنّنا “اضطررنا للسكن في فنادق شعبية بمدينة سيئون. وبالرغم من تردّي مستوى الخدمات المقدّمة فيها، إلّا أنّهم يطلبون منا أجرة يومية باهظة؛ فأنا مثلاً أدفع 60 ألف ريال يمني (200$) بالشهر، مقابل غرفة واحدة فقط، وهو مبلغ باهظ لا أستطيع التوفيق بين سداده، وبين أدوية زوجتي المريضة، وأحياناً قد يزيد المبلغ فجأة، دون مقدّمات، تارة بحجّة تشغيل المولّد الكهربائي، وتارة أخرى بذرائع أخرى. إنّ هذا لا يطاق، لذا لجأنا لمدّ أيدينا للناس، على أمل أن تُفتح الحدود في أيّ لحظة، لندخل السعودية، فنحن غير راضين بهذا الواقع، لكنّنا مجبرون على ذلك، في ظلّ عدم وجود مخيّمات أو أماكن إقامة مناسبة، مخصّصة للاجئين”.

إفتحوا الحدود

قالها اللاجئ رفعت جميل الطاهر، صارخاً: “إفتحوا الحدود، كي نرحل من هنا، نحن لسنا شحّاذين، بل شعب عزيز شرّدتنا ويلات الحرب الطاحنة. أنا تاجر من ريف دمشق، فقدت جميع أملاكي التي دمّرتها الحرب، وظللت محاصراً أنا وأسرتي بسوريا لمدّة أربع سنوات. لديّ بنت تعاني من الإعاقة، لذا نزحت بأسرتي إلى السودان في العام 2013، وقبل أشهر من هذا العام، جئت إلى اليمن أملاً في اللجوء إلى السعودية عبر الوديعة، من أجل أن أجتمع بأولادي المقيمين هناك”.

محمّد فريد

وينسحب حال رفعت على اللاجئ محمّد فريد، الذي أتى إلى سيئون العام المنصرم قادماً من صنعاء. يروي رفعت، لـ”العربي”: “دخلت صنعاء في العام 2011، ثم جئت إلى سيئون بداية العام 2015، ومن سيئون ذهبت إلى منفذ شحن الحدودي مع عمان، بغرض اللجوء إلى السودان عبر الأراضي العمانية، لكن القوانين السارية حاليّاً حالت دون ذلك، لذا بقيت في سيئون، على أمل حدوث انفراجة قريبة “.

“شوفير”

حال اللاجئين السوريّين العالقين في وادي حضرموت، والذين لم يجدوا منفذاً شرقيّاً ولا غربيّاً للخروج، يسري، أيضاً، على المواطن السوري، محمّد شحاته مصطفى، الذي نزح إلى السودان، قبل أن يأتي إلى حضرمو. يتحدّث محمّد، لـ”العربي”، عن معاناته، مشيراً إلى أنّه “لديّ خمسة أطفال، نزحنا إلى الخرطوم العام 2015، وعندما علمت عن إمكانية اللجوء إلى السعودية عبر الوديعة، أتيت مع أسرتي إلى سيئون. أنا شوفير، وأرغب بالحصول على فرصة عمل تناسبني، لكن مسألة الحصول على الإقامة هي أكبر المشكلات التي تعترض طريق سائقي الشاحنات الكبيرة، أمثالي”.

ظاهرة التسوّل ونظرة المجتمع

ينظر المجتمع الحضرمي لقضايا اللاجئين من زواية تتعلّق بعادات وتقاليد البيئة المحافظة، التي لا تقبل أن تتصدّر المرأة المشهد في الشوارع والأماكن العامّة، وبخاصّة عند امتهانها للتسوّل، لذا تنتقد الفعّاليّات المجتمعية انتشار ظاهرة التسوّل بشكل عام، وامتهانها من قبل اللاجئين السوريّين على وجه الخصوص.

وتزايدت هذه الإنتقادات مع تفشّي الظاهرة في أوساط اللاجئين السوريّين والصوماليّين، علاوة على الفئات المهمّشة التي تمارس التسوّل منذ سنين، وهو الأمر الذي يعدّه كثيرون، ظاهرة دخلية على المجتمع الحضرمي.

المتسوّلات السوريّات

وفي الوقت الذي تتصدّر فيه اللاجئات السوريّات مسرح هذه الظاهرة، التي تعدّت مستوى الإحتياج، لتصل إلى مستوى التكسّب، كما يرى البعض، أو النصب والإحتيال، وفق ما يعتقد آخرون، يطالب الأهالي بوقفة جادّة أمام ما يصفونه ببعض الممارسات التي تخدش الحياء وتعرّض المرأة للخطر، إذ يستغلّ بعض ضعاف النفوس الظاهرة كذريعة، لمآرب لا أخلاقية. حول هذا الموضوع، يقول الأستاذ محمّد صالح العامري إن “تصرّفات وحركات المتسوّلات في الأسواق العامّة وصلت إلى درجة لا يمكن السكوت عنها”، متسائلاً: “أين المسؤولون؟ أين الدعاة؟ أين العقلاء؟ إلى متى الصمت؟!! تجدهم في كلّ مكان، المطاعم ومحلّات الصرافة والمستشفى، وهناك سيّارات تقوم بتوزيعهم على المناطق، الظاهرة تنتشر والعدد يزداد”.

ويعتبر أبو حامد بلظراف، من جهته، أن ما نشاهده، اليوم، ليس تسوّلاً “من أجل سدّ الحاجة أو الفاقة، بل امتهان للتسوّل، بحيث أصبحت ظاهرة مستفحلة، في ظلّ غياب دور الدولة، ودور الدعاة والمرشدين”.

ظاهرة دخيلة

وفي السياق، يرى الإعلامي علي باسعيدة أن هذه الظاهرة “دخيلة على المجتمع الحضرمي”، منبّهاً إلى أن “لها تداعيات سلبية، خاصّة مع انتشارها، وتعدّد أساليبها، وقد ازداد خطرها بعد توافد عشرات اللاجئين من بعض الدول الشقيقة”، لافتاً إلى أنّه “مؤخّراً، وجّه أحد الدعاة نداء وصرخة، بخصوص هذا الموضوع، داعياً إلى تبنّي مشروع حقيقي، يعنى بقضايا تلك الشريحة”.

تطبيق القانون

ويطالب المحامي مكسيم السباعي، بدوره، السلطات بـ”تطبيق المادّة 203 من قانون العقوبات، التي تنصّ على أنّه يُعاقب بالحبس مدّة لا تزيد على ستّة أشهر من اعتاد ممارسة التسوّل، في أيّ مكان، إذا كان لديه أو في إمكانه الحصول على وسائل مشروعة للعيش. وتكون العقوبة الحبس الذي لا يزيد على سنة إذا رافق الفعل التهديد أو ادّعاء عاهة أو اصطحاب طفل صغير من غير فروعه. ويجوز للمحكمة بدلاً من الحكم على المتسوّل بالعقوبة المقرّرة، أن تأمر بتكليفه بعمل إلزامي مدّة لا تزيد على سنة إذا كان قادراً على العمل، أو تأمر بإيداعه ملجأً أو داراً للعجزة أو مؤسّسة خيرية معترفاً بها إذا كان عاجزاً عن العمل، وذلك متى كان إلحاق أيّ منهما بالمحل الملائم له ممكناً”.

ويشخّص الناشط، أحمد جمال جوّاس، من جانبه، ظاهرة التسوّل بمحورين، حيث “ينقسم ممارسو هذه الظاهرة إلى فريقين، الفريق الأوّل محتاج فعلاً، وما سلك هذا الطريق إلّا من حاجة، وأعتقد أن نسبتهم قليلة، أمّا الفريق الثاني فامتهن التسوّل وهو قادر على العمل، وبالتالي، ربّما أعجبه الأمر وتطوّرت حالته. وعليه، لذا يجب معالجة مشاكل الفريق الأوّل، المحتاج فعلاً، من خلال الجهات ذات العلاقة، فيما يتمّ اتّخاذ الاجراءات القانونية تجاه الفريق الثاني. كما يجب عند حلّ المشكلة أن نأخذ في الحسبان جميع الإعتبارات، فإذا منعنا التسوّل فما هو البديل لبعض الحالات؟”.

ويطالب الأستاذ طه السقّاف، هو الآخر، بـ”انتشال السوريّين من أوضاعهم أسوة بالعدانية”، معتبراً أنّه “لو تمّ التعامل مع الإخوة السوريّين، كما التعامل مع نازحي عدن، لكان الأمر مختلفاً، فهم إخوة لنا”. أمّا العقيد حسن مقشم، فيرى ضرورة السعي لـ”حلّ مؤقّت، كإقامة المخيّمات وتوفير الغذاء والدواء والماء والكهرباء، تحت إشراف الدولة”. ويوافقه الرأي عمر جمال السقاف، الذي يعتقد بـ”إمكانية إيجاد حلول لقضايا اللاجئين السوريّين، من خلال التواصل مع منظّمة اللاجئين في عدن خورمكسر، لترتيب وضعهم في مخيّمات خرز، التي تتّسع للكثير، وبها أعمال إنشاءات متجدّدة لاستيعاب الأعداد”.

تعقيب

ويرفض اللاجئون السوريّون نظرة المجتمع إليهم، كما ينفون الإتّهامات الموجّهة لهم، مبرّرين لجوءهم للتسوّل بـ”إغلاق جميع الأبواب أمامهم”. يؤكّد اللاجئ نضال تيسير رشيد، في هذا السياق، أنّه “وصلتنا بعض هذه الإنتقادات، كما وصلتنا انتقادات بعض الخطباء والدعاة، وهنا نودّ أن نوضح، نحن لم نأت من سوريا إلى هنا كي نتسوّل، لكن الظروف أجبرتنا على ذلك. كنّا مرتاحين في سوريا، لكن فقدنا كلّ شيء، نحن نعيش بظروف صعبة، فلا نستطيع تعليم أولادنا لعدم استقرارنا باليمن، ومن الصعب أن نحصل على فرص عمل، ناهيك عن أنّنا لا نحظى بأيّ اهتمام، سواء من قبل السلطات أو منظّمات الأمم المتّحدة؛ أمّا الجمعيّات الخيرية فهي لا تكترث بنا، فماذا نفعل؟! وإلى أين نذهب؟!… إنّنا نناشد المملكة والملك سلمان بفتح الحدود كي نكون بوضع أفضل، بعيداً عن هذا الحال”.

زر الذهاب إلى الأعلى