العرض في الرئيسةفضاء حر

شعب بلا وطن!

يمنات

اسيا الصراري

كلما عُدت إلى قولِ إبراهيم طوقان “في يدينا بقية من بلاد.. فاستريحوا كي لا تضيع البقية”، راودني شعور بالخوف على وطنِِ بتنا نناشد تجار الحروب التوقف على المتاجرة بأعضاءه لإنقاذ ما تبقى من هيكله النحيل.

_بقية أو ما تبقى_ جميعها مفردات دالة على الهلاك التدريجي لنصل إلى العدم لنغدو بعدها في خبرِ كان هذا ما إن قَبلَ التاريخ أن يسجلنا على صفحاتهِ كجيلٍ لا كلعنةٍ حلت على الوطنِ فقضت عليه.

أسوأ ما قد نمر به كجيلٍ حتى بعد مماتنا هو أن ينعتنا التاريخ باللعنةِ ويتحدث عنا الأجيال القادمة بأننا جيل نعم الله عليه بوطن له تاريخه ومكانته بين الأمم فتنازلنا عن كرامتنا وأضعنا وطننا لتغدو النتيجة أنهم قدموا للعالم كشعبٍ بلا وطن كما هو شأن الصهاينة قبل اجتياحهم فلسطين.. نعم هذا ما سنجنيه ما إن أستمرينا بالمضي على دربِ الخراب – جيلٌ بلا وطن – .

هل بينكم من سيخبرني ما حل بوطنيتنا؟ هل أفلسنا منها إلى هذا الحد؟ كيف سنواجه الأجيال القادمة؟ وكيف لتاريخ أن يسجلنا على صفحاته؟ أيعقل أنه سيأتي يوماً يدخل فيه معلم اللغة العربية الصف ويدّون على السبورة أعرب الجملة الآتية: “كان على رقعة الأرض وطناً يدعى يمن” أو حتى تبديلها بأي اسم أخر من أسماء البلدان العربية التي أصبحت آيلة للضياع بعد إن جعلوها أبناءها لقمة سهلة بيد أعداءها. أو أن يدخل معلم التاريخ يتحدث عن وطنٍ كان فدمروه أبناءه بدلاً من أن يسعون للحفاظ عليه ؟

ألا نشعر بالخزي عندما نقرأ تاريخ الصهاينة اليوم.. كيف كانوا؟ وكيف أصبحوا اليوم بعد إن فرضوا وجودهم على رقعة من أراضينا العربية”فلسطين”بعد إن كانوا شعباً بلا أرض؟ أليست هذه المقولة الشهيرة مبررهم لاجتياح فلسطين: “إسرائيل شعب بلا أرض.. وفلسطين أرضاً بلا شعب”؟.

ها هم الصهاينة فرضوا أنفسهم علينا, وفي ظل صمتنا العربي الموحش أمام استيطانهم فلسطين غدا جزء من وطننا العربي يدعى دولة إسرائيل.

فهذا هو ما صنعته دولنا العربي لبعضها البعض – الضياع – .. عربٌ نحن ورغم كل ما تحمله العروبة من معاني العزة والكرامة والغيرة على أراضينا ومالنا وعرضنا… غدونا ننكس رؤوسنا ما أن نعتنا عرب وكأن مصطلح عربي غدت لعنة نتقاذف بها ما إن أرتابنا الغضب.. أصبحت العروبة مربوطة بالخيانة والتخاذل والتأمر بعدما بات العربي يتآمر على عروبته..على وطنه العربي.. وحتى على دينه ولغته.

لم نكن في يوماً قوة عربية نخشى ضياع جزء منا أمام أي مستعمراً كان نجح أعدائنا بتمزيقنا كوطنٍ عربي واحد وها هو اليوم يسعى لتمزيقنا وطناً وطناً .. كيف لنا بعد هذا أن نراهن على قوتنا ووحدتنا كعرب ونحن عرباً ما أن تحالفنا تحالفنا على عروبتنا..ت حالفنا على بعضنا البعض وكأن لا عدو لنا سوى أنفسنا؟.

كم هو حجم الألم بعد أن غدونا نقارن أنفسنا بأعدائنا كيف كانوا وكيف أصبحوا بعد إن كانوا ليس لهم وجود.. بينما نحنا وبعد إن كان لنا وجود أخذنا نسعى نحو الضياع دون اكتراث لما سيحل بنا ما أن أستمرينا بالمضي على هذا الطريق.. خطواتنا الغير محسوبة هي من تمحي أثرنا من الوجود يوماً تلو الآخر.

مؤلمٌ أنهم غدو أكثر وطنية منا,وأكثر قيمة منا فإسرائيلي اليوم يسوى ألف عربياً منا..والأكثر وجعاً أنه ما إن قارنا بيننا نحن العرب وبينهم لا نجد وجه شبه سوى أننا جميعاً غدونا بلا إنسانية بعد إن تجردنا منها وأخذنا نحيا بدماء بعضنا البعض, ونتاجر بقضايا بعضنا البعض.. والفارق هنا يمزقنا ألماً هم يقاتلون أمة لا ينتمون لها بأرضٍ أو دينٍ أو لغة ليثبتوا وجودهم… بينما نحن نقاتل بعضنا البعض لا لصالح أوطاننا بل لصالح أعدائنا..وأمام تلك الإحصائيات المفجعة لضحايانا نثبت لهم وفي كل مرة تتساقط أمامنا أجساد الضحايا أن لا قيمة لنا وما يبرهن ذلك أجساد الأبرياء التي تتساقط يوم تلو الأخر دون وجه حق.

فلسطين هي فقط القضية العربية الوحيدة التي سيقف أمامها الأجيال القادمة بفخر لأنها لم تكن بيوم ضحيةِ أبناءها ونفوسهِم التي أصبحت مقتصرة على مصالحهِم بل غدت ضحيتنا نحن العرب من وقفنا أمام قضيتها بصمت وتنازلنا عنها من أجلِ مصالحنا.. هي قصةُ كفاح.. قصةُ نضال لاستعادةِ حقٍ مسلوب.. قصةُ بطولةً لا تضاهي أعدائها قوة وعتاد لكنها لازالت صامدة تقاوم من أجلِ بقاءها رغم نزيف جراحها التي لم تندمل يوماً.. فلسطين ضحية عدو معلوم تعي تماماً من تقاوم وإزاء من تصوب أحجارها بينما نحن نجح أعدائنا بأن يصوروا لنا أن لا عدو لنا سوى أنفسنا..وأننا لسنا سوى ضحايا لمصالحنا..وبإرادتنا أضعنا وطننا فكيف للأجيال القادمة أن تفخر بنا بعد كل هذا وذاك؟

إن علينا أن نعترف أننا من مكنا أعدائنا منا إلى هذا الحد المأساوي الذي نشهده اليوم في ظل الصراعات الراهنة من يديرها أعداء وطننا في الخارج من جعلونا نرى في بعضنا البعض أعداء لبعضنا البعض وكأن لا عدو لنا سوى أنفسنا.وبالدمار الذي طال وطننا بهذا القدر المخيف من أن نستيقظ ونجد أنفسنا أمام حقيقة لا مكان ولا وطن وبتالي نقدم على مستقبل أشد ظلمة مما نحن عليه اليوم في ظل غياب الوعي العربي,فنحن واقعون تحت ميراث غياب الوعي وموت الضمير العربي بل وضمير العالم أجمع وانعدام الحس الوطني… وفي ظل كل هذا يتشظى عالمنا العربي منه بلادنا-اليمن-بحروب وانكسارات ويتشتت في أن يكون ورغبة أعدائه في أللايكون ومن هنا وجب علينا أن نقف مع أنفسنا وقفة حاسمة حازمة.فها نحن أصبحنا على مفترق طرق, وعلينا أن نختار ما يليق بإنسانيتنا وبوطنيتنا وتاريخنا…فإما أن نبيع أنفسنا ووطنا وتاريخنا,ونغدو دمى في أيادي القوى المتصارعة والعابثة بأمن ومقدرات الوطن,أو أن نصبح كياناً وأشخاصاً لهم هيبتهم ومكانتهم ونسعى جاهدين للحفاظ على وطننا وتاريخنا…فيهابنا العابثون.

زر الذهاب إلى الأعلى