العرض في الرئيسةحقوق وحريات ومجتمع مدني

سجناء آل الريامي … ثلاثون عاماً من فقدان الأمل

يمنات

في كلّ عام، ينتظر الآلاف من السجناء اليمنيّين “خيرات” شهر رمضان، آملين بتحريرهم من خلف القضبان. فهذا الشهر، بالنسبة إليهم، محطّة سنوية تُفكّ فيه كربة المكروبين، ويُقضى فيه دين المعسرين، ويتدخّل فاعلو الخير والإحسان لتحرير الرقاب وعتقها، إمّا بدفع الديّات، أو بإقناع أولياء الدم بالتنازل عن الحقوق الشخصية، كما توجّه النيابة العامّة بالإفراج عن السجناء الذين قضوا ثلثي الفترة المحكوم عليهم بها في السجن، في حال عدم وجود أيّة قضايا شخصية أو حقوق للغير. أمل ورحمة يستثنى منهما ثمانية سجناء، أربعة بينهم أشقّاء، تجاوز مكثهم خلف قضبان السجن المركزي في صنعاء ثلاثة عقود حتّى الآن، ولا حديث عن الإفراج عنهم.

سجناء الجبهة الوطنية

السجين عبّاد عبد الله الريامي وأشقّاؤه الثلاثة، والسجناء زين عبد ربه علي الريامي، وضيف الله علي الريامي، وأحمد ناصر الريامي، وسجين رابع من القبيلة نفسها، أودعوا السجن المركزي في صنعاء بتاريخ 12/4/1986 على خلفية الصراع السياسي الدائر، حينها، بين الشمال والجنوب. كانت تهمتهم الإنتماء إلى عضوية الجبهة الوطنية الديمقراطية، فرع الحزب الإشتراكي اليمني في شمال اليمن سابقاً، والتي كانت تطالب بتحقيق الوحدة اليمنية. إلّا أن السلطات في الشمال كانت ترى في حضور تلك الجبهة حضوراً للمدّ الماركسي، الذي كان يصوّر لعامّة الناس بأنّه خارج عن الدين الإسلامي، وأن أعضاءه يدعون إلى الكفر والإلحاد. تطوّرت الخلافات بين الجبهة الوطنية التي كانت مدعومة من النظام الإشتراكي الحاكم في جنوب اليمن، والنظام الشمولي في شمال اليمن، حتّى اندلعت حرب بين الجبهة الوطنية وبين الحكومة، استمرّت منذ مطلع السبعينات، وتوقّفت في عهد الرئيس الحمدي، وعادت مرّة أخرى بعد اغتياله.

وتوقّفت ما تعرف بأحداث المناطق الوسطى منتصف الثمانينات، بحوار سياسي بانتهى بإغلاق الملفّ، واستيعاب مقاتلي الجبهة بالقوة في الجيش اليمني، إلّا أن القضايا الخاصّة ظلّت مفتوحة، فتمّ الزجّ بالمئات في السجون، وحوكموا في المحاكم الوطنية على ذمّة قضايا جنائية، إمّا كانوا مرتكبيها أومسؤولين عن وقوعها، وأُعدم العشرات منهم، وظلّ آخرون ومنهم سجناء آل الريامي، الذين قضوا حتّى الآن 31 سنة في السجن، متجاوزين السجن المؤبّد بستّ سنوات، دون أحكام باتّة.

محاكمة غير قانونية

يرى سجناء آل الريامي الذين ينحدرون من قبيلة آل الريامي، إحدى قبائل مديرية رداع الواقعة في محافظة البيضاء، أنّهم مجرّد سجناء سياسيّين، وأن وضعهم في السجن مخالف لكافّة الأنظمة والقوانين. وبحسب روايتهم، فإن وضعهم القانوني يستند إلى فقرات الحكم الإبتدائي الصادر من محكمة أمن الدولة، في عام 1984 التي أصدرت أحكاماً وصفوها بالعدائية والظالمة، لافتقارها لأبسط الحقوق القانونية والإنسانية المتعارف عليها محلّيّاً ودوليّاً. ويشير سجناء آل الريامي إلى أن الشعبة العسكرية الجزائية أيّدت الأحكام التي وصل بعضها حدّ الإعدام، في قضية الأحداث التي شهدتها مديرية رداع إبّان حرب المناطق الوسطى، مؤكّدين، في رسالة صادرة عنهم، عدم اعترافهم بتلك الأحكام كونهم “أبرياء ومظلومين”.

قضية سياسية

أثناء مشاورات الشمال والجنوب حول إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، تمّ الإتّفاق على إغلاق كافّة الملفّات، التي كانت عالقة بين الدولتين الشطريّتين. وبعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في الـ 22 من مايو عام 1990، حظيت قضية آل الريامي باهتمام ومتابعة الحزب الإشتراكي اليمني، إلّا أن الحزب انشغل بصراعه مع الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، وصولاً إلى اندلاع حرب صيف 1994، والتي انتهت بخروج الحزب الإشتراكي من المعادلة، لتظلّ قضية آل الريامي معلّقة من دون حلّ.

وبعد اندلاع “ثورة الشباب”، التي انتهت بإزاحة الرئيس السابق، بموجب المبادرة الخليجية، أعيدت القضية إلى الواجهة في مؤتمر الحوار الوطني، الذي ناقش كافّة القضايا الوطنية، خلال الفترة الممتدّة من 1967 حتّى 2013. وأكّد الفريق الخاصّ بحقوق الإنسان التابع لمؤتمر الحوار، خلال زيارته للسجن المركزي، أن قضية المعتقلين من آل الريامي سياسية، مطالباً بالإفراج عنهم، إلّا أن الفريق لم يكمل متابعة القضية.

في إحدى بيانات منظّمة العفو الدولية، تطرّقت المنظّمة إلى قضية السجناء الثمانية من آل الريامي في السجن المركزي في صنعاء، ووصفتهم بالمعتقلين السياسيّين، وطالبت صنعاء بالإفراج الفوري عنهم كون سجنهم غير قانوني، غير أن السلطات ردّت على منظّمة العفو بـ”عدم وجود أيّ سجناء سياسيّين في السجون اليمنية”.

قضية قبلية

في ظلّ الإزدواجية بين الدولة والقبيلة، تفيد مصادر محلّية بأن للقضية بعداً قبليّاً أيضاً، موضحة أن بقاء آل الريامي في السجن لثلاثة عقود بحاجة إلى تدخّل قبلي وصلح بين قبيلة آل الريامي وقبيلة أخرى، تتّهم السجناء بالوقوف وراء مقتل عدد من أبنائها أثناء أحداث المناطق الوسطى. وتشير المصادر إلى قضايا الثأر في مديرية رداع تتجاوز الثلاثين قضية.

خيبة أمل

في إحدى الرسائل التي بعث بها من باتوا يعرفون، في السجن المركزي بصنعاء، بسجناء آل الريامي، عبّروا عن خيبة أملهم بثورة “الشباب”، التي كانوا يأملون أن تنهي معاناتهم، إلّا أنهم قالوا إن الثورة لم تغيّر من حالهم شيئاً. كما طالبوا كلّ المنظّمات الإنسانية الدولية والمحلّية، بالعمل على تحويل قضيّتهم إلى قضية رأي عام، حتّى يتمّ الإفراج عنهم، وتعويضهم تعويضاً عادلاً عمّا قضوه من سنوات الضياع والمعاناة في زنازين السجن دون تهمة، وإعادة ممتلكاتهم التي قالوا إنها نهبت، وتأمين قبيلتهم، والعودة إلى قراهم التي شرّدوا منها لثلاثة عقود.

المصدر: العربي

زر الذهاب إلى الأعلى